الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيدهن عظيم!

كيدهن عظيم!
5 مارس 2009 23:16
جلست المرأة امام ضابط المباحث ووضعت ساقا على ساق، ورغم أنها تخطت الخمسين من عمرها فإنها مازالت تحتفظ ببقايا أنوثة تنم عن جمال طاغ في الشباب·· ملامح وجهها تدل ايضا على انها كانت تتمتع بمسحة طفولية، زحفت عليها آثار الزمن وأبقت لها منها القليل الذي يدل على الماضي· كانت حركات أصابعها بشكل دائري تدل على أنها في حالة قلق واضطراب، بينما انشغل الضابط في مكالمة هاتفية طالت نسبيا يبدو أنها مع أحد رؤسائه· ورغم أنه يتحدث بصوت عال لكنها لم تستطع أن تلم أطراف الموضوع الذي كان يتحدث فيه، ولم يكن ذلك هو ما يشغل تفكيرها· إنما كل تركيزها في الأمر الذي جاءت من أجله· فهمت من الحوار أن المكالمة في طريقها إلى الانتهاء، فتحركت في جلستها على المقعد كأنها تعتدل لتستعد للحديث· إلا أنه قبل أن تنتهي المكالمة جاءت مكالمة اخرى على الهاتف المحمول، فواصل الضابط حديثه في موضع آخر· شعرت في هذا الوقت بأنها مهملة· بينما الرجل ينهي بعض المهام، إلا أن الدقائق القليلة التي انتظرتها كانت مع كل واحدة منها تزداد قلقا وتوترا وتضيع خيوط الكلام التي تحاول أن تستجمعها وترتبها· انتهت المكالمة الثانية وأغلق الضابط الهاتف المحمول وتوجه بكل اهتمامه الى المرأة الجالسة أمامه ويبدو عليها أنها ثرية· فمظهرها وملابسها وحقيبة يدها تدل على ذلك، لكن ليس هذا هو المهم وإنما المهم هو الامر الذي جاءت من أجله· هو في داخل نفسه وكضابط شرطة منذ سنوات وبخبرته الطويلة اعتقد أنها حضرت إليه بتوصية من أحد رؤسائه أو أصدقائه لتسهيل مهمة وقضاء مصلحة ما يمكنه أن يساعدها في قضائها في حدود القانون، أو أنها جاءت للإبلاغ عن موظف طلب منها رشوة لإنجاز مهمة من أعمال وظيفته، وأخيرا ربما تكون تعرضت لعملية نصب واحتيال· هذه الأمثلة وما على شاكلتها كل ما دار بخلده عندما ألقى إليها النظرة الأولى، لكنه لم يكن محقا في أي من توقعاته وأن ما جاءت من أجله مختلف تماما· وبدأت حديثها· استدارت نحوه·· أصبحت في مواجهته بعدما أنزلت ساقها والتصقت بالمكتب الذي يفصل بينهما، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة سبقتها دموع حارة سالت من عينيها بشكل مفاجئ، جففتها بالمنديل الورقي الذي كان في يدها، قالت: أنا سيدة أعمال، لدي شركة سياحية تدر عليًّ الكثير وعائدها كبير، أديرها بنفسي منذ سنوات، وقد يكون ذلك سر نجاحها واستمرارها في المنافسة في السوق، من بين موظفيها شاب يعمل منذ بضعة أعوام، نشيط ومجتهد، وذلك جعلني أقربه مني وأمنحه ثقتي، بل وأشركه في بعض قراراتي الخاصة بالعمل، وائتمنته على أموالي، واليوم حدث ما لم يكن في الحسبان، اكتشفت الحقيقة المرة عندما استدرجني إلى شقته الخاصة التي يقيم فيها بمفرده، وفوجئت أنني أمام وحش كاسر غير الإنسان الذي كنت أعرفه·· وجدت أمامي ذئبا بشريا تجرد من كل المشاعر الآدمية، كشر عن أنيابه· لم أصدق نفسي وأنا أراه يتجرد من ملابسه وكأنه يخلع جلده الذي خدعني به، وبدون أن أخوض في تفاصيل، اغتصبني وصورني وأنا في هذه الأوضاع، ولم يكتف بذلك بل أجبرني على توقيع شيكات وأراد أن يستغل الموقف في الاستيلاء على أموالي، وارتعشت رعشة خفيفة وكأنها تستنكر ما حدث واقشعر جسدها من مجرد تذكر هذا المشهد المرعب· وجد الضابط نفسه امام بلاغ خطير وجناية بل جنايات متعددة في جريمة واحدة· إنه ليس مجرد بلاغ عادي، فاستدعى أحد الضباط من مرؤوسيه وطلب منه تحرير محضر رسمي بكل هذه الأقوال· جلس أمامه لتعيد المرأة أقوالها مرة أخرى ويتم تسطيرها لاتخاذ الإجراءات القانونية والقبض على المتهم لينال جزاءه جراء هذه الفعلة الشنعاء، وانتهى تحرير المحضر بعدما أبلغت المرأة الضحية