الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء «يؤلفن» الأطفال

النساء «يؤلفن» الأطفال
6 سبتمبر 2012
كثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي، عن السّر الكامن وراء قلّة عدد الكاتبات في العالم العربي، والعالم بشكل عام! فنحن لو أردنا أن نتحدّث عن مساهمة الشاعرات العربيّات، في حركة الشعر العربي الحديث منذ أواخر الأربعينيّات من القرن الماضي حتى الآن، فإننا لن نعثر إلا على أسماء قليلة مثل: فدوى طوقان، نازك الملائكة، سلمى الخضراء الجيّوسي، أمل الجرّاح، سنيّة صالح، زليخة أبو ريشة، عائشة أرناؤوط، جمانة حدّاد، عائشة البصري. شاعرات التّراث العربي المعروفات قليلات أيضاً، من مثل: الخنساء، ليلى الأخيلية، ليلى العامرية، ولادة بنت المستكفي. إذا انتقلنا إلى الكاتبات المشهورات على صعيد العالم، فإنّ الأمر لن يختلف كثيراً، فثمّة أسماء قليلة من هؤلاء اللواتي امتلكن الموهبة والطّاقة الكافيتين لكتابة الشعر مثلاً، نذكر منهنّ: الشاعرتين الروسيّتين (آنا أخماتوفا)، (مارينا تسفيتايفا)، الشاعرة الأميركية (إيملي ديكنسون)، والشاعرة الإيرانية (فروج فرخزاد). طبعاً ما ينطبق على الشعر يمكن أن ينطبق على أشكال الإبداع الأخرى. إذا ذهبنا إلى الإبداع الذي يكتبه الرجل، فإننا سنجد آلافاً مؤلّفة من الأسماء. في محاولة للإجابة على التّساؤل السّابق، رحت أطرح بعض الأسباب التي تتّصل ليس بكتابة المرأة فقط، وإنّما بالواقع الذي تعيشه المرأة أيضاً. فذلك الواقع وبالرّغم من التّقدّم الذي شهدته البلاد العربية ظلّ محكوماً بمزيد من القيود التي تحارب المرأة، وتصادر حرّيّتها. حتى في البلدان الأوروبية وأميركا فلا تزال المرأة هناك تعيش أجواء (الديمقراطية المقنَّعة)، تلك الديمقراطية التي يتمّ الترويج لها في وسائل الإعلام، وإعاقتها من قبل السّلطة الذكورية، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير بين حالة المرأة العربية والمرأة في الغرب. تلك المقاربة لكتابة المرأة وواقعها ربّما كانت تعطي الإجابة عن جزء من المشكلة، ولكنّها لم تكن لتعطي الإجابة كاملةً. ذلك ما توصّلت إليه بيني وبين نفسي، قبل أن أرتطم بالرّأي المباغت الذي قرأته مؤخّراً، للروائية والكاتبة الفرانكفونية نانسي هيوستن، التي تقول في أحد الحوارات التي أجريت معها ردّاً على السؤال (لماذا تعاني النساء صعوبة بالسماح لأنفسهنّ بالإبداع أكثر مما يعانيه الرّجال): “الرّجال أيضاً يعانون هذه الصعوبة، لكنّهم أكثر براعة في إخفاء معاناتهم. أعتقد أنّ الفعل الفنيّ، بماهيته هذه، قد أتى في الأصل من الرّجل كتعويض عن الإنجاب، والمرأة التي تعرف كيف يحدث الإنجاب وتعرف الولادة والموت، تعرف أيضاً أنّ الإبداع إنكار عبقري للفناء”. سنلاحظ من خلال هذه الإجابة أنّ المرأة هي صاحبة الإبداع الأهم، ذلك الإبداع الذي يتّصل (بتأليف) الأطفال، وهذا هو الذي ينسج تلياً النصّ الأهمّ أيضاً وهو الحياة. تواصل الكاتبة تحليلها للمشكلة فتقول: “حين ننظر عن قرب إلى كتابات النساء، نرى بوضوح أنّهنّ أقلّ انشغالاً من الرّجال، بالخوف من الموت. ومن المحتمل أنّهنّ، حتى عصر الحداثة، كنّ يشعرن، بقدر أقل، بالحاجة إلى الكتابة أو الرّسم. وعليه، فقد غدا لدى أولئك اللاتي دخلنَ عالم الإبداع أسبابٌ وجيهة كي يُصبن بالشك، فالنماذج قليلة جداً أمامهنّ.. وكلّ الاستعارات التي تحيط بالإبداع الفني قد تم الاشتغال عليها من قبَل الرجال ولأجلهم. