في ظل التطور العمراني السريع والتنمية التي تشهدها قطاعات الدولة، حدث أن تم القضاء على سلسلة من النسيج العمراني القديم وإحلال مبان حديثة مكانها، مما قضى وبشكل تام على ملامح هذه الارض وهويتها في بعض المناطق، ولكن يبقى الوعي بأهمية التراث والآثار هو العامل الأقوى نحو إيقاف معاول الهدم وجعلها وسيلة لإعادة ترميمها ووقوفها شامخة متحدية موجة التطور· تعتبر المباني القديمة جزءا من تراث أي مجتمع فهي نتاج لممارسات إنسانية على مدى عقود طويلة ضمت مفاهيم وقيما ومعارف وخبرات، وشهادة حية على ما حققته الشعوب··كما تعد معلما تاريخيا وتراثيا حضاريا، تجسد تفاصيل البناء التقليدي بجمال عناصره ومفرداته التي تحاكي الطبيعة··
وقد تميزت العمارة التقليدية في المدن الساحلية بالاستقرار، واستخدام مواد تتميز بالديمومة، فمازالت بعض ''الفرجان'' أي الأحياء القديمة تصور لنا واقعا حياتيا عاصره أجدادنا ورحلوا عنه تاركين لنا نمطا معماريا ترتكز عليه هندسة مبانينا الحديثة· كذلك تميزت العمارة التقليدية بنواح فنية هندسية وجمالية تطلعنا عليها بعض هذه الأحياء القديمة المنتشرة في بعض المدن، والتي أصبحت الوجهة الأولى للسياح الذين يودون الاطلاع على هوية هذا البلد وما تنفرد به من مظاهر دون غيره، فالنسيج العمراني الذي يشكل وحدة متكاملة مترابطة فيما بينها وأجواؤها الحميمية الدافئة المنبثقة بين زقاقها، كان نتاج روح التواصل والترابط بين أهالي ''الفريج'' أي الحي· ونجد أن البيوت التقليدية شكلت نتيجة لظروف بيئية واجتماعية واقتصادية، كما يعكس تصميم المسكن مفهوم المعالجات التشكيلية في العمارة التقليدية حيث تتوزع الفراغات حول فناء مكشوف، وتتكون الفراغات من وحدات مرتبة تبدأ بالمدخل الذي يربط بين أجزاء البيت الداخلي بالخارج، كما شاع استخدام المدخل المنكسر لفرض عنصر الخصوصية على الأجزاء الداخلية للبيت·· ويضم نظام البناء التقليدي المجلس فهو عنصر مهم لاستقبال الضيوف فلا ينفك الأهالي من تبادل الزيارات أو التجمع في أحد المجالس يوميا لمناقشة القضايا الاجتماعية والاطلاع على ما يهم بعضم البعض من أمور تتعلق بالغوص وغيره، ويتميز بكثرة نوافذه المطلة على الخارج· وعادة ما يكون المجلس بعيدا عن أجزاء البيت الداخلية وله في بعض المساكن مدخله الخاص·· أما الغرف الانتفاعية الخاصة بأهل البيت فهي تطل على ''الليوان'' وهو البهو الواقع أمام الغرف، الذي يعلوه سقف من الخشب والجص كما تظهر على واجهته الأمامية الأعمدة والأقواس، وهو كغطاء يمنع وصول أشعة الشمس إلى الغرف، مما يبقي الأجواء لطيفة· وتبقى فراغات الخدمات العامة معزولة نوعا ما عن باقي الغرف وعادة ما تكون قريبة من المدخل الفرعي للبيت، كالمطبخ و''البخار'' أي المخزن، أما ''الأدب'' وهي دورة المياه وعادة ما تكون في زاوية البيت· وقد يلحق ببعض المباني التقليدية درج للانتقال إلى الغرف العلوية والتي تستخدم للمبيت في الصيف، وقد يكون الدرج مكشوفا أو مغطى·
ونظرا لطبيعة المناخ الحار الخانق السائد في الخليج جرى البحث عن وسيلة لجذب نسمات الرياح التي تهب في بعض الأوقات، حيث تعتبر ''البراجيل'' من أبرز العناصر المعمارية التي تمنح المكان لمسة جمالية ووظيفية فهي عبارة عن ملاقط لجلب الهواء إلى داخل المنزل، وتبرز فيه جماليات الفن الإسلامي من حيث النقوش والزخارف الجصيه التي تزدان بها، فإطلالتها الساحرة وهي تقف بشموخ وعزة على أسطح المباني القديمة ترسم إيقاعاً فنياً لافتاً بين مظاهر البناء الحديث الذي يراقب، من بعد مدى، شغف السائحين في التقاط بعض الصور للأحياء القديمة التي تعد تحفة معمارية فريدة تروي حضارة البلد، وتختزل بين ثناياها عبق الماضي وتنطق جدرانه بحكايات من عاشوا بين أحضانه·· هذه التفاصيل الهندسة المعمارية تجسدها سلسلة من العمارة التقليدية الموزعة في بعض مناطق الدولة كالشندقة وحي البستكية في دبي ومنطقة الشوهيين في الشارقة·
عدد اليوم
