الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدل في الرسم.. بلا رسم

جدل في الرسم.. بلا رسم
6 سبتمبر 2012
تستحوذ الافكار النقدية في الفن التشكيلي على اهتمام خاص من قبل المشتغلين في هذا الحقل الابداعي، بسبب ما يستجد من طروحات وما يستحدث في هذا الموضوع من افكار متغيرة باستمرار، وفي هذا الاطار يطرح الناقدان العراقيان هاشم تايه وخالد خضير رؤاهما وافكارهما النقدية كونهما ناقدين يتصديان بمعرفة اجرائية سليمة، لما هو مطروح من اعمال في ساحة التشكيل العراقي، وفي هذا الاطار قدم الناقد التشكيليي خالد خضير بحثا في ندوة عقدها الناقدان في مقهى أدباء البصرة بعنوان “المعايير الشيئية للنقد التشكيلي”، ورافقه فيها الفنان الناقد التشكيلي هاشم تايه، وكانت ورقته بعنوان: “جدل في الرسم حيث لا رسم”.. يقول هاشم تايه في طروحاته النقدية: “قبل الخوض في الأفكار المجترحة حول العمل الفني، أرى أن أفكارنا المجترحة اذا كانت مخصّصة للجدل في ماهيّة الرّسم كعمل فني ستكون عقيمة وأقرب إلى فضلة لا لزوم لها، إن لم تكن نكتة مضحكة! فأنت لكي تجادل في شيء، فإنّ هذا الشيء يجب أن يكون موجوداً في المكان الذي تحيا فيه أوّلاً، وتلمس آثاره في الثقافة والوعي والذائقة ثانياً، وبما أنّ الرسم في مدينتنا، اليوم بخاصة، في وضع أقرب إلى الضمور والغياب، إن لم يكن انعدام الأثر والتأثير، فإنّ جدالنا بخصوص ماهيته سيكون بلا فائدة، كما أعتقد، وكان الأولى أن نتحاور في الأسباب التي جعلت الرسم ينام بلا أحلام نومته الطويلة هذه، وإذا حدث أن استيقظ وحضر، بفتورٍ عادةً، هنا أو هناك، فمن أجل أن يطمئن على ذكرى حياته التي زالت.. تساؤلات وأفكار وتساءل هاشم تايه وقال: “أين هو الرسم اليوم في هذه المدينة لكي ننخرط في جدال فيه؟ .كم عدد معارض الرسم التي تقام كلّ عام؟ كم معرضاً زرتم من هذه المعارض؟ هل نحن على صلة أصلاً بالرسم؟ هل نقتنيه ونعلّقه على جدران بيوتنا؟ هل نراه في مؤسساتنا، هل نرتطم به في الفضاء العام داخل محيط مدينتنا؟”. واضاف” الرسم إذن، إذا اتفقنا مع آراء الناقد خالد خضيّر في اغلب كتاباته (واقعة شيئيّة) ليست قائمة في واقع، وحضورها الشحيح ضعيف وفاتر ومعدوم الأثر، ولهذا فالجدل في ماهية الرسم أولى به أن يؤجَّل إلى حين حضور السيّد الرّسم؟!. حيث يرى خالد خضيّر أن الرسم (واقعة شيئيّة) وهو مفهوم مركزي يستند إليه في قراءة النصّ البصَريّ التشكيلي. وهذا المفهوم مستقى بتحوير من أفكار الفيلسوف مارتن هيدغر التي يمكن الاطلاع عليها في كتابه (أصل العمل الفني)؛ إذا يرى هيدغر أن العمل الفنيّ في أصله شيء ماديّ كغيره من الأشياء، لكنّه يتميّز عنها جميعها بإفصاحه عمّا هو أكثر من الشيء، أي بكونه رمزاً. فالرسم أوّلاً وأخيراً هو فعلُ العين لا فعل اللسان، إنّ إثماً يُرتكَب بحق الرّسم كعلامة بصَريّة قادرة على توليد الدلالة بمنطق لغتها المرئية”. المادي الشيئي من جانبه يحلل الناقد التشكيلي خالد خضير مفهوم الفن فيقول: “نقصد بالفن هنا وبالعمل الفني، الرسمَ تحديدا، وان كان تعريفنا يشمل النحت والسيراميك وأنماط الرسم المختلفة، رغم إن هذه الأنماط