عن الاسم الكامل للمتهم ومحل إقامته· بل وقدمت كل تفاصيل شقته لتؤكد صحة بلاغها وصدق أقوالها، وفي لحظات كانت قوة من أفراد الشرطة بأسلحتهم وعدتهم وعتادهم وسياراتهم جاهزة للقبض على المتهم· توجهوا إلى سكنه طرقوا بابه بعنف حتى يسرع في فتحه وكانت عقارب الساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل والرجل يغط في نوم عميق، من آثار عمل يوم طويل واستيقظ مفزوعا وهرع نحو الباب يفتحه· ويفاجأ بما لم يتوقعه·· قيود حديدية في يديه، وتفتيش للشقة ومحتوياتها ثم اقتياده إلى قسم الشرطة وهو لا يدري لماذا ولا إلى أين ولا ماذا يحدث؟ كلما سُأل لم يجد ردا ولا جوابا· وبعد لحظات وقف امام ضابط المباحث الذي اخبره بالاتهامات والجرائم البشعة التي ارتكبها· وهي اغتصاب سيدة وتصويرها في اوضاع مخلة واجبارها على توقيع شيكات لابتزازها·· ورغم جسامة الجرم والاتهام وفظاعة الموقف، فإن الرجل ابتلع ريقه وملأ صدره بالشهيق وشعر كأن روحه التي فارقته منذ لحظات قد عادت اليه، وبلغة الواثق من نفسه نفى الاتهام جملة وتفصيلا وأن شيئا من ذلك لم يحدث·· بل إن البلاغ مختلق وكاذب ولا أساس له من الصحة· بل انه كيدي من هذه المرأة بسبب خلافات بينهما· وبدأ الشاب يدلي بأقواله في محضر رسمي، قال: منذ اسابيع وبعدما عدت من عملي في المساء فوجئت بشخص يطرق بابي وعندما فتحت شهر الطارق مسدسا في وجهي، واخبرني بأنه ضابط شرطة وحضر للقبض عليَّ واقتادني الى مكان مهجور، ثم أجبرني على التوقيع على شيكات بحوالي مئتي ألف جنيه، ثم تركني أعود إلى منزلي دون أن يخبرني بأي تفاصيل أخرى، فتسرب الشك إلى نفسي وتأكدت أن هذا الضابط مزيف وأنه من أقارب هذه المرأة، وأنها أرسلته لتوقيع هذه الشيكات، لكي تهددني بها وتستخدمها عند الحاجة كأداة ضغط عليَّ، وعندما واجهتها بذلك اعترفت بفعلتها وجلست معها لتصفية الخلافات بيني وبينها وذهبنا الى المنزل وقامت بالفعل بتوقيع شيكات مقابل التي وقعتها لها لكي نكون على وفاق وأضمن حقي بأنها لن تستخدم الشيكات التي عندها ضدي وانتهى الأمر· وكما هو متبع في هذه الحالات، تم اتخاذ الإجراء القانوني بتسجيل اقوال المجني عليها والمتهم في المحضر الرسمي، وفي الصباح تم اقتيادهما الى سراي النيابة المختصة وقام وكيل النيابة بعد فتح محضر جديد في البداية باستعادة سماع اقوال المرأة صاحبة البلاغ فكررت ما قالته امام الشرطة، ثم تم استدعاء المتهم والذي أعاد هو الآخر أقواله وكررها كما ذكرها أول مرة، إلا أن وكيل النيابة واجهه بالتهمة الأكبر وهي اغتصاب السيدة، فضحك الرجل ضحكة ذات دلالة كالواثق من براءته· وبدلا من ان يجيب على هذا السؤال أو يواجه الاتهام، تساءل: هل يغتصب الرجل زوجته؟ فسأله المحقق ماذا تعني بهذا الكلام؟ قال أعني ما ذكرت أنه لا يمكن أن يتهم رجل باغتصاب زوجته وهذه المرأة زوجتي تزوجتها عرفيا منذ سنوات بعقد مع كل منا نسخة منه، وأنا أعمل لديها في شركتها وبيننا خلافات أسرية في الأساس تحولت إلى خلافات مالية وهذا كل ما حدث· تم على الفور استدعاء المرأة التي كانت تنتظر خارج غرفة التحقيق وتمت مواجهتها بالقنبلة أو المفاجأة التي فجرها المتهم· فطأطأت رأسها واعترفت بأنه زوجها وأنه لم يغتصبها ولم يصورها كما ادعت· وإنما فقط أجبرها على توقيع الشيكات وأرادت أن تنتقم منه بهذه التهمة لأن زواجهما غير موثق· وسقطت الزوجة في الحفرة التي حفرتها لزوجها العرفي، وأمرت النيابة بحبسهما معا بتهمة إجبار كل منهما للآخر على توقيع الشيكات بالقوة· هي لم تتوقع هذه النهاية وهو شعر بارتياح، فيكفي أنه نجا من تهمة الاغتصاب التي تصل العقوبة فيها إلى الاعدام! قطعا بعد هذه القضية سيكون هناك شوط آخر في محكمة الأسرة·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©