الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلسوف «البراجماتيّة»..

فيلسوف «البراجماتيّة»..
6 سبتمبر 2012
عن دار”غاليمار”، صدرت مؤخّرا التّرجمة الفرنسية الكاملة للمؤلّف الأساسيّ للفيلسوف الأميركي جون ديوي المولود عام 1859، والمتوفّي عام 1952، والذي بعنوان: “التّجربة والطّبيعة”. وقد أجمعت الصّحف والمجلاّت الفكريّة على أن هذه التّرجمة تأتي متأخّرة لتعرّف الفرنسيّين بفيلسوف كبير خاض في العديد من القضايا الهامّة التي لا تزال تشغل العالم في مطلع الألفيّة الجديد، مجيبة على أسئلة متعدّدة تتّصل بالدّيمقراطيّة، وبالتّربية، وبالبيداغوجيا، وبسايكلوجيا ألأفراد والجماعات. وكان جون ديوي قد تأثّر خلال فترة الدّراسة الجامعيّة بالفيلسوف الألماني هيغل. كما تأثّر بأستاذه شارل ساندرس بايرس (1839 ـ 1914)، والذي كان قد جمع من حوله حلقة من المعجبين، المفتونين بأفكاره في مسائل ميافيزيقيّة. وكان ويليام جيمس واحدا من هؤلاء المعجبين. وهو الذي ابتكر كلمة “البراغماتيّة” التي ستطبع فلسفة جون ديوي، في مجمل مؤلّفاته. وقد نال جون ديوي شهادة الدكتوراه بأطروحة حملت عنوان: “سايكلوجيا كانط”. وخلال السنوات التي أمضاها أستاذا في جامعة شيكاغو (1894 ـ 1904)، عكف جون ديوي على بلورة الأفكار والأطروحات الأساسيّة التي ستقوم عليها فلسفته البراغماتيّة التي تقول بإن الفكر البشري وسيلة في تطوّر متواصل، تسمح للإنسان بأن يكون منسجما مع محيطه. وبفضل اللّغة والتّربية، يستفيد الفرد من تجاربه في الحياة، ومن تجارب الآخرين. كما يستفيد من تجارب عصره. أمّا الديمقراطيّة فهي “المثال الأخلاقي الوحيد، والأقصى للإنسانيّة”. وبالنسبة للدور الذي يلعبه التقدّم التكنولوجي في نموّ الديمقراطية، كتب جون ديوي يقول: “لا يصبح النّاس مجتمعا لأنهم متقاربون من الناحية الجسديّة والفيزيولوجية تماما مثل الكائن البشريّ الذي لا يكفّ عن التّأثّر اجتماعيّا بأمثاله حتى عندما يكون بعيدا عنهم مسافات قصيرة أو بعيدة”. ويحددّ جون ديوي مفهومه للإنسانيّة قائلا: “ما تعنيه الإنسانيّة بالنسبة لي هي أنها عبارة وليست تقلّصا أو انكماشا للحياة البشريّة. عبارة يكون فيها العلم والطبيعة في خدمة دائمة ومستمرّة لما فيه خير للبشر”. ومحاولا تحديد المفهوم العام لفلسفة جون ديوي، كتب أحدهم يقول: “عنصر الوحدة في فكر جون ديوي هو مفهوم التّجربة. وهو يمنح هذه الفكرة القديمة محتوى جديدا أكثر اتّساعا من استعماله العاديّ. فالتّجربة عنده تجمع، وترتّب، وتنسّق تفاعلاتنا مع محيطنا فيزيقيّا كان، أم بيولوجيّا، أم عائليّا، أم اجتماعيّا. وهذه التجربة لا تكون سلبيّة أبدا.. فالبنسبة لجون ديوي ليس هناك العالم من جهة، والوعي من جهة أخرى والذي يقوم بتسجيل ظواهر الخارج، بل بالعكس: كلّ تجربة، وكلّ وجود يتكوّنان من التّفاعلات، ومن التّشكيلات العكسيّة ومن التّسويات بين عناصر متعدّدة”. ويواصل كلامه قائلا: “إنّ براغماتيّة جون ديوي هي قبل كلّ شيء فكر سيرورة في العلم. فكلّ شيء بصدد التكوّن والتّشكّل. لذلك لا يمكننا القول بأن هناك حقيقة دائمة لا تتغيّر أبدا. ومعنى هذا أن أفكارنا، ومعاييرنا الأخلاقيّة، والجماليّة، والسياسيّة ليست معطيات أبديّة. والعنصر الذي يتميّز به هذا المسعى هو أنه يسمح لنا بالقطع نهائيّا مع المجموعات المغلقة. وعوض أن نجمّد الإنسان، والطبيعة، والعلم، والمجتمع، في دوائر مغلقة وعازلة لبعضها البعض، تقترح الفلسفة تحديد العلاقات بينها بحسب ما تتضمّنه من عناصر متحركة ومتطوّرة”. وخلال مسيرته الفلسفية المديدة لم ينقطع جون ديوي عن المشاركة الفعليّة في أعمال ونشاطات تتّصل بقضايا العالم. فقد كان عضوا في “المجمع الإنساني”بنيويورك “. وكان ضمن الذين وقّعوا على “البيان الإنساني” الذي ظهر عام 1933. كما انتخب عضوا شرفيّا لـ”جمعيّة الصّحافة الإنسانيّة” عام 1936. وفي نفس العام، انتمى مع كلّ من البرت آينشتاين وألفين جونسون الى اللّجنة الأميركيّة لـ”الجمعيّة العالمية للحريات ألأكاديميّة”. وفي عام 1938 ترأس اللجنة التي تكفّلت بالدفاع عن ليون تروتسكي، ودحض التّهم التي ألصقها به ستالين. وفي عام 1950، اتّفق كلّ من برتراند راسل، وبنيديتو كروشه، وكارل ياسبرس، وجاك ماريتان على أن يترأس جون ديوي شرفيّا المؤتمر من أجل حرية الثقافة. وقد توفي جون ديوي في أوّل شهر يونيو 1952 عن عمر يناهز 93 عاما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©