الفنية تختلف عن بعضها اختلافات تفرضها طبيعة المادة التي يشتغل عليها الفنان . ثانيا نعتقد إن العمل الفني واقعة تتألف من مستويين بنائيين مستقلين: مستوى تحتي مادي شيئي ينتمي إلى جوهر العمل الفني المادي (البصري أو اللمسي)، ومستوى دلالي فوقي ينشأ كهامش سردي على الواقعة الشيئية، وهو، أي المستوى الفوقي، وان كان موجوداً ضمن جوهر العمل الفني ، فإنه لا ينتمي إلى البنية المادية للعمل الفني، وذلك بسبب إن الحكْم الجماليّ، والحقل الجماليّ ليس معرفة، لذا فهو مستقل عن معايير العقل وقيمه الأخلاقية والتقوية. واعتبار العمل الفني تجسداً للفكرة المطلقة ، قد خلف كوارث دفع ثمنها الفن وحده، فالعمل الفني في حقيقته جوهر مادّيّ قائم في ذاته، ويعرض نفسه في وجوده الخاص. المادّيّ والتقني وقال خالد خضير:”علينا تعميق البحث في الخصائص المادية للعمل الفني أي في شيئيته ، وهي وجوده المادّيّ والتقني، وهذا الأمر يصدق كذلك على الشعر. ويجب أنْ يجري البحث عن جوهر الشعر في (الشعرية) التي تكمن في خصائص النص، وفي طبيعته النصّيّة واللغوية الجوهرية، ونحن نعتقد أنّ الكتابة (النقدية) التي تتناول العمل الفني عليها أن تتناول وجوده المادي الشيئي لتكون حقاً كتابة نقدية، بينما نجد أنّ أطنانا من الصفحات التي يسوّدها الكتّاب تنتمي في حقيقتها إلى حقول قريبة من النقد التشكيلي كالسوسيولوجيا مثلا (علم اجتماع الفن) أو تنتمي إلى حقول راسخة أخرى كعلم النفس أو قد تكون تأملات فلسفية أو كتابة صحفية أو غير ذلك. وهي في هذه الحالة لا تبحث سوى ببنيته الفوقية السردية التي يتساوى فيها مع وسائل تعبير أخرى ويفقد خصوصيته التي تعطيه شخصيته المتفردة وهي وجوده كـ(واقعة شيئية)، ومن الصعب أن تنتمي كتابات كهذه إلى النقد التشكيلي”. الهوامش السردية وقال” إن النقد التشكيلي من باب مماثل يجد ميدان اشتغاله داخل البنية الشيئية للعمل الفني لا خارجه، إي في جوهره لا في هوامشه السردية التي وان وجدت فيه إلا إنها لا تنتمي إلى الفن كواقعة مادية. وأضاف الصالحي: أنها مفاهيم تعنى بدراسة الواقعة الشيئية أو مادية اللوحة، واعتبار اللوحة مناسبة لوضع المادة على سطح ما، والمادة تشتمل اللون وكل التقنيات المرافقة كالتعتيق والحروق والخروق والملصّقات (المواد المضافة)، وهي رؤية اقرب ما تكون إلى المفاهيم النصية. فالنص اللغوي والنص البصري هما حقلان مختلفان في وسائل التعبير وفي المقاربات النقدية ، إلا أن لهما مشتركاً عاماً هو ثنائية الصورة بنمطيها: الصورة الشعرية بصفتها استعارة والصورة البصرية باعتبارها واقعة تشاكل صوري، ومن خلال تعاكس مرآوي بين طرفي هذه الثنائية.كما قال: يفتقر المشهد التشكيلي العراقي والعربي إلى الجرأة التي وصلها الفنان الأوروبي. الرسام هو المخطط، الكاليغرافي، بينما المصور هو الملون، وتجد أن الحدود بين هذين العنصرين ليست حدوداً واضحة”. علاقة متوازنة وأضاف: “إن إدامة وجود علاقة متوازنة بين الرسم والإبداع بصفة عامة والنقد مسألة تتطلب جهداً وبنية عقلية قادرة على الاشتغال على نمطي الإبداع: السامي والنثري معاً، وتلك قضية تستوجب نمطين من الانشغالات العقلية، بينهما مسافة. وحول أهم المرجعيات التي أسست لقاعدة التحولات الأسلوبية الحديثة في التشكيل العراقي؟. قال الصالحي :إن تحوّل الفن العراقي من الرسم الشعبي إلى تقاليد اللوحة المسندية (لوحة الألوان الزيتية) هو الخطوة الحاسمة في تدشين الحداثة في الفن العراقي، وهو يعود إلى سفر الموفدين الأوائل لدراسة الفن التشكيلي (أكرم شكري، فائق حسن، جواد سليم..