الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سوريا الحرة» وشبح القصف الجوي

«سوريا الحرة» وشبح القصف الجوي
4 سبتمبر 2012
كان الجو احتفالياً يوم الجمعة الماضي في وقت كان يخرج فيه سكان مدينة الباب من المساجد بعد الصلاة متوجهين نحو ميدان التحرير من أجل المطالبة بنهاية نظام الأسد. وكان الأطفال يحملون علماً سورياً ضخماً في وقت قام فيه أحد النشطاء بحشد الناس للانضمام للتظاهرة الاحتجاجية بواسطة مكبر للصوت، ثم تفرق عدد من المحتجين إلى دوائر رقص صغيرة، وكان الجو، بصفة عامة، مفعماً بالحماس والروح الوطنية السورية، وكانت شعارات المتظاهرين وهتافاتهم توحي بذلك. ولوقت قصير، ساد شعور بنهاية وشيكة للحرب في هذه المدينة التي يصفها السكان الآن بأنها باتت جزءاً من "سوريا الحرة"، أي ذلك الجزء من البلاد الذي انحسر فيه وجود ميليشيات نظام الأسد و"شبيحته" وعناصر كتائبه الأمنية التي تقمع الناس وتعتدي بأسلحتها على المدنيين العزل. ومنذ أواخر يوليو الماضي، أصبحت مدينة الباب جزءاً من منطقة صغيرة من سوريا تمكنت من التحرر إلى حد بعيد من سيطرة الأسد وجيشه. وتوجد هذه المدينة، التي تقع على بعد نحو 40 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب والخطوط الأمامية للحرب الأهلية، في عمق الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة حيث لا توجد أية آثار للنظام أو قواته القمعية. غير أن لحظة النصر وأجواء الفرح الغامر بالنسبة للمتظاهرين لم تعمر طويلاً في ذلك اليوم للأسف. فعلى خلفية الهتافات والأغاني، سمع المتظاهرون صوت مقاتلة سورية وهي تقترب من المنطقة، وكان هذا نذيراً بقرب عدوان من قبل طيران النظام الحربي على المدنيين العزل. وبينما تفرق الحشد في مختلف الاتجاهات، دارت الطائرة في الجو ثم قامت بحركة غوص هجومية نحو الأسفل مطلقة قنبلة على المكان الذي كان يحتضن المظاهرة قبيل لحظات قصيرة. وخلال الساعة التي تلت ذلك، هاجمت المدينة بواسطة أسلحتها الرشاشة في وقت عمد فيه أعضاء من الجيش السوري الحر إلى الرد على الهجوم بواسطة رشاشات ثقيلة من غير المرجح أن تسقط الطائرة، وذلك نظراً لمحدودية قدرات تلك الرشاشات ولأن إسقاط الطائرة ليس في متناولها. وهذه إحدى مشكلات المدنيين والنشطاء السوريين، وهي أنهم يواجهون نظاماً مدججاً بالأسلحة المتطورة، في حين أنهم لا يملكون الوسائل المناسبة للرد، غير الدفاع عن أنفسهم وذويهم. وعندما اختفت الطائرة في الأخير وسط السحاب، تركت وراءها سبعة أشخاص قتلى وعشرات الجرحى، حسب إفادات مسؤولي الجيش السوري الحر. ثم سرعان ما عاد أصحاب المتاجر إلى المحال القليلة التي ما زالت تفتح أبوابها واستأنفت المدينة ما تبقى من حياة عادية. والواقع أن عمليات القصف وهجمات الطائرات الحربية أصبحت حدثاً عادياً في المدن التي تقع داخل المناطق السورية المحررة الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر مثل بلدة الباب. وعلى رغم أن قوات المعارضة تقول إنها تشعر بأنها قوية بما يكفي للحفاظ على سيطرتها على هذه المدن في وجه قوات الأسد البرية، إلا أنها تشدد على أنه من المستحيل خلق أي مناطق آمنة أو مستقلة حقاً ما دام النظام السوري يمتلك طائرات حربية ومدفعية ثقيلة لا يملك نشطاء الثوار سلاحاً كفيلاً بصد عدوانها عليهم. وهجمات مثل غارة يوم الجمعة الماضي تبين لماذا يطالبون بمنطقة حظر للطيران في سوريا. وفي هذا الإطار، تحدث مقاتل من الجيش السوري الحر، طلب، على غرار معظم أنصار المعارضة في مدينة الباب أن يشار إليه فقط بلقبه "أبو عبده"، لأسباب أمنية، قائلاً: "عندما تأتي الطائرات الحربية، لا نعرف ماذا نفعل بالضبط، لأننا لا