الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف ينظر المبدعون إلى نهاياتهم ؟

كيف ينظر المبدعون إلى نهاياتهم ؟
22 فبراير 2008 23:37
هل تعني اللوثة الإبداعية موتاً آخر؟· في أوروبا ثمة كلام عن ''اللعنة الإغريقية'' التي جعلت فلاسفة وأدباء يموتون بطريقة غريبة بل وعجيبة، حتى أن نسراً ظن أن رأس روائي حجراً فأراد أن يحطم سلحفاة عليه· اللاوعي الغربي قد يكون امتداداً للوعي الإغريقي· البعض يتمنى موتاً لا يخطر على بال ''أن تأكلني نملة'' كما يقول نورمان ميلر مثلاً، فيما ''فرنسيس فورد كوبولا'' يفضل السكينة المطلقة في قبر على سطح المريخ· لنتصور أن الكاتب الأميركي الشهير ''نورمان'' يتمنى أن تأكله نملة· هذا حينما سُئل عن الطريقة التي يتمنى أن يموت بها، وعلل ذلك بقوله إن العملية لا بد أن تستغرق وقتاً طويلاً· النملة قد تحتاج إلى سنوات وسنوات قبل أن تتمكن من أكله· يستدرك القول، فهو، حتماً، سيشعر بالملل· الأفضل أن يتم الأمر بطريقة ما ''فلا أتصور أن الموت سيعاملني كحالة خاصة، إنه يحمل في حقيبته أرقاماً لا أكثر ولا أقل: ''في هذه الحال، ستتساوى عظامي مع عظام ''هولاكو''، مع أنني أفضل أن تتساوى مع عظام دونكيشوت''· الفيلسوف الفرنسي ''لوي ألتوسير'' كان يفضل أن يموت مخنوقاً بيد زوجته، حتى إذا ما انتقل إلى العالم الآخر يحتفظ بكراهيته لها: فـ''البعض يعتبر أن المرأة هي نصف الحياة أو أكثر، أنا أعتبرها نصف الموت أو أكثر''· الذي حدث مثير، وربما غير مفاجئ· ''ألتوسير'' هو الذي خنق زوجته· ولكن من الصعب ملاحقة فيلسوف بحجمه، وبعمره أيضاً· قيل إن اللوثة الإبداعية كانت وراء تلك اللحظة المجنونة· إذاً، هي التي تلاحقه، وهو الذي سبق وقال: ''إن ملاك الموت سيجدني أكثر تعقيداً وخشونة مما كان يتصور''· ''ألبرتو مورافيا'' كان يريد أن يموت شنقاً· هناك سبب وجيه لذلك: ''أن يكون حبل المشنقة مصنوعاً من شعر امرأة جميلة''· ماذا يتغير في هذا الحال؟ كلام روائي لا بد أن يكون كلاماً غريباً، وإن كان الكاتب الإيطالي قد أقسم أن هذا ما يريده حقاً: ''لا شيء أكثر من المرأة يجعلني أتنفس الصعداء''· الإيطالي الآخر ''دانتي اليغييري''، صاحب ''الكوميديا الإلهية''، كان يتمنى أن يموت محترقاً· وتندلع النيران في أرجاء منزله، ليستيقظ صباحاً فلا يعثر على نفسه· أما السبب وراء هذه الرغبة ''إذا ما أُرسلت إلى جهنم، فلن يبقى شيء مني طعماً للنار''· المخرج الكبير ''فرنسيس فورد كوبولا'' (الرؤيا الآن) قال: إن العالم بات مرهقاً جداً، ولأنه لا يستطيع أن ''يعيش'' حتى بين الأموات، فهو يتمنى أن يأتي إليه طائر خرافي ويحمله إلى المريخ· هناك يمكنه أن يموت داخل تلك السكينة اللانهائية· نصف ابتسامة ليضيف: ''لكنني أخشى من حالة انعدام الوزن هناك· أن تطير جثتي ثم تسقط على الأرض· أنا أؤمن بالصدفة، ويمكن لهذا أن يحدث فعلاً''· ''توماس مان'' الألماني، والذي وضع ''موت في البندقية''، تأثر، إلى حد التماهي التام، مع أبطال روايته، فقال: إنه يود لو يموت بالطاعون، وعلل ذلك بقوله: ''لكي لا أكون مجرد شاهد· لا أدري ما إذا كانت هناك مهنة باسم ''كاتب'' في العالم الآخر، ولكن إذا مت أكون قد عرفت ما إذا كان ثمة من فارق بين الموت على فراش من ريش النعام، والموت بذلك الوباء الهائل''· الإنجليزي ''تشارلز ديكنز'' قال إنه كان، ذات يوم، على متن سفينة، أعجبته فكرة أن يغرق في الماء ويبتلعه حوت· قد يظل حياً هناك: ''هل تعتقدون إنني استخدمتُ خيالي بصورة رديئة جداً؟