الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطان العميمي: القصة القصيرة جداً متعبة جداً

سلطان العميمي: القصة القصيرة جداً متعبة جداً
11 سبتمبر 2013 20:45
لم يعد فن القصة القصيرة جداً غريباً على السرد في الإمارات، بل من الممكن الإشارة إلى عدد من الأسماء التي أسهمت كتاباتها وإصداراتها في لفت الانتباه إلى المميزات التي تخص هذا الفن، ومن بينها الشاعر والقاص سلطان العميمي الذي تصدر له قريباً رواية بعنوان “ص. ب. 1003”، وكتاب آخر في القصة القصيرة جداً، أو ما يرغب بتسميتها القصة المكثفة جداً. غير أن عمر هذا الحوار ليس بقصير، فقد أجري بعد صدور كتاب “تفاحة الدخول إلى الجنة” بلحظات تقريباً، عن دار مدارك للنشر وما زال طازجاً ويحمل الكثير من الرؤى والتأملات حول فن “القصة المكثفة جداً” مثلما حول الشعر ومستقبل هذين الفنين إجمالاً. أما عن سلطان العميمي، ففضلاً عن كونه باحثاً في الشعر النبطي والأدب الشعبي، فقد صدر له: “سالم الجمري ـ حياته وقراءة في قصائده”، العام 1999، و”الماجدي بن ظاهر ـ سيرته وأشعاره وقصائد تنشر لأول مرة”، 2004، وتحقيق ديوان “سفرجل” للشاعر راشد الخضر 2004، و”خمسون شاعراً من الإمارات” 2008، وديوان الشاعر محمد المطروشي 2011، ثم كتابه الأول في “القصة المكثفة جداً” الذي يحمل العنوان: “الصفحة 79 من مذكراتي” وذلك بالإضافة إلى أنه يشغل منصب مدير أكاديمية الشعر التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وهنا الحوار مع سلطان العميمي حول اتجاهه لكتابة “القصة المكثفة جدا”، وتجربته الكتابية بشكل عام: ? تكتب الشعر أصلاً، وها أنت في “تفاحة الدخول إلى الجنة” تكرس نفسك لهذا النوع من السرد الذي يسمى القصة القصيرة جداً أو القصة الومضة؟ ?? لا يتعلق الأمر بالشاعر فقط، إذ إن لها وجهاً آخر يرتبط أيضاً بالشاعر على نحو ما. بالفعل لقد بدأت مسيرتي الأدبية شاعراً، لكنني في الوقت نفسه اتجهت إلى البحث في الشعر النبطي وكذلك إلى الحكايا الشعبية. لم أتنازل عن كوني شاعراً. فتح لي هذا الجانب الباب واسعاً كي أطلع على علوم وآداب مختلفة لم أكن أتوقع أنها غنية شعرياً وأدبياً إلى هذا الحدّ، وسوف أزعم بأن الشعر النبطي قد أخذ بيدي وأدخلني إلى عالم الكتابة الأدبية والفنية في مختلف الأجناس، وقد ضاعف ذلك من اهتماماتي بالرواية والقصة وسائر أشكال السرد العربي بل والشعر العربي والشعر المترجم أيضاً. ما أودّ قوله هنا أن اتجاهي إلى كتابة القصة القصيرة جداً قد جاء بدافع قويّ من الرغبة في أن أدخل هذا العالم وأستكشفه بكل تفاصيله فأعرف إلى أي درجة هو فن متطلب، فضلاً عن أن لديّ الفضول كي أقول شيئاً ما أو أقول بضعة أفكار تلحّ عليّ وعلى مخيلتي.. أفكار من ذلك النوع الذي من غير الممكن التعبير عنه إلا بكتابته عبر هذا النوع الأدبي الذي هو القصة القصيرة جداً. لقد استغرق مني ذلك فترة طويلة في كتابة القصة الواحدة، ولا أتردد في القول بأنني قد محوت الكثير مما كتبت، كما مزقت أوراقاً أيضاً، وقمت بتغيير الكثير من التفاصيل في القصص، بوصفها بنية حكائية أيضاً، وذلك خلال سنوات سبع حتى أصدرت مجموعتي الأولى “الصفحة 79 من مذكراتي”، بينما هذا الكتاب كله لم تستغرق كتابته سوى سنة واحدة. أعود إلى القول: إن الفكرة هي التي تحدد الشكل الأدبي الذي من الممكن لها أن تتأطر من خلاله، لكننني في الوقت نفسه لم أتوقف عن كتابة الشعر أو قراءته عربياً ومترجماً إلى العربية، ومع ذلك أكتب القصة، ولأكشف لك أكثر أنني في هذه الأثناء أعمل على عمل روائي، إضافة إلى استمراري في البحث والدراسة في حقلي الشعر النبطي والأدب الشعبي. الشاعر السارد ? ألا تخشى على الشاعر الذي فيك من هذا السارد؟ ?? أبداً على الإطلاق، لا أخشى شيئاً على الشاعر من السارد، وإن كنت سابقاً لم أقم بتكريس نفسي ووقتي من أجل كتاباتي الشعرية فقط، بل دائماً كان لديّ ذلك الانفتاح على مختلف الأنواع والأجناس الأدبية، وأظن أن “الشعرية” من الممكن تحققها من خلال السرد أيضاً، فضلاً عن أن الشعر ذاته يحتمل الكثير من السردية. ولأصارحك القول بهذا الرأي: هناك الكثير من القصص القصيرة والقصيرة جداً التي تتوفر على شعر يفيض منها بأكثر مما تحمل الكثير من القصائد التي نحسبها في خانة الشعر. ? قصدت من السؤال سابقاً أن الإشارة إلى أن الشعر بدوره متطلّبٌ أيضاً، بل لا مبالغة في القول بأنه يحتاج إلى أن يكرس له المرء عمراً بأكمله.. ?? لا أختلف معك أبداً في هذا الأمر. لكن لا أعرف، لماذا يجب علينا أن نفصل الشعر عن أنواع أخرى من أشكال الأدب أو الفن كالقصة القصيرة أو الفن التشكيلي مثلاً؟ ترى، ما الذي يمنع شاعراً عن الكتابة في السرد أو رسم لوحة أو ممارسة أي جنس إبداعي آخر؟ هل على الشاعر أن لا يكتب إلا شعرا؟ من الذي أفتى بذلك؟ بالنسبة لي، لا أرى أي مانع أو غضاضة، كما يقولون، في أن يكتب الشاعر نثراً أو أي شكل أدبي ما دام قادراً على ذلك. أعتقد أن لكل جنس أدبي، أو أي نوع من الخلق الإبداعي، فضاءاته الخاصة به. وأرى أن “الشعرية” التي لدى الشاعر هي بالضرورة تضيف الكثير إلى جماليات النص السردي النثري، والشاعر الذي يمارس الكتابة بنزاهة، سواء في الشعر أو النثر أو حتى النقد، يدرك ذلك جيداً. ? بناء على هذا الرأي، هل تعتقد أن مكانة الشعر لدى الشاعر ذاته أو حتى الجمهور من الناس سوف تتأثر؟ ?? أحسب أننا متفقان على أن الشعر بحد ذاته يحظى بمكانة كبيرة لدى الإنسان العربي بعيداً عن إشكالية شكل القصيدة العربية، وأن هذه الحظوة للشعر تخصه، سواء أكان حديثاً أم قديماً. زد على ذلك أن العربية لغة عظيمة بالفعل، ومع احترامي الشديد لمكانتها الدينية، فإنها قد أغنت الشعر العربي على مدى قرون طويلة مثلما اغتنت هي من الشعر. لقد أضاف لها الشعر نوعاً من الفرادة، الأمر الذي لم يتوفر لأية لغة أخرى في العالم ربما، لذلك فالسحر الذي يتوفر عليه الشعر جعل له ما يكاد يكون “قدسية” في ذهن الإنسان العربي، فتجد أن الشعر في بعض الأحيان أكثر تأثيراً بكثير من أنواع أخرى من الخطاب الأدبي، كالخطابة مثلاً أو الكتابات السردية. ما أردت قوله من ذلك أن من الصعب على أي شكل أدبي آخر أن يأخذ مكانة الشعر في الثقافة العربية بحكم التكوين الثقافي والنفسي للشخصية العربية التي تقدم الشعر على ما عداه من كافة أشكال الإبداع. ? لكن أظن أن مكانة الشعر العربي راهناً قد تأثرت بالكثير من المتغيرات الثقافية وخصوصاً في الوقت الراهن. ?? لا أتفق معك في ذلك أبدا، إذ إنه من خلال اشتغالي على الشعر وفيه باحث وشاعر، فأرى أن ما يمرّ به الشعر الآن هي مرحلة “تجريب” عبر محاولات لا تنقطع في تغيير وتحديث شكل القصيدة وبنيتها فنجد التفعيلة والكلاسيكية والنثر وقد تجاورت في المشهد الشعري، حيث لكل شكل من هذه الأشكال أنصاره ومؤيدوه، مثلما أن هناك الذين يقفون موقفاً نقدياً ضدياً أو تصالحياً ضد هذا الشكل أو ذاك أو معه. وهذا أمر طبيعي تماماً. وأعتقد أن هذه الممارسة للشعر، أو بالأحرى هذه التجربة التي تحتضن الكل في سياقات متعددة لممارسة كتابة القصيدة العربية لن تتوقف عن دفعنا باتجاه محاولات إعادة تشكيل القصيدة وإعادة طرح الإشكاليات حولها من خلال أطر وسياقات جديدة ومختلفة ومتنوعة بتنوع الأزمنة التي يعيش فيها الناس. وإذا كانت هذه هي أزمة الشعر العربي راهناً، فهي ليست راهنة أبداً، بل مستمرة وستبقى. بين الشعر والنثر ? هذا النوع من الخطاب التأملي ـ النقدي يقود مباشرة إلى طرح إشكالية النوع الأدبي في ما يتصل بالقصة القصيرة جداً، فهل هي حقاٍ تنتمي إلى حقل القصة القصيرة أم إلى قصيدة النثر؟ هل ترى إشكالية ها هنا؟ ?? بالفعل ثمة إشكالية حقيقية هنا، غير أن هذه الإشكالية موجودة بالفعل، حيث تتمثل هذه الإشكالية، من وجهة نظري وقد أكون مخطئاً، في تحديد الشروط التي ينبغي توفرها في النص كي نسميها قصة مكثفة جداً أو قصيدة نثر. إنما لا أعتقد أنها مؤثرة كثيراً عليّ أنا بوصفي كاتباً لهذا النوع الأدبي عندما أقوم بطرح فكرتي من خلال “النص” الذي أكتبه، إنني أطرحها بالطريقة التي أراها مناسبة للقول والكتابة وفقاً لما تمليه لحظة ما لنسميها “لحظة إبداعية” بكل ما تنطوي عليه هذه اللحظة من تعقيدات. أما مسألة التصنيف النوعي أو الجنسي للشكل فهي مسألة أو تفصيل من التفاصيل الذي يخص النقد بحد ذاته وليس الشكل الذي خرج عليه النص من مخيلة الشاعر. ? أيّ من النوعين الأدبيين، بالنسبة إليك، متطلِّبٌ معرفياً أكثر: القصيدة أم القصة القصيرة جداً؟ ?? لا شكّ أن القصة المكثفة جداً تحتاج إلى تركيز أكثر، معرفياً ووجدانيا إذا صحّ التوصيف، فقد تطول فترة كتابة الواحدة منها أكثر مما تستدعي قصيدة أو قصة قصيرة. فقصة مكثفة جداً من ثلاثة أسطر تحتاج إلى فترة أطول من تلك الفترة التي تحتاج إليها قصة قصيرة من ثلاث صفحات. أيضاً تختلف تقنيات الكتابة في القصة المكثفة جداً عن سواها من أنواع الكتابة، فهذه التقنيات أكثر صرامة لأن شروط كتابتها أكثر قسوة من شروط كتابة القصة مثلما نعهدها. ? لديّ تساؤل عن مصادر هذه الكتابة، هل هناك نوع ما من المصادر التي تحفّزك على كتابة القصة القصيرة جداً أو المكثفة جداً كما تسميها؟ ?? لا شكّ أن لكل كاتب مصادره، التي تساعده على تشكيل أفكار أو تساعده على التحليق بالخيال من خلال أفكار معينة، لذلك يجب على القاص أن يكون قارئاً جيداً لمختلف التجارب والأجناس الأدبية: القصة، والشعر، والحكايا الشعبية، والرواية، وأن يكون متابعاً جيداً أيضاً للسينما، وهذه الأخيرة تغذي الخيال الأدبي بالفعل، حيث يمكن من خلال مشهد سينمائي أن تخطر على بال المرء فكرة ما، تماماً مثلما يحدث عندما نقرأ جملة في رواية. أيضاً يجب أن يكون كاتب القصة المكثفة جداً حاضر الذهن والبديهة في حياته اليومية، لاقتناص مشهد يومي أو حادثة عابرة أو حتى كلمة ليُصار إلى تحويلها في ما بعد إلى نص أدبي بحيث يعيد تناولها من زاوية ما. ? وهل حقاً أنت على صلة بالحياة اليومية؟ ?? بالطبع، إن قصصي في المجموعتين قد انبنت على أساس واقعي، لكن هذا الأساس يختفي في الكتابة إلا ما ندر، حيث تجد من بين ما أكتب قصصاً تختلف أجواؤها، فهناك القصة الفانتازية مثلاً، أو تلك التي الحدث فيها هو مفارقة لغوية. ? أخيراً هل حقق لك هذا النوع من الكتابة أمراً ما، شهرة مثلاً في أوساط قرّاء جدد؟ ?? أصدقك القول، نعم لقد حقق لي ذلك وعرفني على جمهور جديد، لكنه بالمقابل لم يستطع أن يأخذني من الشعر ولا أن ينتزعني من الاهتمام بالأدب الشعبي وسأظل أكتب القصة المكثفة جداً متى وجدت أنني في حاجة إلى التعبير عن نفسي من خلالها، وكذلك الشعر، فسأظل أكتبه ما دمت بحاجة إليه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©