الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خورفكان.. حدوة الفرس

خورفكان.. حدوة الفرس
6 سبتمبر 2012
أشبه بحدوة حصان، أو بهلال في الأرض، متقوسة، نصف دائرة، وكأن البحر بطنها عند ساحلها الرملي الأصفر تنساب كعذوبة الشفتين المبللتين بالماء، هي كاعب وليدة زمان يعيش في كل الأزمنة، لها أكتاف تحيط بها رواسي منذ أزل بعيد، جبال تمنح ظلالها للبحر وللشاطئ معاً. من كل بقعة فوق الجبال تراها، كما هي، اختر زاوية وتأمل هذا الجسد المنحني بإغفاءة الدهر. “خورفكان” لا يمكن وصفها إلا حين نقول: “على الباب موجة” مستعيرين عنواناً جميلاً لذكريات كتبها أديب منها، مدينة تبحر إليها المراكب كما تدخل رحماً، جاورها منذ زمن بعيد أهلها فاستطابوا لريح عذبة تأتي إليهم من البحر، تطرق بيوتهم بصفيرها، جاوروها لأن الموجة لابد أن تأتي من البحر باتجاههم، لا طريق آخر لديها. بيوت من طين بارد، بين أبوابها وساحل البحر خطوات، يعلق الرمل بين الأصابع، بيوت تتظلل بفيء الجبل المليء بالأسرار ولقاءات العشاق هرباً من العيون، بيوت رائحتها عبق البحر وشواء السمك، وسكيكها تؤدي إلى بعضها أينما ذهبت، بيوت لم يسكنها غريب، سميت بالخور لأنها تقع بين جبلين ممتدين في البحر مثل فكين. مدينة تقع على خليج عمان في الساحل الشرقي لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقال راوٍ سميت بخورفكان لسبب يعود لسكن رجل اسمه “فكان” فيها أو أن الموضع اسمه “فكان” وهو مطل على الخور فقالوا “خير فكان”. وقيل إن هذا الاسم قديم جداً خفي أصله. ومن الناس من يرجع التسمية لوجود عقبتين عند مدخل المدينة في جهتيها الشمالية والجنوبية وهما شبيهان بالفكين. ويختلف الرواة في تسمية هذه المدينة ويبقي الباحث محمد خميس بن عبود النقبي الروايات متعددة في كتابه “خورفكان في ذاكرة الزمان” الصادر عن دار كتاب للنشر والتوزيع في طبعته الأولى هذا العام. وقبل كل شيء نقول: تفردت خورفكان بمجموعة من الظواهر منها: مَنْ الخور ونخلة قش الخور ونار بني شوف ومصيدة الحيوان المفترس. (1) مَنْ الخور أما “مَنْ الخور” فهي وحدة قياسية خاصة بهذه المدينة، بدأ التعامل بهذه الوحدة منذ زمن بعيد لم يستطع أحد توثيقه، إلا أنه معروف في القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك، وظل العمل سارياً به في مدينة خورفكان حتى أواسط الستينات من القرن العشرين، وتبلغ تجزئة هذه الوحدة “مَنْ خورفكان” عشرين كيساً بحسب وحدات الوزن المحلية القديمة، والتي لا يزال يستخدم بعضها مثل “المَن” و”نصف المَن” و”ربع المَن” رغم استبدال هذه المسميات بالكيلو والجرام في الوقت الحالي حيث حل محلها. معلومة ربع مَنْ الخور = 5 كياسات نصف مَنْ الخور = 10 كياسات مَنْ الخور = 20 كياساً ربع من الصَّيْر = 4 كياسات نصف من الصَّيْر = 8 كياسات مَنْ الصَّيْر = 16 كياساً الكياس = 3 رصاصات تفق وهي بندقية من نوع صمعا. مَنْ البَصْرة = 4 كيلوغرمات نصف مَنْ البَصْرة = 2 كيلوغرامات ربع مَنْ البَصْرة = 1 كيلوغرامات وسمي بمَنْ الخور نسبة لخورفكان، ومنْ الصَّيْر بمعنى الصائر المتعارف عليه والمعمول به وقد عمل به أهل خورفكان قبل اكتشاف مَنْ الخور وهو الوزن الغالب والشائع لدى الجميع، فقد عرفوا القياس للأوزان وتجزئة تقسيماته بحسب مقدار حجم الثقل للمادة حتى للنقود أوزانها، وكان وزن البصرة مستخدماً عند المسلمين الأوائل المسمى بوزن العصر 4 