ملاحظات خريفية

تقول الحكاية إن رجلا كان يمتلك مزرعة للجزر، وكان الجزر يتعرض لهجوم من الأرانب التي كانت تأكل الجزر ولا تترك أخضر ولا يابسا. ففكر الرجل في طريقة لإنقاذ مزرعته من سطوة الأرانب. قام الرجل بعمل مصيدة واصطاد جميع الأرانب التي تأكل الجزر وقام بقلع أنيابها وتكسير أسنانها، حتى لا تستطيع أن تأكل من جزراته ثم تركها. في اليوم التالي تمطى الرجل وقام من نومه مسرورا بعد أن أنقذ مزرعته، ونظر من النافذة الى حقل الجزر، فوجده مأكولا عن بكرة أمه وأبيه. خرج الرجل ثائرا وألقى القبض على أول أرنب، وقال له منفعلا: - أيها الارنب الشقي.. لقد قلعت أنيابك وحطمت أسنانك فكيف أكلت جزراتي ؟ فقال له الأرنب المكسور الأسنان: - عثرناه عثير .. وثربناه!! ??? كما في الكثير من دول العالم، التي تحتفل بمواسمها الزراعية تحتفل إسبانيا بموسم البندورة بمعارك طاحنة واشتباكات عنيفة بواسطة البندورة، وهو احتفال سنوي يهدف الى المتعة والتسويق والترويج السياحي إضافة الى تخفيف نسبة المعروض من البندورة للحفاظ على سعرها في السوق. تخيلوا: لو حاولنا أن ننقل هذه التجربة عندنا للاستفادة من فوائدها الجمة، التي قد تحصل، لكننا سوف نعاني من مضاعفات وثأرات لن تنتهي إلا بانتهاء الخليقة، أو على الأقل، بزوال العرب العاربة والمستعربة والمستغربة: فنحن جميعا في العالم العربي من المحيط الى الخليج، ليس لدينا ما يكفينا من الخضار ولا الفاكهة حتى نتراشق بها... في بلاد الشام نصنع الجميد أو الكشك، وهو نوع من اللبن الناشف القاسي الذي يتم تنشيفه لغايات صنع المنسف العربي، حيث يغلى اللحم باللبن ويقدم مع الأرز.. تخيلوا أننا نتراشق بالجميد اليابس، لا شك أننا سوف نحوّل الاحتفال إلى بحر من الدماء السائلة من الرؤوس. أذكر أننا في مواسم الثلج، عندما كنا نتراشق به، كنا نضع حجرا صغيرا داخل كرة الثلج ونقذفها باتجاه «الأصدقاء والأحبة» لتحدث الأثر المطلوب الذي لا ينسى الى الأبد، وكنا نسمي هذه العملية «التلويز»، لكأننا نضع حبة لوز في كرة الثلج.. يا للطفولة البريئة! ??? أعجبني عصفور التين الذي وجد له مكانا في المثل الشعبي الأردني، اذ حينما يرغبون في وصف كائن دائم الشكوى والتذمر يقولون انه مثل «عصفور التين ... بوكل وبنين»... عصفور يجيد الأكل والشكوى والأنين حتى يكثر لحمه وتنتفخ أوداجه ويتكاثر، فتسمح جمعية حماية الطبيعة باصطياده خلال الموسم، فلا تعترض هيئة الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، ولا دول التحالف. ??? على سبيل المداعبة نستطيع أن نقول إن فلانا رجل غيور جدا، ويمنع زوجته من الدخول الى المطبخ ويقوم بكافة الأعمال المطبخية، وبعد التحري والتنقيب عن السبب تبين أن الرجل الغيور يغار على امرأته من عيون الغاز. ونستطيع على سبيل التشفي أن نقول إن مخترع الكرسي الكهربائي المستخدم في عمليات الإعدام هو بلا شك طبيب أسنان. ونستطيع على سبيل الفكاهة أن نقول إن رجلا أجريت له عملية جراحية ناجحة، فأعجبه الموضوع وعملها مرة ثانية. وعلى سبيل القدح نستطيع القول إن اللغة الأصلية للإنسان تسمى اللغة الأم، لأن الأب لا يجد فرصة للحديث أصلا. نستطيع أن نتناغش ونتنابز بالألقاب كما نشاء، لكننا لا نستطيع أن نقول بأي أسلوب وعلى أي سبيل مازح أو جاد، بأن ما في العالم العربي هو مجرد لعب أولاد. يوسف غيشان ghishan@gmail.com