الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغز الزوج المسموم

لغز الزوج المسموم
12 سبتمبر 2013 21:26
كانت المفاجأة قاسية، عندما تلقت الزوجة اتصالاً من شخص يخبرها بأن زوجها في المستشفى في حالة سيئة، لم تعرف كيف تتصرف ولا حتى كيف تبدل ملابسها، فألقت على جسدها بعض الملابس السوداء فوق ما ترتديه، وهرعت مع أبنائها وبناتها بسيارة أجرة، إلى حيث المكان الذي اخبروها بوجوده فيه، الطريق الذي كان لا يزيد طوله على خمسة كيلومترات استغرق حوالي نصف الساعة بسبب الزحام الشديد وكانوا يريدون أن ينزلوا ويدفعوا السيارات بأيديهم جانبا لإفساح الطريق والوصول بسرعة. كل ما كان يشغلهم في ذلك الوقت وما يساءلون عنه ماذا جرى له، وهو سليم صحيح لا يعاني أي مرض وإن كان قد اقترب من الستين؟ انه شعلة نشاط وتبدو عليه الحيوية وتمام العافية، هل تعرض لحادث أم تشاجر معه احد رغم انه مسالم لم يختلف مع أي شخص؟ تساؤلات كثيرة لكنها لا تجد أجوبة، تلهج الألسن كلها بالدعاء والتضرع إلى الله سرا وجهرا أن يكون ما ألم به بسيطا وان يكون تم علاجه، أقاربهم الذين علموا بنقله إلى المستشفى لم تتوقف اتصالاتهم بهم وهم يسألون عما جرى لكنهم أيضا لا يجدون جوابا فتوجه الجميع تباعا إلى هناك لاستجلاء الأمر. الزوجة تسترجع اللحظات الأخيرة بينهما في الصباح، عندما استيقظا باكرا كعادتهما قبل السادسة، أدى الرجل صلاته ودعا ربه سرا وهو على سجادة الصلاة هكذا يبدو من جلسته ورفع يديه إلى السماء، وهي تعد له طعام الإفطار والشاي، هكذا عادتهما منذ سنوات طويلة، ارتدى ملابسه ووضع مبلغا كبيرا في حقيبة يده متوجها إلى عمله أولا ثم إلى بعض شؤونه الأخرى لهثا وراء المعيشة ومواجهة أعبائها رغم أن حياته ميسرة ويعد من الأثرياء، وقد يتأخر خارج البيت في معظم الأيام، وهي تشفق عليه من هذا العناء، إذ لا يستريح إلا بعض يوم في الأسبوع هو يوم الجمعة الذي يجتمع فيه أفراد الأسرة ويلتقون جميعا على كل الوجبات، فقد كبر الأبناء ومنهم من يعمل ومنهم من تزوج ومنهم من يدرس في الجامعة، تتذكر عندما خرج صباح اليوم وهو يسألها السؤال التقليدي المكرر والمعاد كل يوم، هل تريدون شيئا، فتملي عليه قائمة شفوية من المطالب سواء للأبناء أو لاحتياجات المنزل، فيهز رأسه بالإيجاب، ثم تودعه بالدعوات، فقد تزوجها وهي صغيرة في السن وعاشت معه دهرا طويلا أضعاف ما عاشت في بيت أبيها. وكانت المفاجأة الأكثر قسوة عندما وصلوا إلى المستشفى وأخبروهم بأن “الحاج عامر” توفى، فقد تم إحضاره وهو في حالة سيئة ويعاني آلاما حادة في البطن، ولم تفلح الأدوية والمسكنات وتوفي الرجل وبكى من بكى وصرخ من صرخ، لكن الزوجة أصيبت بحالة إغماء وفقدت الوعي فانشغلوا بعلاجها وإفاقتها وقد استغرق ذلك اكثر من ساعتين فكان البلاء مضاعفا والموقف اكثر صعوبة، إلى أن انتهت إجراءات إخراج المتوفى، وكالعادة تم التوجه به إلى المسجد القريب من منزله لأداء صلاة الجنازة عليه حيث يجتمع المودعون ليحملوه إلى مثواه الأخير. الصدمة قاسية أن يرحل الرجل بلا مقدمات مثل أن يمرض أو يشيخ أو أي سبب، وإن تعددت الأسباب والموت واحد، والموت لا يحتاج لسبب لكنها الطبيعة البشرية هكذا، لم يكن سهلا عليهم جميعا أن يصدقوا أنهم فقدوه يؤمنون بأنها نهاية كل حي، لكن المصاب كان كبيرا ووقعه ثقيلا، وإن كان كل شيء يولد صغيرا ثم يكبر إلا أن المصيبة على عكس ذلك تولد كبيرة ثم تصغر، وكذلك الأحزان تخف وطأتها مع مرور الأيام حتى تتلاشى وتنسى، وتعود الحياة إلى طبيعتها وربما إلى الأفراح والليالي الملاح. ما حدث بعد ذلك كان على عكس كل التوقعات، فقد تجددت الأحزان بعد ثلاثة اشهر مضت على وداع الأسرة لعائلها، الذي وافته المنية وجاءه الموت بغتة، فقد جاءت من تهمس في أذن الأرملة المكلومة، بأن وفاة زوجها لم تكن طبيعية وإنما مات مسموما بعد أن تناول وجبة دجاج مشوي مع شريكته “ابتسام” وبعدها شعر بالألم وتم نقله إلى المستشفى وأسلم الروح، وهذا سر دفين لا يعلمه إلا المقربون منهما، هنا دارت بها الدنيا وعادت لتستعيد ما حدث من قبل ولم تفكر فيه ولم يخطر ببالها لأنها تعاملت مع كل شيء بحسن النية وانه قضاء وقدر. زوجها “عامر” يعمل موظفا في فندق خمسة نجوم منذ سنوات طويلة وترقى فيه، ودخله