كيلوجرامات، ونصف المَنْ 2 كيلوجرامات، والربع 1 كيلوجرام، ويقاس به التمر عادة وسمي “بمَنْ التمر”. (2) قش الخور قال أبو حاتم السجستاني في كتابه “كتاب النخل”: “كان يروي أصول النخيل فمات الرجل وعاش الفسيل” ونسأل هل كان “يروي” من الرواية أم كان “يروي” من السقي. وتبقى النخلة متعددة الأنواع قد تصل إلى 160 نوعاً غير أن قش الخور وهو نوع عرفت به خورفكان ولم تعرف به مدينة أخرى، ولأهمية هذا القش من بين أنواع القشوش قيل فيه أرجوزة. أنعم به من رطب مشهور إذا أتى من عذق قش الخور الأحمر القاني كدم الطير ليس له من ضفة نظير فاق قشوش النخل في الجمال والحجم والنوع والاكتمال لخورفكان أجل منسوب مذاقه مفضّل محبوب فبالقرى ومدن الجوار بالساحل الشرقي له قرار وليس عند الغير ذات معروف كلا ولا في عرفهم موصوف مميز حاز على التقدير يا ليت منه يوجد الكثير أضحى من الندرة في التحصيل فلا يرى منه سوى القليل وهذه الأرجوزة من تأليف الباحث العماني محمد سالم بن حمود المدحاني.. ثمار القشوش يكون صغير الحجم في غالبه ورطبه أحمر وعذقه عسلي وكان منتشراً في خورفكان ثم قل إنتاجه، وكان يعتمد في سقيه على “الثور والدلاء” المسمى “الجازرة”. (3) نار بني شوف وجد أهالي خورفكان قبل 50 سنة ناراً تخرج لهم من بعد وقت المغرب حتى الفجر، تخرج من البحر، ويراها الناس في أي مكان سواء كانوا في خورفكان أو الولية أو الزبارة، وتظهر على شكل لسان من اللهب يخرج من البحر، بارتفاع يصل من 7 إلى 10 أمتار تقريباً، يبهر الناس فيصيبهم الاستغراب، ومن المثير للعجب أن الناس عندما يقتربون من هذه النار سرعان ما كانت تختفي، وعند ابتعادهم عنها تظهر من جديد، وقد ظلت هذه النار ردحاً من الزمن وتناقل حكايتها الآباء عن الأجداد، لكنها منذ خمسين عاماً اختفت ولم تعد تخرج إلى يومنا هذا دون معرفة السبب، وقد أطلق عليها الأجداد اسم “نار بني شوف”. (4) مصيدة الحيوان المفترس تعرضت حيوانات أهل خورفكان لغارات حيوانات مفترسة، فأخذوا يفكرون في طريقة يصطادون بها هذه الوحوش المفترسة من الثعالب والذئاب والنمور حتى من الكلاب المسعورة أيضاً منذ قديم الزمان، فهداهم تفكيرهم إلى هذه الطريقة، البسيطة غير المكلفة وهي تتكون من الحجارة وحبل وقطعة لحم تسمى “مصيدة الحيوان المفترس” ويطلق عليها الأهالي “لف” حيث يدخل المفترس في نفق من الحجارة أشبه بالفلج بحثاً عن قطعة لحم أو دجاجة ربطت بحبل وحالما يدخل يغلق النفق نفسه. وتكبر هذه المصائد بحسب الحيوان الذي يراد اصطياده، فمصيدة الثعلب تختلف عن مصيدة النمر أو الذئب، ولا تزال هذه المصائد باقية في عدة مواقع من المدينة التي لم تطلها الحداثة بعد. نقوش حجرية خورفكان مدينة تاريخية زارها ياقوت الحموي وابن بطوطة والفونسو دلبوكيرك ولوريمر ووصفوها ولم يختلفوا على جمالها وتعدد عيون مياهها العذبة ونخلها العسلي، وأنواع خضرواتها، وحيواناتها المدجنة. ولأن خورفكان ممتدة بالتاريخ فلابد لها أن تمتلك آثاراً تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد ومنها بقايا لقبور حجرية وبقايا بنائية وقد عثر على بقايا عجلات خشبية لمدافع قديمة مع قذائف حديدية، وبقايا كسر فخارية إسلامية من القرن الثالث عشر، كما عثر فيها على عملات نقدية متعددة المصادر والأزمنة تشير إلى مراحل تطورها التاريخي وإلى نشاطها التجاري والإنساني حيث امتهن أهلها ركوب البحر. وتعددت معالم خورفكان التاريخية، إذ وجدت