الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤمن العامر قلبه بالإيمان يلجأ إلى الله في السراء والضراء

المؤمن العامر قلبه بالإيمان يلجأ إلى الله في السراء والضراء
12 سبتمبر 2013 21:27
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.. وبعد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، (أخرجه مسلم). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزهد والرقاق، باب المؤمن أمره كله خير. لقد أرشدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى أن المؤمن دائماً أمره خير، إذا أصابته سراء كان خيراً له، وإن أصابته ضراء أيضاً كان خيراً له، لأن في كليهما الخير والثواب، فهو الرابح في النهاية، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، كما جاء في الحديث السابق، ولله در القائل: قد يُنْعمُ اللهُ بالبلوى وإن عَظُمتْ ويبتلى اللهُ بعض القوم بالنِّعم والمؤمن الذي يعمر الإيمان قلبه، يلجأ دائماً إلى الله تعالى في السراء والضراء، فهو يصبر على البلاء، ويرضى بالقضاء، ويشكر في الرخاء، ويسأله العون وتفريج الكروب فهو على كل شيء قدير، لأن ثقته بالله عظيمة، فالليل مهما طال فلا بُدَّ من بزوغ الفجر، وأما غير المؤمن فيضعف أمام الشدائد، فقد ينتحر، أو ييأس، أو تنهار قواه، ويفقد الأمل لأنه يفتقر إلى النزعة الإيمانية، وإلى اليقين بالله، ومن المعلوم أن الإيمان نصفه شكر على النعماء، ونصفه صبر على البأساء والضراء. الشكر عند السراء لقد تحدث القرآن الكريم عن فضيلة الشكر في عشرات الآيات، كما وذكرت الأحاديث الشريفة أن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - كان الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة في الشكر لخالقه عز وجل، فقد قام - صلى الله عليه وسلم - الليل مصلياً وداعياً حتى تورمت قدماه، وعندما سُئل - صلى الله عليه وسلم - لِمَ كلّ ذلك يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فكان جوابه - عليه الصلاة والسلام-: «أفلا أكون عبداً شكوراً»، ومن المعلوم أن الله عز وجل قد وعد الشاكرين بالمزيد من نعمه وخيره وعطائه، فقال سبحانه وتعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، «سورة إبراهيم: الآية 7». فبالشكر تزداد النعم، وبالجحود تزول النعم وتنتهي، كما قال الشاعر: إذا كنتَ في نعمـة فارعهـا فإن المعاصـي تزيل النّعم وداوم عليهـا بشـكر الإلـه فإن الإلــه ســريع النّقــم لذلك يجب علينا أن نشكر الله على نعمه، وذلك بأن نعطف على الفقراء والمساكين والضعفاء لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم تشرق الشمس إلا وملكان يناديان: «اللهم أعط منفقاً خلفاً»، ويقول الآخر: «اللهم أعط ممسكاً تلفاً»، (أخرجه البخاري)، ويقول أيضاً: «وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟»، (أخرجه أحمد). الصبر عند الضراء فضيلة الصبر من أعظم الفضائل، ومنزلة الصابرين عند الله من أشرف المنازل، وأسعد الناس من رزق لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، وذلك هو المؤمن الكامل. إن أثبت الناس في البلاء وأكثرهم صبراً، أفضلهم عند الله منزلة وأجلهم قدراً، وأشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فقد جاء في الحديث: «أي الناس أشدّ بلاء يا رسول الله؟ فقال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلى حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلى على حسب ذاك، فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»، (أخرجه البخاري)، وما يبتلى الله عبده بشيء إلا ليطهره من الذنوب، أو يرفع قدره ويعظم له أجراً، وما وقع الصابر في مكروه إلا وجعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن ضاق بالقدر ذرعاً، وسخط قضاء الله، فاته الأجر وكان عاقبة أمره خسراً، والله عز وجل خاطب المؤمنين بقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، «سورة البقرة، الآيات 155 - 157»، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)، «سورة العنكبوت، الآيتان 1 - 2». الصبر عند الصدمة الأولى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «مَرَّ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ، وَاصْبرِي»، قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْ النَّبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى»، (أخرجه البخاري). فلا تأسف أخي القارئ على مصيبة ألمت بك، من فقد مال، أو موت عزيز، أو مرض مفاجئ، أو كساد تجارة...الخ، فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ - حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا - إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِنْ خَطَايَاهُ»، (أخرجه البخاري). إن أولياء الله المصابين المبتلين الصابرين يُنَوّه بهم في الفردوس (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، «سورة الرعد: الآية 24»، وحقٌ علينا أن ننظر في عوض المصيبة وثوابها وخلفها الخيّر (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، «سورة البقرة: الآية 157». لذلك يجب علينا أن تكون ثقتنا بالله عظيمة، وأملنا قوي في غدٍ مشرق عزيز بفضل الله، فما زالت الآيات القرآنية تتردد على مسامعنا: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، «سورة الشرح، الآيتان 5 - 6»، تقول لنا جميعاً: سيأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، فلا نحزن، ولا نضجر، فلن يغلب عسر يسرين بإذن الله. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©