الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نشرة أخبار تلفزيونية

نشرة أخبار تلفزيونية
6 سبتمبر 2012
وجد نفسه بعيداً بعيداً، في عالم خيالي، متأبطا بندقيته وعتاده يجوب ذلك العالم المجهول في رحلة صيد، وصل إلى بقعة على مدخل غابة فقرر التخييم فيها حتى الصباح، كان الليل مقمراً يحرك الوجدان وفي الجو عطر خفي من روائح الأشجار وشذا الزهور وصمت ليلَ جميل، تقطعه بين الحين والآخر وشوشة النسيم بين الغصون، وحفيف الأوراق المتساقطة وخرير الماء المنساب رقراقاً جارياً شادياً بلحن أزلي يطرب الأسماع مما جعله يدندن بلحن شجي لم يشعر معه بمرور الوقت حتى نبهتهُ الطيور والعصافير وهي تشدوا أنشودة الحب والوئام معلنة ميلاد يوم جميل، السماء مزدانة بالغيوم والنسيم متآلف مع قطرات الندى ناثراً في الأجواء رائحة الثرى لتضفي على المكان رائحة المطر.. دخل الغابة متأبطا عدة الصيد، مستمتعا بما حوله ممتعا نظره بالطبيعة الخلابة، ونفسه مستكينة مسرورة، وقلبه منبهر بالطبيعة الأخاذة مستمتع بروائحها، مختالا في مشيته، لكن صوتا اجفله، وقطع عليه انسجامه، لم يصدق اذنيه، ضحكات خافته رقيقة، وصوت رخيم يغمغم بكلمات لم يفهمها، داهمه شعور بالاستغراب والريبة، لكنه واصل الاقتراب من مصدر الصوت بهدوء وحذر، حتى تسنى له رؤية المشهد، شاب وفتاة وبينهما طفل كأنه ملاك، كأنهم يلعبون لعبة الاختباء، هي تختبئ، يجدها، يمسك بها، تهرب منه، يلحق بها، يأخذها بين ذراعيه، ثم يسابقها إلى الطفل الذي يهرب منهما متعثراً ضاحكاً بضحكات طفولية ملائكية تجلجل في المكان يضحك لها كل ما في الوجود، يمسكان به، يقبلانه، يلاعبانه، ثم يمشي الطفل متهاديا أمامهما ماداً يده الصغيرة لتعبث بأوراق الشجيرات وبراعم النباتات الصغيرة، وهما يتبعانه متشابكا الأيادي، يقطف زهرة، يهديها لها، تشمها، ثم تقربها منه لتشاركه رائحتها، يأخذها منها ويزين بها شعرها، يضحكان معاً، ثم يأخذان بيد طفلهما ويمشيان معاً والطفل بينهما، وهما يغنيان لهُ أغنية يتجاوب لها كل ما في الغابة، فتغني البلابل ويرد عليها حمام الأيك، النسيم يحرك الأغصان لتعزف لحناً جميلاً طيب الأسماع، تتمايل طرباً غصينات الزهور، لتنثر عبيرها في الأجواء جوداً وفرحاً، الفراشات الملونة الجميلة كأنها تتراقص، تنتقل من غصن إلى غصن مشكلةً عقداً زاهياً تتزين به الأشجار، تنبه انه اقترب من كوخ متواضع رغم انه كتحفة فنية او لوحة زيتية ابدع فيها فنان، تحيط به زهور آية في الجمال، منسقة بإبداع الهي سبحانه جل وعلا، بجواره ينساب جدول صغيرا يكون شلال صغير ينبعث منه رذاذ تنعكس عليه أشعة الشمس فيتشكل قوس قزح يزيد الجو رونقاً وتألقاً وجمالاً، جعله ذلك المنظر وذلك الجو البهيج العجيب ينتشي طرباً، فرقص بالبندقية رقصة النشوان، ومن غير قصد انطلقت رصاصة من البندقية سببت دويا مفزعا في المكان، جفلت منه الطيور واضطربت وطارت من أعشاشها وتوقفت عن تغريدها على