الخ)، وكانت مرجعيات هؤلاء ملتبسة بشكل مربك، فلقد كانت سطوة الإشكالية الحضارية لعصر النهضة العربية (الموازنة المقدسة بين التراث والمعاصرة) تثقل كاهلهم، وكذلك تأسيس معهد الفنون الجميلة”. اكتشاف الواسطي وأضاف: “كان تأسيس جماعة بغداد للفن الحديث (1950 ـ 1951)، مصطبغا بجوهر خطاب هذه الإشكالية، وقد مثل جواد سليم رأس الحربة في إيجاد (نموذج تشكيلي عربي) وكان اكتشاف الواسطي، من قبل جبرا إبراهيم جبرا وتنبيه جواد سليم عنه، كافيا كمفتاح لحل تطبيقي لهذه المشكلة من قبل أوساط الفن التشكيلي، فقد أتاحت الاحتفاظ بدرجة (مقبولة) لدى الفنانين، وهم تعبيريون بالأساس، ولدى المتلقين الذين يبحثون أولا عن تشابه مع أشكال الواقع، وأخيرا كانت تلك الأشكال تذكّر بالتراث، وفيها (تكنولوجيا) الحداثة متمثلة بالألوان والأدوات الأوروبية. وأضاف الصالحي: الأسلوبية في المشهد التشكيلي العراقي في الوقت الحاضر ترتبط بالنسق التشخيصي والنسق التجريدي، وكلا النمطين قد هيمنت فيهما موجهات صورية كانت تقود الرسامين بقوة، وتهيمن على ذاكرتهم، ونبتدئ بالنسق التجريدي العراقي في فن الرسم؛ فنضعه ضمن أنساق فرعية تحاول أن تصنف تجارب الرسامين التجريديين العراقيين إلى زمر متناظرة ومتمايزة عن بعضها. أن تلك التجارب يمكن أن تصطف في نسقين من الرسم: نسق انبثق من التعبيرية، ومن التشخيص ببطء، وظل وفياً لهما حتى في (أشد) حالاته تجريداً، ونسق ابتدأ من (اللاتشخيص). موجهات صورية وقال خالد خضير: “كل أولئك الرسامين وهم يحتفظون بموجهات صورية تقودهم بقوة، وتهيمن على ذاكرتهم، وتكمن حيث يكمن الطابع في قلب الرؤية الفنية. ولا يستثنى من أولئك ومن هؤلاء أحد سواء أكان رساماً تشخيصياً أم رساماً غير تشخيصي، فتلك الهيمنة واقعة في كل الأحوال، في كل أنساق فن الرسم، وهي قوة غامضة شكلتها ثقافة الرسامين البصرية ببطء؛ فهيمنت عليهم؛ وقادتهم إلى حقل اشتغالها؛ حيث التفكير بالصور وقد كنت أختار بعضاً من الفئة الأولى، التي تبتدئ بمشخصات الواقع وتنتهي بها مجردة، وبعضاً من الفئة الثانية التي تبتدئ (باللاشكلية) وتنتهي بها، أولئك الذين منعتهم (فكرة الشيء) من الرسم بطريقة (تجريدية). فليس من الضروري للفنان، كما يؤكد هنري ماتيس، أن يمتلك داخل نفسه إيضاحاً لذلك الشيء الذي يمتلكه عميقاً داخل نفسه، وليس ذلك الشيء الغامض سوى تلك (الحقيقة التصويرية) التي توضع بالتقابل وبالتضاد تماما أمام (الحقيقة الحكائية)؛ لأن الرسام معني بتكوين الأولى وليس الثانية، وبذلك تكون تلك العلامة الصورية للمشخّص قد هيمنت بطريقة لا يمكن محوها مهما حاول الرسام الإيغال في المجردات”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©