نملك وسائل مناسبة لصدها". والواقع أن قلة قليلة من السكان يخشون، مع ذلك، عودة جيش الأسد، ولكن استمرار عمليات القصف أرغم كثيرين على مغادرة المدينة. هذا في حين أقفل آخرون محالهم التجارية أو فقدوا وظائفهم بسبب التهديد الدائم الذي تمثله هجمات القوة الجوية لنظام الأسد. أما على الصعيد الدولي، فقد دعت فرنسا بقوة إلى فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا. كما ناقشت الولايات المتحدة وتركيا هذه الفكرة أيضاً، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بهذا الشأن حتى الآن. غير أن من المتوقع أن تستعمل روسيا والصين حق النقض "الفيتو" ضد أية إجراءات مماثلة في حال عُرضت على أنظار مجلس الأمن الدولي. وفي هذه الأثناء، تتزعم تركيا جهود الضغط الدولية من أجل خلق منطقة آمنة بمحاذاة الحدود حيث يمكن توفير الحماية للاجئين بدون اللجوء إلى البلدان المجاورة. غير أن إقامة منطقة من هذا القبيل تقتضي فرض منطقة لحظر الطيران على الأرجح، وهذه تقتضي موافقة مجلس الأمن، ومجلس يعيقه "الفيتو" الروسي- الصيني، لتعود بذلك الحلقة المفرغة، مرة أخرى، من حيث بدأت. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن الجيش السوري الحر يفتقر إلى أسلحة مضادة للطائرات ولا يملك ما يواجه به طائرات نظام الأسد ومروحياته عدا الرشاشات الثقيلة، التي تعتبر إلى حد كبير غير فعالة كأسلحة مضادة للطائرات. وفي هذا السياق، يقول "أبو محمد"، وهو من سكان بلدة الباب ويملك متجراً للهواتف المحمولة أغلقه بسبب حالة انعدام الأمن الحالية: "إن الجيش السوري الحر لا يستطيع حمايتنا من الطائرات الحربية لأنه لا يمتلك سوى أسلحة خفيفة"، مضيفاً "إننا نخاف كثيراً عندما تأتي الطائرات، ولكننا نحاول استئناف مجرى حياتنا العادية بعد رحيلها، غير أنه لا توجد وظائف لأن الكثير من المتاجر والشركات أغلقت أبوابها". وعلى سبيل المثال، فقبل نحو شهرين اضطرت مزرعة الدجاج التي كان يعمل فيها رجل آخر يدعى عبدالكريم لإيقاف نشاطها التجاري بعد أن أرغم نقص الطعام أصحابها على أكل كل الدجاجات. "والآن ها نحن نجلس في الشوارع، وليس ثمة عمل، والطائرات تأتي إلى هنا لمهاجمتنا"، يقول عبدالكريم. ووسط حالة عدم اليقين، قامت مجموعات المعارضة بتأسيس حكم محلي مؤقت من أجل جلب نوع من النظام إلى المدينة، حيث يقوم متطوعون بإدارة كل شيء من المحكمة المحلية إلى مستشفى البلدة، ولكن لأنهم يعيشون تحت التهديد الدائم للقصف، فإنهم كثيراً ما يكافحون من أجل توفير خدمات للسكان، ولاسيما المستشفى، الذي يقول أطباؤه إنه لم يسلم هو أيضاً من الهجمات الجوية. وفي هذا الصدد، يقول "أبو أديب"، وهو طبيب في مدينة الباب: "لقد قصفوا المستشفى الذي نعمل فيه في كثير من المرات إلى درجة أننا اضطررنا لنقله إلى مكان سري في مبنى جديد"، مضيفاً أن المستشفى يعاني أيضاً من نقص في الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية. ومع ذلك، فإن العديد من السكان يقولون إنه لئن كانت عمليات القصف ما زالت تمثل مصدر رعب مستمراً، فإن الهجمات لا تزيدهم إلا قوة وتصميماً على مواصلة مقاومة نظام الأسد. وهكذا، وبعيد قصف الطائرات لمظاهرة يوم الجمعة، قامت مجموعة صغيرة من النشطاء بالتجمع على قمة أحد التلال المطلة على المدينة حيث هتفوا بشعارات مناوئة للنظام. وفي هذا الإطار، يقول محمود عقل، وهو قاض متطوع في الحكومة الانتقالية للمعارضة: "في كل مرة نتعرض فيها للقصف، تزداد ثقتنا في أنفسنا وقضيتنا"، مضيفاً "وتجعلنا نرغب في العمل أكثر من أجل تدمير هذا النظام". توم إيه. بيتر الباب (سوريا) ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©