الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدريس علوش: المبدع يقرأ الإشارات

إدريس علوش: المبدع يقرأ الإشارات
6 سبتمبر 2012
يعد الشاعر المغربي إدريس علوش واحدا من أبرز شعراء المشهد الشعري لقصيدة النثر في المغرب في عقديه الأخيرين، حيث حققت تجربته نقلة مهمة لقصيدة النثر على مستويات الرؤية والتشكيل والأسلوب والمعالجة التقنية، وهو الأمر الذي مكن تجربته من تحقيق خصوصية وفرادة داخل المشهد المغربي خاصة والعربي عامة. انطلقت تجربة إدريس علوش في العام 1990 بديوانه “الطفل البحري”، ثم ديوانه “ دفتر الموتى” في العام 1998، لتتوالى أعماله بعد ذلك “مرثية حذاء”، و”فارس الشهداء”، و”قفازات بدائية”، و”قميص الأشلاء”، و”آل هؤلاء”، و”زغب الأقحوان”، و”دوارة اسطوانة”، و”يد الحكيم”، و”جهات العدم المشتهى”، هذه الأعمال التي توزع نشرها ما بين الدار البيضاء والقاهرة وبيروت ودمشق والأردن. في هذا الحوار معه نتعرف على رؤيته وآرائه سواء فيما يتعلق بتجربته أو المشهد الشعري المغربي. ? بداية نود التعرف على المراحل التي قطعتها تجربتك الشعرية بداية من عملك الأول “الطفل البحري” وحتى عملك الأخير “شاهدة الأحبة” وأهم ملامح هذه المراحل؟ ? “الطفل البحري” عملي الشعري الأول الصادر سنة 1990 كان دليلي نحو الآفاق الرحبة والمتعددة للتجريب النصي والإبداعي، شكلا ومحتوى، معنى ومبنى، لنقل أنها المرحلة الأساس لانطلاق علاقتي بالكتابة الشعرية، و تنمية وعي الشعري أيضا. فيما تبقى من الإصدارات والنصوص الشعرية اعتبرها امتدادا لهذا المسار، أقصد مسار “الطفل البحري” ذاته المفعم بالدهشة والذهول، مسار ينخرط في عمق تناقضات الحياة، وفي استعادة قُدرة اليومي، الحياتي والمعيش البسيط، على التجدد وإنتاج الإشارات القوية التي توحي بالكتابة وتغري بالتجريب، وتنتج بمحصلة التقاطع مع المتخيل والاستعارات والصور نصا جديدا يضيف للتجربة تراكما آخر. مغاور النص ? تحمل قصيدتك في مختلف مراحلها كشفا لأسئلة الذات ورؤيتها للعالم في محاولة مستمرة للبحث عن الإنسان وما يحاك له من مؤامرات تحد من حريته، ما المفهوم الذي تنطلق منه رؤيتك؟ ? لا يمكن للإبداع إلا أن يكون إنسانيا ومع الإنسان والإنسانية، إنسانيا بالمعنى النقدي للرؤى والتصورات، فمهمة المبدع تكمن في قدرته على إدراك التحولات التي يحدثها المجتمع وما ينتجه هذا الأخير من إشارات ـ بما فيها الإشارات القوية التي تتحول إلى قوة نادية واقتراحية ـ في ثقافته وسلوكه اليومي تحدد بشكل أو آخر آفاق تقدمه وتطوره أو العكس مزيدا من الردة والتراجع والعودة إلى الخلف، وقدرة هذا الأخير أيضا على الإسهام والانخراط في صيرورة نضال شعبه من أجل غد أجمل وأفضل، بعيدا عن شَرَكِ السلطة، قريبا من الناس حد التماس. هكذا أتصور دور المبدع، ومن هذا التصور/ المفهوم أنطلق لأسبر مغاوير النص الذي أشتعل عليه مصغيا بذلك لقلق الذات وسؤالها اللامتناهي، وقلق الناس وأسئلتهم الوجودية والمصيرية، لا أتصور أن هناك مبدعا بعيدا عن هذه القضايا وهذه التفاصيل حتى وإن حاول أن يوهم نفسه أو يوهم الناس بذلك. ? أعمالك قبل “زغب الأقحوان” كانت نصوصها تتميز بالقصر وفيما اتسم زغب الأقحوان بالتحول للقصيدة الطويلة، فهل تعد هذا الديوان مرحلة مختلفة؟ ? جوهر النص هو الذي يفرض شروطه في الانتساب إلى طول القصيدة أو قصرها، بالنسبة لي ليست لدي أي استراتيجية مسبقة للتحكم عن قرب أو بعد لصياغة نص بهذا الشكل أو آخر، القصيدة سيدة نفسها وجوهرها ـ الجوهر الحي أقصد ـ كما أسلفت الذكر هو الذي يحدد شكلها ومضمونها أيضا. أشتعل الآن على نص طويل، وللدقة فأنا أشتغل على هذا النص لأكثر من سنتين ولا أعرف لماذا لا يريد أن ينتهي، وهذا يؤكد أني لا أتحكم في إمكانية طول النص أو قِصَرِهِ، مادام هناك “كيمياء”مختلف هو الذي يحدد مساره، وبعد الانتهاء منه يمكن أن يجد طريقه إلى النشر في مجموعة شعرية مستقلة. ? قصيدة النثر التي تلتزمها منذ بدأت الكتابة هل أخذت حقها من الحضور والمتابعة النقدية؟ ? بصراحة لا، عدا بعض الإشارات الطفيفة كمقاربات نقدية لنصوصي لا شيء يذكر، رغم إني راكمتُ أكثر من عشرة دواوين شعرية اعتمدت هذا الشكل من ضروب الشعر الحديث. ? فيما أفادك العمل الصحفي كشاعر أم أن أثره كان سلبيا؟ ? أعتقد أن لكل منهما مجالا مختلفا عن الآخر، العمل الصحافي انتساب وظيفي، ومورد عيش. الشعر مسألة أخرى انتماء روحي لفوضى الحواس وقلق ذات الشاعر ورؤيته للكون والتفاصيل والعالم من حوله. ولا أحد يمكن أن يؤثر على الآخر لا سلبا ولا إيجابا. المشهد المغربي ? كيف هو مشهد قصيدة النثر في المغرب هل تعاني مثل مثيلاتها في مصر والشام والخليج من تعنت؟ ? قصيدة النثر في المغرب لها حضور وازن في المشهد الشعري المغربي، هي السائدة والمؤثرة، وعدد شعرائها في تزايد باستمرار، وهي الأكثر ذيوعا وانتشارا في منابر الصحافة الثقافية في المغرب، والأكثر استماعا في اللقاءات والأمسيات الشعرية والأدبية، والأكثر مواكبة على المستوى النقدي ، والأكثر إنتاجا على المستوى النصي والأكثر إصدارا على مستوى الدواوين والمجاميع الشعرية. والخلاصة أنها تعيش عصرها الذهبي الآن في المغرب. ? وما تقييمك لحضور قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية؟ ? القصيدة العمودية محصورة ومسيجة في أحصنة محدودة جدا لم تعد تستهوي شعراء الراهن الشعري وكتابها في المغرب يكادون يحسبون على أطراف الأصابع والباقي من الأسماء غير معروف. فيما القصيدة التفعيلة لا تزال تتمتع بمشروعية حضورها، ولا تزال تتمتع بحضور بهي ومشرق. ? هل يمكن أن نتعرف على المشهد الشعري إجماليا في المغرب قصيدته وحراكه؟ ? قوة المشهد الشعري المغربي في حراكه المتجدد، فالمشهد الشعري المغربي يتنوع ويتعدد بحسب مناطقه ولغاته، فهناك من يكتب بالعربية ـ بالفصحى والدارجة ـ والأمازيغية والفرنسية والاسبانية، ناهيك على أن هناك نماذج تكتب وبشكل جيد ولها حضورها الايجابي والفعال في المهاجر التي تقيم فيها كـ”هولندا” على سبيل المثال. بالإضافة إلى الأجيال المنتسبة لمسارات القصيدة المغربية الحديثة والتي تساهم بكثافة في تطوير وبلورة أفق هذه القصيدة ، خصوصا بالنسبة للأجيال الجديدة التي حملت مشعل هذه القصيدة وهي الآن تواصل المسير بكل ما أوتيت من قدرة الإبداع والخلق والابتكار والتجديد والتحديث، مضيفة بذلك قيمة جمالية مضافة للشعر المغربي الحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©