كبير حتى انه يمتلك بناية في منطقة جديدة يقيم فيها هو وأولاده، بجانب مصروفات تعليم أبنائه التسعة وتكاليف زواج ثلاث بنات وولدين كل منهما يقيم في مسكن خاص به، والمهم أنه يملك رصيدا كبيرا، ولم يكن الرجل من الذين يتعاملون مع البنوك، فكان يحتفظ بأمواله في خزانة في بيته، هو من ذوي الأفكار والعقليات القديمة لا يحب التعامل مع التكنولوجيا بكل أنواعها ولا يأمن على أمواله إلا بين يديه يتعامل فيها كما يريد في كل وقت، وله في ذلك فلسفته الخاصة، وبلا مبالغة فقد امتلأت الخزانة بأوراق البنكنوت ويضع الرجل مفتاحها في جيبه المؤكد ان الزوجة لا تعرف كم حجم هذه الأموال ولم تسأل وقد يكون هو أيضا لا يعرف. منذ سنتين، جاء بحقيبة متوسطة وملأها من هذه الأموال قبل خروجه في الصباح ولأول مرة تمتد يده إليها فتنقص وهي التي كانت تتزايد كل يوم تقريبا، نظرت إليه متسائلة ماذا يفعل بهذا المبلغ الكبير، فأخبرها أن هذه الأموال يجب ان يتم استثمارها كي تتزايد أكثر وتربو، فادخارها هكذا وتعطيلها في الخزانة تصرف غير سليم، وقد تعرف من خلال عمله على سيدة تدعى “ابتسام” لديها خبرة واسعة في التجارة، رغم أنها أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة لكنها تجيد الاستثمار وتعرف كيف تنمي الأموال، ومن اجل أن توقع على الأوراق فقد جاهدت كي تتعلم كيف تكتب اسمها ولكن أجادت الحسابات بسرعة فائقة بلا استخدام أوراق او أقلام ولا أجهزة حاسوب كما يفعل موظفو البنوك، فهذه المرأة هي التي تقوم بتوريد الدجاج واللحوم للفندق الذي يعمل فيه وقد تحدثت معه وأقنعته بالشراكة بينهما في مشروع على مستوى عال بمنطقة تجارية راقية. المرأة تثق بزوجها ثقة عمياء وتعرف أنه ملتزم، ولم تأخذها الغيرة من هذا الكلام ولم يذهب فكرها لأبعد مما أخبرها به، ولو كانت أي امرأة غيرها في هذا الموقف لافترضت سيناريوهات واتهمت زوجها بأنه على علاقة بتلك المرأة وكيف يثق بها ويعطيها أمواله هكذا، وقد كانت محقة في تفكيرها المتزن فالرجل لم يخرج عن ظنها فيه وما عرفته عنه، وحتى عندما جاءت تلك المرأة لتزورها في بيتها وتتعرف عليها، وجدتها خارقة الجمال تجيد الحديث وتعرف كيف تستميل من أمامها، لم يتغير رأيها ولم تتزعزع أفكارها عن زوجها، فهي متأكدة أن ما بينهما لا يخرج عن نطاق الشراكة وقد كانت بالفعل هذه هي الحقيقة المجردة. خلال العامين الماضيين توثقت العلاقة بين المرأتين، ابتسام تصطحب صبيانها يحملون معها أطايب الطعام والهدايا والملابس لزوجة “عامر”، حتى أصبحت بينهما صداقة قوية ومتينة، لا علاقة لها بالشراكة التجارية التي اتسعت إلى تجارة الأجهزة الكهربائية، والمرأة لا تتدخل في الحسابات ولا تعرف العائد ولا الأرباح فهي تترك ذلك كله لزوجها، فهو يأخذ من الأموال ويضع عليها في الخزانة وهو أدري بشؤونه وأحواله، والأهم أنها لا تعرف أي حسابات على الإطلاق، ولأن المشروعات مربحة فعلا فقد أصبحت ثقة عامر وزوجته في ابتسام عمياء لا يراجعانها في شيء ولا يرفضان لها طلبا. في يوم الوداع الأليم نسيت الزوجة أن زوجها حمل كل ما كان لديه من أموال في طريقه إلى ابتسام تمهيدا للشراكة في مشروع جديد، لكن عندما حدثت الوفاة لم يفكر أحد أين هذه الأموال وماذا تم فيها، وقد كانت ابتسام من أوائل المشاركين في الجنازة والعزاء وتحملت كل المصروفات باعتبارها من الأموال المشتركة بينهما، بل وكانت تأمر بإحضار كل الوجبات لأفراد الأسرة ومن يشاركهم أحزانهم لأكثر من أسبوع، كل ذلك تحول إلى هواجس وتساؤلات، بالفعل هناك غموض في كل ما حدث يثير الشكوك. لم يكن أمام الأسرة إلا أن تبلغ الشرطة عن هذه المستجدات وتؤكد طبقا لكلام الشهود أن ابتسام قتلت “عامر” بالسم لتستولي على المبلغ الكبير الذي كان معه في ذاك اليوم، لكن الدليل الأساسي على ذلك هو معرفة سبب الوفاة، فعندما أحيل المحضر إلى النيابة لفتح التحقيق كان لابد من استخراج الجثة لتشريحها بمعرفة الطب الشرعي، بعد تردد وافقت الأسرة على هذا الإجراء كي يقطعوا الشك باليقين، وتمكن الطب الشرعي من كشف المستور وتبين انه مات مسموما، لكن ابتسام حاولت المراوغة والإنكار، ولم تعترف إلا بعد ضبط المبلغ الذي استولت عليه منه. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©