كثيرا ما تتردد أوصاف ''التلاعبات والتحركات المشوبهة'' عندما يتحدث بعض المحللين عن اهتزازات سوق النفط، ويبدو أننا نميل لتصديق هذه الاتهامات خاصة أن سوق النفط تسبح على بحار من الاموال، وحقيقة ان الكثير من المتعاملين هم من ذوي النفوذ الاقوياء الذين يستطيعون التأثير في الاسعار·
لكن المفارقة أن العديد من الدراسات الاكاديمية والمصرفية، إضافة الى عدة أبحاث لصالح لجنة التداول في العقود الاجلة للبضائع في اميركا، خلصت الى عدة نتائج مهمة، أولا: ان مثل هذه الممارسات لا تحدث في سوق النفط، أوعلى الاقل ليس بالصورة التي يتوقعها الكثيرون، وثانيها أنه لا صحة لما يتردد عن ''تلاعبات منظمة'' بالسوق من قبل أي شخص أوأية جماعة، وثالثا أنه لا وجود لما يتحدثون عنه من تلاعبات تأخذ صورة تداولات تستخدم ''قوى السوق'' لدفع الاسعار بعيدا عن مستوياتها الطبيعية، صحيح ان هذا لا ينفي ان هناك بعض التلاعبات، لأننا لسنا مجتمعات من الملائكة، لكن مثل هذه التجاوزات لا تكون بالصورة التي يتصورها رجل الشارع·
ويمكن تفسير ما يحدث في السوق بأن هناك أطرافا جديدة في أسواق البترول، تقوم بتغيير قواعد اللعبة التي اعتادها اللاعبون التقليديون وهم ''المؤسسات''، وعلى رأس هؤلاء اللاعبين الجدد، صناديق التحوط وصناديق المعاشات وغيرهم من اللاعبين ''غير التجاريين'' الذين يريدون تحقيق أكبر قدر من المكاسب في أسرع وقت ممكن ودون ان تكون لهم خبرة كبيرة بأطر أسواق البضائع بشكل عام وأسواق الطاقة بشكل خاص·
وهذا النقص في الخبرة إضافة الى عاداتهم في التداولات التي اكتسبوها في أسواق اخرى، وخاصة أسواق الاسهم تغير طبيعة تحركات أسعار الطاقة، فالاسعار الان تتحرك بشكل أسرع وأكثر حدة من ذي قبل، كما أن هؤلاء اللاعبين الجدد، مختلفون عن ''الاطراف التقليدية'' في انهم يستخدمون كميات كبيرة من الديون لتكوين مراكزهم بالسوق، وهذا يؤدي الى ظهور ميل الى زيادة نطاق تحرك الاسعار بسبب زيادة مخاطر المضاربة في الاحتفاظ بمراكز كبيرة مدعومة بتمويل من القروض، ولذا تكون حركة الدخول والخروج من السوق سريعة، وبمعنى آخر فإن الانتظار هنا ليس بالخيار المطروح، وتكون النتيجة أن الاسعار تتحرك بشكل عنيف وغير متوقع وكبير·
ويتعين الاشارة الى أن من الاستراتيجيات المعروفة لصناديق التحوط في سوق النفط، مراقبةَ تحركات الاسعار في عقود آجلة معينة لاكتشاف مستويات الدعم أوالمقاومة النفسية، ثم يقومون بعمليات بيع اوشراء ضخمة قبل الوصول الى هذه المستويات، ورغم أن هذه الصناديق تحقق مكاسب، لكنها في الوقت نفسه تثير أجواء قلق تدفع باقي أطراف السوق الى عمليات بيع وشراء كبيرة فتظهر ما نراه من اهتزازات عنيفة للاسعار، وتتكرر هذه النوعية من التصرفات بشكل مستمر كلما حانت الفرصة، وهذا هو المدى الذي يمكن أن تصل اليه التلاعبات المباشرة في السوق·
عدد اليوم