رسوم ونقوش حجرية في جبل المكسر وجبل القلقلي وجبل أبو العبس وجبل الحوامي وجبل الجنة وجبل المنزل وجبل الحمرة وجبل الميناء وفي الوليه والنخوة وقرية شيص. موطن الغموض وفي خورفكان كانت الكهوف موطن الغموض، حيث كهف خور بازية في جبل المكسر ومن قلاعها في الأعالي وحصونها المعلقة في قن الجبل ترى في أسفلها الآبار الممتدة في الأعماق. من حصن المنصور فوق جبل ميناء خورفكان (1220م)، إلى برج العدواني (1700م)، إلى بومة المرقة والحصن البرتغالي (1638م)، إلى حصن وادي شي (1700)، إلى بومة سويفه الدائرية إلى حصن حياوة (1700)، إلى حصن الناخي النقبي، وبومة الحوامي وبرج الرابي نجد الآبار التي أشهرها (طوي الوثن) التي تحكي قصة بنائها. قصة طوي وتروى عنها حكاية تقول بأن نجمة من السماء سقطت فيها ـ ويطلق عليها الأهالي كلمة “خرت نيم” ـ هي التي حفرت هذه البئر بهذا العمق ومن ثم قام الإنسان بطويها أي بعمل التشطيبات من تصفيف الحجارة ورصها حتى لا تنهار جدرانها. كما هو الحال بعد حفر الآبار، فالطريقة قديمة قدم حفر الآبار. كما تروي عنها حكاية أخرى تدل على عمقها البعيد، فيقال إن رجلاً من أهل البلد، قد رمى فيها بعصا مصنوعة من شجر الخيزران، ولكونه يعمل بالصيد فإنه وأثناء ذهابه إلى جزيرة القرش (وهذه الجزيرة على الجهة الشمالية الشرقية للمدينة) وجد عصاه التي رماها في البئر ماثلة أمام عينيه تتقاذفها الأمواج، مع العلم أن هذه البئر في البر والجزيرة في البحر والبعد بينهما لا يقل عن (12) اثني عشر كم. والعجب أنه على الرغم من وجود هذه البئر على الطريق للمسافرين من وإلى خورفكان، إلا أنه لم يوضع عليها دلو ليغترف الناس من مياهها، وتركت هكذا لتكون مزاراً يسر برؤيتها المسافرون والقادمون عليها من كل مكان. أطلق عليها الأهالي “طوي الوثن”، وسبب التسمية أنهم وجدوا بقايا وثن بالقرب من هذه البئر فسميت باسمه. ويروى أن مجموعة من الهنود الوثنيين سكنوا أرض خورفكان بجانب أهلها العرب الذين ينتشرون على المناطق الساحلية أكثر من الداخل والمناطق الجبلية، فربما يعود إليهم الوثن والبئر، أو للعرب قبل الإسلام، ويمكن أن يكون سبب امتناع الناس من الاستفادة من مياهها ـ على الرغم من موقعها في منتصف طريق المسافرين ـ أن الذين حفروها أهل كفر ووثنية، وحيث أن الناس كانوا يعيشون على الفطرة ويبحثون عن الرزق الحلال، فلمجرد الشبهة والشك يمتنعون. ومن آبارهم “طوي القندة” من “القتد/ السكر” وكان عندها شجرة عظيمة اسمها “لمبوه” و”طوي الهمباذي” و”طوي المشخولة” و”طوي يبل” و”طوي الممزر” و”طوي لفواد” و”طوي البحيصة”. الشعراء والمدينة تلك هي خورفكان التي امتد تاريخها قبل 4000 سنة في تجارة أهلها مع السومريين والأكاديين في بلاد وادي الرافدين “ما بين النهرين”. تلك هي خورفكان التي قال فيها الشاعر السوري راتب السيد: يا حادي الركب طول السير أضناني قف بي تمهل فهذي خورفكاني وقال فيها الشاعر عادل عاشور: يا خورفكان البديعة ليتني يا لائمي في حبها لن أنثني كنت الجمان بتاجك المترصع فلتسكني قلبي وفيه تربعي وقال فيها محمد سالم بن حمود المدهاني: خور وأي خورِ له عبر العصور اسم وصيت ذائع ميناؤه مشهور وقال فيها حسن علي النجار الحمادي: “بها.. ترتاح عاصفتي بها.. تستنشق العينان” وينشد أهل السفر شعراً مجهولاً قائلة يرددون فيه: عبرتي من مكلا وبسند على خورفكان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©