السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مقاربات.. من المحلية إلى الكونية لأعراق البشرية والإناسة الثقافية

9 ديسمبر 2006 01:51
ذياب شاهين في مجال الدراسات الإنسانية المعاصرة يتلازم مصطلحان أشد التلازم مع بعضهما، رغم اشتغال كل منهما في حقل يختلف عن الآخر؛ فالأول أي الأثنولوجيا أو(علم الأعراق البشرية) يعني دراسة المجتمعات الأخرى أوالمغايرة من خلال أدوات علمية بحتة، بينما تنصرف الأنثروبولوجيا أو(علم الإناسة) لدراسة الخصائص الاجتماعية والثقافية للإنسانية أو للمجتمعات بمجملها· في مرحلة مبكرة كان الاعتقاد السائد ألاَّ جدوى من دراسة علم الأعراق، وأنها ستختفي مع اختفاء المجتمعات البدائية والمتوحِّشة، والتي بدت وكأنها على وشك الانقراض نتيجة لزحف الحضارة الهائل، فالانقضاض العشوائي على هذه المجتمعات، وتهديم مستوطناتها وبيوتها، فضلاً عن تأثرها بما كان يجري حولها تأثراً واضحاً على مستوى نمط الحياة والرغبة على التغير ولو بصورة غير سريعة، هو ما لاحظه الكثير من الدارسين والباحثين من حقيقة أن هذه المجتمعات أخذت تفقد عُذريتها وفطرتها، ولو أضفنا ما كانت تخطِّط له بعض الحكومات باهتمام بالغ لتوطين جماعات البدو وغيرهم من طوارق وغجر، وهي الجماعات المعروفة عادة باعتمادها التنقل والارتحال أسلوباً في حياتها، لوجدنا أننا أمام مجزرة حقيقية دعاها الباحثون المتخصِّصون بدراسات الأعراق بأنها مجزرة سلالات· تجد المجتمعات الحديثة، وهي تقارن بين أسلوبين متباينين في نمط الحياة، الجرأة الكافية لتطلق مصطلح البدائية على من سبقوها، إلا أن عالماً إناسياً مثل كلود ليفي شتراوس، وهو صاحب كتاب (الفكر البري) أو(الفكر المتوحِّش)، ينأى بنفسه عن هذه التسمية مفترضاً وجود مجتمعات حارَّة وأخرى باردة، الأولى ذات إيقاع سريع، وهي مرنة ومتطوِّرة ومنفلتة إلى الأمام بخطى سريعة، كما أنها متجدِّدة ولا تنظر إلى الخلف، بينما الأخرى إيقاعها بطيء، وهي متقوقعة، يشدُّها الماضي شداً، ولا تستطع فكاكاً منه، وهذه الثنائية بين ما هو حار وبارد تبدو كأنها امتداد للثنائية القائمة بين علم الاجتماع وعلم الأثنولوجيا، وفي الوقت الذي تبدو فيه الأدوات الإحصائية كأنها طبيعية للمجتمعات الحديثة، نرى أنها منتفية في مواجهة ودراسة المجتمعات التقليدية!· يتشابه ويتشاكل الاصطدام بين المجتمعات الحديثة والتقليدية، كما يقول كل من هوبزباوم وطانجر، على مستوى الممارسات بالرغم من جهلها بتلك الحقيقة، فالأولى تتوسَّل التحديث لتبرير ممارسات قديمة، والثانية تخترع تقاليد لكي تبرِّر التحديث· إن الحضارة الغربية، بحسب دافيد لو بروتون، هي خليط مُبهم من التقاليد المحلية الشعبية والديانة المسيحية، كما أنها تغذي علاقات الإنسان بمحيطه الاجتماعي والطبيعي، وهذا يقود إلى إنثروبولوجيا كونية أوإناسة كونية تحدِّد بنية الأطر الاجتماعية والثقافية تجعل الجسد الإنساني وسيلتها، والإنسان هنا لا يتميز عن النسيج الجماعي والكوني الذي يندرج فيه بل يمتزج في جمهور أشباهه، لكن في المجتمعات التقليدية يسود نوع من الهويَّة الجوهريَّة بين الإنسان والعالم، على أن الإنسان هنا لا يمكن تمييزه عن جسده، وهذا يقود إلى أن الفردية والثقافة العالمية هي التي تكرِّس الانفصال· لكن تايلور يرى أن الثقافة والحضارة هما ذلك الكُل المعقَّد الذي يحوي المعارف والقوانين والأخلاق والتقاليد وأية طاقة أخرى أوعادة اكتسبها الإنسان من خلال كونه عضواً في مجتمع، وذاك يعني ارتباط الحضارة أوالثقافة بكل ما هو مُكتسب عن طريق التعلُّم وضد ما هو فطري؛ فالمجتمعات تمور من الداخل، حيث إن الضغوطات الداخلية تقود إلى تغيرات كبيرة أوإلى الزوال (زوال هذه المجتمعات)، وهذا يعود إلى قدرة المجتمع لامتصاص زخم هذه الاندفاع الموار باستقلالية تامة، وألا يستعير من الآخرين بصورة مبالغة فاتحاً المجال بصورة واسعة وغير عقلانية لكل ما يأتيه من الخارج· إن التلازم بين دراسات الأعراق والإناسة ناتج عن الترابط بين التنوُّع الثقافي الحضاري وتنوُّع المجتمعات، وهو ترابط لم يفقد جدواه، بل اكتسب ضرورته في دراسة مجتمعات الأمس واليوم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©