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يتم تشبيه العمل الفني نفسه بجسد المرأة...”. عودةً إلى الإجابة السابقة نجد أنّ الكاتبة، تُرجِع جزءاً مهمّاً من المشكلة التي تواجهها المرأة إلى تاريخ كامل من الثقافة الذكورية! ومن هنا فثمّة فجوة قائمة أو شرخ أحدثته الثقافة الذكورية بين المرأة وكتابتها. أمّا ردم هذه الهوّة فلن يكون إلا بإصلاح الخلل الأساس القائم في الحياة، والذي يتلخّص بإزالة الاعتداء على حريّة المرأة، وهذا الأمر يتطلّب سَنَّ مجموعة كبيرة من القوانين في المجتمعات البشرية بما يضمن مساواة المرأة بالرجل. بالرّجوع إلى علم النّفس الحديث، نجد أنّه قارب المشكلة أيضاً، وقدّم لنا وجهة نظر ذكيّة تستحقّ منّا التّوقّف عندها. لقد اكتشف عالِم النفس الألماني (يونغ) وجود كلٍّ من المركّب الذكوري (الأنيموس) والمركّب الأنثوي (الأنيما) لدى الرجل والمرأة، طبعاً بنسب متفاوتة. يقول (يونغ) إنّ العمليّة الإبداعية برمّتها هي من اختصاص المركّب الأنثوي (الأنيما). فالقصيدة أو القصّة قد تصدر عن (أنيما) المرأة، مثلما يمكن لها أن تصدر عن (أنيما) الرجل. وهكذا فإنّ (يونغ) بتحليله الفذ لآلية الإبداع، قد ساهم مساهمة فعّالة في حلّ المشكلة، وخلخلة ما كان سائداً من رؤى. حتى الآن نكون قد قطعنا شوطاً طويلاً على طريق مقاربة القضيّة المطروحة. بقي أن نتحدّث عن انفجار ثورة المعلومات في العالم المعاصر، وما أحدثته من آثار مهمّة على صعيد الكتابة بشكل عام، وكتابة المرأة على وجه الخصوص. لقد استطاعت هذه الثورة أن تقضي على الكثير من المشاكل التي كانت قائمة في طريق المرأة. ولنلاحظ نتيجةً لهذه الثورة، الأجيال الجديدة المتشكّلة من الكاتبات النساء في مختلف أشكال الإبداع. هذه الثّورة حرّرت المرأة الكاتبة من المنبر الورقي، الذي ظلّ في أغلب الأحيان (ونتيجة لظروف موضوعيّة) حِكراً على الرّجل، وبشكل عام فقد وضعت هذه الثورة حدّاً لألاعيب دور النشر، والمجلات التي كانت تتعامل مع كتابة المرأة باعتبارها حليةً تجلب الربح. من جهة أخرى فقد فتحت هذه الثورة الأبواب على مصاريعها أمام المرأة الكاتبة للوصول إلى جمهورها العظيم من القرّاء، وهذا مما لم يكن متاحاً لها في السّابق. لابدّ من القول ونحن نتحدّث عن ثورة المعلومات هذه، أن نشير إلى أنّ كثيراً من الثّغرات أو الاختلالات ربّما حدثت، وأثّرت على كتابة المرأة من حيث المستوى والمضمون. ومثل هذه المسألة تتّضح في ظهور جيل جديد من الكاتبات اللواتي يعانين من ضعف ما في لغتهنّ وأدواتهنّ الكتابية. علينا هنا ألا نستغرب حدوث مثل هذه الإرباكات، خاصّةً ونحن نعرف أنّ البشريّة برمّتها تعرّضت ولا تزال تتعرّض لخضّة عنيفة نتيجةً لهذه الثورة. سنوات ويتوازن كلّ شيء، وفي هذه الأثناء لابد من ضبط الإيقاع، ولكن بعيداً عن كلّ أشكال التّلصّص الرّقابية، المهمّ أنّ المرأة الكاتبة قد هدمت الجدران القائمة في طريقها، وما عليها الآن سوى فرد جناحيها على اتساعهما، والتحليق في فضاء الكتابة الحرّ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©