الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

كيف نكسب عصر الإصلاح؟

9 ديسمبر 2006 01:50
زكي الميلاد: دخلنا عصر الإصلاح فهل نغادرهُ دون أن نُصلح حالنا؟ حوار - رسول محمد رسول: يطرح المفكرون العرب المعاصرون مسألة الإصلاح على نحو متواصل ومكثَّف في المرحلة الراهنة بعد أن كثُر الحديث عنها بوصفها المخرج الحقيقي لتجاوز العالم العربي جملة مما يعاني من مشكلات، بل ولما للإصلاح من أهمية باتت ضرورية وواجبة على حد تعبير المفكِّر السعودي زكي الميلاد· ولما كان الإصلاح قد شهد تجارب عدَّة في المنطقة العربية، فإننا استعرضنا في حوارنا مع الأستاذ زكي الميلاد، رئيس تحرير مجلة (الكلمة) الفكرية، الذي التقيناه وحاورناه في بيروت مؤخراً، أهم التجارب التي كرَّسها المفكِّرون الإصلاحيون العرب منذ عهد الإصلاحات التي جرت في عصر الدولة العثمانية المتأخرة، وفي مرحلة ما بعد ذلك في عصر الدول العربية، وبالتالي مدى إمكانية أن يكسب العرب عصر الإصلاح· ؟ جرَّب العرب الإصلاح وهم خاضعون إلى الإمبراطورية العثمانية، كيف يمكن أن نتحدث عن تجربة المفكرين الإصلاحيين العرب في تلك المرحلة؟ ؟؟ منذ تجربة التحديث لمحمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والعالم العربي والإسلامي يتطلّع إلى التمدُّن والتقدُّم· وتعزَّزت تلك التجربة وتضاعف الاهتمام بها مع الدور النهضوي والتنويري الذي قام به الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي· وما أن انتهت تلك التجربة التي لم يستكمل بناؤها، حتى ظهرت حركة الإصلاح التي نهض بها جمال الدين الأفغاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعث بها صحوة ويقظة تأثر منها العالم الإسلامي برمته، وعبّر عنها بمفهوم (الجامعة الإسلامية)، المفهوم الذي كان مؤثراً وفاعلاً في ذلك العصر الذي أراد منه الأفغاني التأكيد على حقيقتين، الأولى: إن العالم الإسلامي بإمكانه أن ينهضَ بذاته ومن داخله· الثانية: إن العالم الإسلامي ليس بحاجة إلى الغرب في هذه النهضة· ؟ لماذا أثارت دعوة الأفغاني تلك حنق الأوروبيين عليه؟ ؟؟ باعتقادي أن الغربيين أظهروا انزعاجاً شديداً من (الجامعة الإسلامية)، لأنهم وجدوا فيه تحريضاً على ثقافتهم· كما أن هذا المفهوم ـ الجامعة الإسلامية ـ جاء في سياق الدعوة لإصلاح الخلافة العثمانية، لتكون في مستوى حماية العالم الإسلامي ومواجهة مطامع الأوروبيين· ومن بعد الأفغاني مرَّت النزعة الإصلاحية بأطوار وتحوّلات، مثل فيها الشيخ محمد عبده في مصر طوراً أساسياً، خصوصاً في الدعوة إلى الإصلاح الديني، ومثل فيها الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في سوريا طوراً مهماً أيضاً، خصوصاً في الدعوة إلى مقارعة الاستبداد، ووصلت تلك الحركة الإصلاحية إلى نهايتها وتلاشي الخلافة العثمانية· ؟ يبدو أن الإصلاح انطلق من مشروع دولة، كما هو في التجربة العثمانية· لقد رحلت الدولة العثمانية وكان يجدر بالدول البديلة في المنطقة العربية أن تنهض بالإصلاح، فلماذا تعثر الإصلاح في تجاربها؟ ؟؟ في الواقع ظلَّت هذه الدولة متعثرة منذ قيامها، ومنقوصة السيادة والشرعية، وتكرَّست فيها طبيعة الاستبداد، وحصادها كان من فشل إلى آخر، وفي كافة المجالات، الأمر الذي أحدث خللاً عميقاً في أنماط العلاقة بين السلطة والأمة في العالم العربي، حيث غُيِّبت الأمة، وتضخَّمت السُّلطة، وضعُفت الدولة· ؟ ألم تكن الدولة العربية ما بعد الاستعمار المباشر مُحاصرة بتحديات كانت ضاغطة، ألم تكن الحروب المتوالية عائقا أمام الشروع بالإصلاح؟ ؟؟ هذا صحيح، فإذا كانت الحكومات والدول تتبدّل وتتغيّر في طباعها ومسلكياتها بعد الحروب، كما تغيرت اليابان وألمانيا وغيرهما، فإن العالم العربي قد مرَّت عليه حروب متلاحقة، لم تستطع تغييره أو دفعه نحو الإصلاح!! كانت (حرب 1967) مثلاً قد كرَّست ما سُمي بـ (أيديولوجيا الهزيمة والإحباط)، وكانت حصيلة (حرب الخليج الأولى) أنها رفعت من وتيرة الخلافات المذهبية بين السنَّة والشيعة، وأعاقت تطوير العلاقات بين إيران والعالم العربي· ثم جاءت (حرب الخليج الثانية) في بداية تسعينيات القرن الماضي، لتجعل العالم العربي منقسماً بشدَّة على نفسه، إلى (حرب الخليج الثالثة) وسقوط النظام العراقي، حيث بقي العالم العربي على حاله، وكأنه عاجز عن إصلاح نفسه! ؟ إذا أردنا أن نمر بنظرة تقيمية لتجارب الإصلاح أو لدعواته في ضوء النتائج التي تحقَّقت حتى الآن على الساحة العربية، هل فشلت تلك التجارب؟ ؟؟ هناك العديد من القراءات المتباينة، والتي حاولت تفسير ذلك المشهد الإصلاحي في صيرورته ومآلاته، فهناك من يرى أن تاريخ العالم العربي يمثل تاريخاً متراكماً من الهزائم والفشل، فتجربة محمد علي باشا التي صورتها الأدبيات العربية بأنها من أكثر التجارب كفاءة في بناء دولة عربية عصرية ومتقدِّمة انتهت إلى الفشل· وفكرة (الجامعة الإسلامية) التي دعا إليها الأفغاني ورثنا من بعدها تفكُّك وانقسام العالم الإسلامي على بعضه إلى أجزاء متفرِّقة ومُتنازعة فيما بينها· والإصلاح الديني الذي دعا إليه الشيخ محمد عبده لم يستطع أن يطبقه في إصلاح (الأزهر)· والكواكبي الذي قدَّم أعظم خطاب في كراهية الاستبداد، ها نحنُ نرى الاستبداد متفشياً في عالمنا العربي والإسلامي· وهكذا الحال مع قيام وتتابع الدولة العربية الحديثة، التي صادف قيامها نكبة 1948 وضياع (القدس) بل وفلسطين، إلى نكسة ،1967 ومن أزمة احتلال الكويت إلى دخول القوات الأمريكية العراق، ومن فشل في السياسة إلى فشل في الاقتصاد، ومن فشل في التربية إلى فشل في التعليم وهكذا التاريخ يتلاحق بين هزيمة وفشل· الواقع الذي كرَّس معه الإحباط، وذهنية الفشل، وضمور الإرادة، والإحساس بالعجز، وانسداد الأُفق· ؟ كانت تلك تجارب الأمس ولكن لنفكِّر في الغد؛ فمن خطاب الثورة في زمن، إلى خطاب النهضة في زمن آخر، ها نحن قد وصلنا إلى خطاب الإصلاح، فهل دخل العالم العربي رحلة الإصلاح؟ وكيف نكسب الإصلاح هذه المرحلة ولا نخسره كما خسرنا وعوده وآماله في المراحل السابقة؟ ؟؟ لكي نكسب هذه المرحلة، علينا أن نعرف ماذا نريد على مستوى النظر، لكي نكتسب الحكمة والرؤية الواضحة؟ وأن نحدِّد الشروط والمتطلَّبات على مستوى العمل، لكي نكتسب الإرادة والعزيمة؟ وفي هذا الشأن يمكن الحديث عن الحقائق الآتية: أولاً: من المؤكَّد أننا في هذه المرحلة الحسّاسة والمعقَّدة بحاجة إلى مراجعات جذرية وشاملة لأوضاعنا وأحوالنا كافة، على أن تنطلق هذه المراجعات من إرادة جريئة وشجاعة، تغلِّب مصالح الأُمة والأوطان على أية مصلحة أخرى، وتدفع نحو الإصلاح الحقيقي، وليس مجرَّد التظاهر بإصلاحات فوقيَّة أو شكليَّة لا تستندُ على أساس عميق ومُتماسك· ثانياً: لا نختلف على أن الإصلاح الذي نريدهُ ينبغي أن يكون معبراً عن إرادتنا وتصوراتنا وضروراتنا، لا أن يكون مفروضاً علينا من الخارج· لهذا ينبغي أن نبدأ بالإصلاح الفعلي، قبل أن يُفرض علينا بدون إرادتنا، ونكون عندئذٍ من النادمين· فنحن أمام أوضاع لا تحتمل تأجيل الإصلاح، لقد أصبح الإصلاح في منزلة الضروريات الواجبة· ثالثاً: من أين يبدأ الإصلاح؟ هناك من يقول: ينبغي أن نبدأ من الإصلاح السياسي؟ وهناك من يقول: ينبغي أن نبدأ من الإصلاح الديني؟ والحقيقة أننا بحاجة إلى الإصلاح في هذين المجالين السياسي والديني، وفي غيرهما أيضاً كالإصلاح الثقافي· رابعاً: الإصلاح الحقيقي يبدأ من مُصالحة الدولة مع الأمة، وعودة الدولة إلى الأمة، والمقصود من عودة الدولة إلى الأمة، أن تصبح الدولة لجميع المواطنين· خامساً: لا شك أن هذا الإصلاح بحاجة إلى برنامج منَّم ومدروس بعناية، والمشكلة دائماً ليست في القُدرة على وضع البرنامج، وإنما في الإرادة والعزيمة القادرة على تحويل البرنامج من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل، وفي الإشراف والرقابة على سير ومراحل التنفيذ والتطبيق· وهذا يتطلَّب الاهتمام بالإصلاح الإداري في المؤسسات· سادساً: ينبغي أن نبرهن على عدم التعارض بين الإسلام والديمقراطية، وبين الإسلام والتقدُّم· وأن بالإمكان قيام ديمقراطية في المجتمعات الإسلامية في ظل وجود الإسلام· وأن بإمكان الإسلام أيضاً أن يقيم ديمقراطية تتكيَّف مع طبيعة ومكوِّنات المجتمعات الإسلامية· كما أن الإسلام فيه أقوى البواعث نحو التقدُّم، وبإمكان الإسلام أن يدفع هذه المجتمعات نحو التقدُّم، أقول هذا الكلام حتى لا يُنحّى الإسلام جانباً، كما يرغب البعض بدعوى الإصلاح، أو يكون الإصلاح متعارضاً مع الدين من ناحية الهويَّة أو الأخلاق ومنظومة القيم· دخولنا عصر الإصلاح والخوف الحقيقي هو أن نغادره دون أن نُصلح حالنا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©