الأغصان، فاهتزت الأشجار وتساقطت أوراقها، وارتعشت الزهور ومالت وكأن هلعها جعلها تمسك روائحها وعبيرها بعد ان طغت رائحة البارود على المكان، الأم ضمت طفلها الى صدرها بعد ان صرخ مفزوعاً مذعورا، واحتضنته واختفت به داخل الكوخ خوفاً وهلعا.. في تلك اللحظة، انتبه الى ان رعونته غيرت شكل المكان وأحالت الهدوء والسكينة والانسجام الى فوضى، وقبل ان يتمكن من القيام بأي حركة كان والد الطفل يقف امامه بشموخ، ينظر اليه بغضب كأسد شرس متأهب للانقضاض عليه، صرخ في وجهه قائلا: إي ريح قذفت بك إلى هنا وأي نذير شؤم أنت، هل جئت لتفسد في الأرض وتعيث فيها الخراب، وتعكر صفوة الحياة النقية الصافية التي يسودها السلام والأمن والأمان، هشش هيا أبتعد، ابتعد من هنا وعد الى الجحيم، والى عالمك المضطرب، عالم القتل والدمار والتشريد والخيانة والفساد في الأرض، ابتعد من هنا، وكفاك ما فعلته، لقد أفزعت أهلي ومملكتي الصغيرة المطمئنة ونثرت الخوف والرعب في أجوائنا.. ثم انقض عليه ليطوق عنقه بكلتا يديه ويخنقه ويدفعه أمامه ليغادر المكان.. في تلك اللحظة أفاق مذعورا مذهولاً، تحسس عنقه، فرك عينيه، نظر حوله، انه في منزله، غمغم بكلمات غير مفهومة، تحسس نفسه مرة أخرى، نظر أمامه، التلفزيون يشتغل، المذيع الأنيق يتلو نشرة الاخبار، يبدو كل شيء على طبيعته، انه في غرفة الجلوس المعتمة، تذكر انه كان يتابع الاخبار كعادته اليومية، تذكر انه عندما عاد الى المنزل كان منهكا بعد يوم طويل شاق، رمى بنفسه على الكرسي الوثير كالعادة، استلقى، شعر بتكاسل غير إنه أدار جهاز التلفزيون بجهاز التحكم عن بعد، وضعه على القناة الأخبارية المفضلة، ومن ان يشعر او يدري داهمه سلطان النوم بخفة وسلاسة، فأطبق الهدب على الهدب وأغرقه في سبات عميق.. المذيع يعلن عن سقوط عشرات القتلى مرة اخرى، بل ان المدينة سقطت وتداعت وسقط النظام، وهناك المزيد ينتظر السقوط، والأحداث تتطور بتسارع واستمرار، والأرض حبلى بمزيد من الأحداث الجسام، ومزيد من القتلى والمشردين والثكالى والأيتام، حتى عم الدمار في كل مكان.. شعر بضيق في التنفس، النوم لا يزال يثقل عينيه، غمغم بذكر الله حتى يطمئن قلبه، وتذكر اين كان، فابتسم ساخرا لأن كل ذلك كان مجرد حلم.. عاد الى الواقع، نظر مرة أخرى الى التلفزيون، الأحداث لا زالت متوالية، تمتم بكلمات الحمد والشكر لله، انفرجت أساريره، شعر بفرحة غامرة، فقد تذكر انه يعيش في امن وامان انه في بلاده، في وطنه، انه في دار زايد الخير طيب الله ثراه، وفي رعاية خلفه خليفة الخير وإخوانه الكرام، ايقن أن الأمن والأمان والسلام والوئام والحب والجمال تمثل شعارات للوطن، وعنوان له، أيقن بالنعمة التي يعيشها، وبالحقيقة التي تشكل الواقع الإماراتي، القيادة والشعب وذلك الحب الخالص المتبادل، وذلك الولاء الوطني الخالد لرموز الوطن.. إنها قصة لن يفهمها الربيع العربي..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©