· عند فكرة الموت لا بد أن يحدث اهتزاز داخلي''· الأسباني ''سرفانتس'' الذي اخترع شخصية ''دونكيشوت''، تمثل ببطله، ولاحظ أن القتال ضد الموت هو أشبه ما يكون بالقتال ضد طواحين الهواء· ولأنه كان يخاف من تلك اللحظة التي طالما تحدث عنها الكثيرون، بما في ذلك الأساطير؛ فهو تمنى لو أصيب بالجنون قبل دقيقة واحدة من موته· يحصل الافتراق ورأسه في مكان آخر: ''لن أواجه تلك الهنيهة الغامضة، هل حقاً أنني أقلد النعامة؟''· أجل أيها السيد ''ميغل دوسرفانتس''· في أوروبا، يتحدث الفلاسفة والأدباء والفنانون عن ''اللعنة الإغريقية''· ثمة شيء غامض كان يحدث لكي يموت المبدعون بطريقة غريبة· ''أفلاطون'' نجا بصورة عجيبة من موت تقشعر له الأبدان، ولنتوقع ما حصل للروائي الإغريقي ''أيشيل''· كان هناك نسر يحمل سلحفاة، ولأنه يريد أن يحطم ظهرها ليتمكن من تناولها، فقد ظن أن رأس ''أيشيل'' الذي يلمع تحت أشعة الشمس حجراً، وكان أن رمى السلحفاة عليه، فتحطم رأس الروائي، ولم تتحطم السلحفاة· القصة واقعية، ولكن هل يمكن أن تحدث هكذا بتلك الصدفة العجيبة، أم أن هناك لعنة ما؟ ''أرسطو'' انتحر برمي نفسه في مضيق أوريبوس، و''ديموستين'' الذي حكم بالموت من قِبَل الانتيباتروس تجرع السم، فيما ''ديوجين'' اختار الحياة في برميل ربما لكي لا يكتشف الموت مكانه، وإن قيل إن شكل القبر الإسطواني أوحى إليه بدوران الحياة ودوران الموت، فاختار البرميل قبراً· بعد ذلك يتدحرج إلى حيث يشاء أن يتدحرج· ''أمبيدوكل'' انتحر في فوهة بركان، وماذا حين نعلم أن الشاعر والروائي ''يوربيدس'' مزقته كلاب ضالة، فيما ظنت كلاب أن الفيلسوف ''هيراقليطس'' حيوان، إذ كان يكسو جلده بالزبل لإصابته بمرض جلدي· قضت الكلاب عليه، ولم ترعوِ رغم أنه كان يطلق صيحات بشرية· مسرحيات وضعت حول هذه الواقعة الغريبة، وتساؤلات حول ''شعور'' الكلاب وهي تكتشف حيواناً يستغيث بلغة البشر· هل هي اللعنة الإغريقية أيضاً أن يرغم ''سقراط'' الذي اتهم بالزندقة على تناول سم الشوكران، فيما سقط ''طاليس'' في بئر، أما ''زينون''، مؤسس الرواقية، فقد انتحر، وحكم على ''زينون الإيلي'' بتهمة التآمر فقطع لسانه وخلعت أسنانه ليلفظهما جميعاً في وجه الطاغية ''نيسارك'' قبل أن يلقى حتفه· الأوروبيون تأثروا كثيراً، ومنذ عهد النهضة، بالأدب وبالفلسفة وبالشعر في بلاد الإغريق· شخصية ''سيزيف'' لا تزال تتدحرج، مع الصخرة، عبر الأزمنة· لكن موت أولئك المبدعين وبتلك الطرق المثيرة، جعل العديد من فلاسفة وأدباء القارة العجوز يعتبرون أن ثمة جهة غامضة هي التي تزرع أرواحاً غريبة داخل المبدعين· هذا لقي صدى لدى أحد نجوم السريالية ''أندريه بروتون'' الذي قال: إنه يتمثل شخصية ''أرسطو''، ولكن بشكل آخر: ''أن يمشي على رأسه''، ولكن ''أتمنى أن أموت لأتقمص حماراً، واثق من أنني سأفهم العالم بصورة أفضل''· ''خورخي بورخيس'' كتب: ''أيها الموت لن تكون صديقي''، ليضيف: ''لقد أغمضت عيني بما فيه الكفاية، هل تريد مني أن أغمضهما أكثر؟''· لكن الكاتب الأرجنتيني عاد ليكتب في وقت لاحق: ''ربما كان الموت يعني شروق الشمس ثانية، أصدقكم القول: إن الموت هو الشيء الوحيد الذي أراه بعيني· حارس ويفتح الباب· هذه كل مهمته، ولست معنياً بأي طريقة يفتح الباب''· يذكر الكاتب الأميركي ''آرثر ميلر'' الذي تزوج من النجمة الشهيرة ''مارلين مونرو'' أنه سألها ذات يوم كيف تود أن تموت؟، ارتعشت، ثم سألته: ''هل تريد أن تقتلني؟''، ضحك، وأردفت قائلة: ''أتمنى أن يأتيني الموت على شكل طائر أبيض، ويحملني عبر السحاب، وأنا في حالة من البهجة''· لم تكن النهايات هكذا: حبات من الاسبيرين وضعت حداً لحياتها، لا يعرف أي طائر حملها·
المصدر: أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©