السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فنان مصري يبحث عن المدينة الفاضلة في النوبة

فنان مصري يبحث عن المدينة الفاضلة في النوبة
11 ديسمبر 2010 19:34
في معرضه الأخير “البحث عن النوبة” قدم الفنان التشكيلي وطبيب العيون فريد فاضل أعماله كدراسة تسجيلية لأرض النوبة وحياة أهلها من عادات وطقوس لم تتغير بفعل الزمن، فالنوبة بالنسبة له تستدعي كماً هائلاً من الخيال يقف عنده المبدع حائراً، لا يعرف من أين ينهل ويعب فالمتاح غزير فياض. كانت النوبة على مر العصور بمثابة الممر الاستراتيجي الذي يربط بين شمال أفريقيا وجنوبها. وقد تمسك أهالي النوبة بطريقتهم البسيطة في الحياة ولم تفارقهم على مدار الفترات التاريخية المختلفة وهي حالة فريدة بين الإنسان والمكان، فالنوبي كائن نيلي، يسكن بمحاذاة النهر ويتعمد في مائه وليدا، ويسبح فيه صبيا مع رفاقه، ثم يكبر فيذهب مع أصدقائه ليغتسل يوم عرسه، والمرأة النوبية تذهب إلى النهر كل يوم لكي تملأ الجرار من مياهه. أحلام الجنوب يقول الفنان التشكيلي وطبيب العيون فريد فاضل إن موضوع النوبة الفني بدأ معه منذ تسعينيات القرن الماضي عندما رسم “بورتريه” لشاب نوبي لمعرض أقامه في ولاية اوهايو بأميركا عام 1997، ثم اتبعه بمعرض آخر في نفس الولاية عام 2000، حيث استخدم واحدا من تلك الوجوه النوبية على بطاقة الدعوة، ولقي المعرض الكثير من الاستحسان، وبعد ذلك سافر إلى أسوان وبدأ رحلة البحث عن القرى النوبية شمال السد العالي وزار بعض القرى في غرب أسوان، وأقام معرضه “أحلام الجنوب” بعد مرور عام على تلك الرحلة، وضم 45 لوحة غطت بعض الأجزاء من النوبة وأسوان والجنوب بصفة عامة، إلا أن فكرة معرضه الحالي “البحث عن النوبة” تولدت في اليوم السابق لسفره في رحلة لبحيرة ناصر بدأها بأبي سمبل.ويقول إن النوبة تمنحه كل مفردات المدينة الفاضلة ليحلق بعيدا في أحلامه يستلهم منها البلد القديم والنيل وحكايات الأجداد، ويحس الصدق في الابتسامة النوبية ويطرب بونسة أهل النوبة على إيقاع الدفوف والأحباب يغنون للنيل والصحبة والغربة بلغة الكنوز اوالفاديجا. يؤكد فاضل تأثير الأعمال الروائية للأدباء النوبيين على لوحاته حيث لوحته الخيالية “النوبة تتنفس تحت الماء” والتي يدرجها تحت الواقعية السحرية، استعار عنوانها من كتاب لحجاج ادول، وتظهر أن النوبة غرقت وتم إنفاذ بعض الآثار وليست جميعها، والباقي من البيوت غرق فتخيل أنها مازالت موجودة تحت الماء، وهي جزء من المثيولوجيا النوبية حيث يؤمنون بان هناك ملائكة تحت سطح الماء يدعونهم “أناس النهر” يعيشون وسط تلك البيوت التي صارت لهم بعد أن غرقت النوبة. ويوضح أن هناك قصة قصيرة في كتالوج المعرض تسمى “ابن الجنية” تقول: “استيقظ ناس النهر ذات صباح ليجدوا بيوت ناس الأرض تحيط بهم، فبدأوا يجولون بينها، وتخيل أن جنية تجلس وابنها يبحث في أحد البيوت، الذي كان له فيه فتاة أحبها تدعى “نورا”، حتى وجد صورة لها أخذها واحتضنها، وتمر السنوات لا يسمعون شيئاً، وتبدأ الأرض في الغرق اكثر فاكثر، حتى يأتي يوم يسمعون فيه صوت سفينة قادمة، وإذا بها تحمل “نورا” الحبيبة بعد أن تزوجت وانجبت، وأرادت أن يشاهد أولادها المكان الذي كان به بيتها القديم، وحكت لهم أن بيتها أسفلهم في تلك البقعة. وكان طقس معمودية الأطفال يقضي بان ترمى العصيدة بعده على وجه الماء، وإذا وهي ترمي العصيدة تصادف أن يكون ابن الجنية في نفس المكان فشاهد حبه القديم، فطلع والتقط بسرعة العصيدة واكلها وترك فقاعة على شكل قلب”. فتاة طموحة ربط فاضل لوحات معرضه بنصوص من أشعاره مثل لوحاته “قوللي يا كرج والعمة النوبية وحجر الرحاية والبلد القديمة والصدرية وعن جريب والجنينة والشباك ولقاء مع مالك الحزين والإيسكاليه والماء يحلو”. ويوضح أن لوحة “قوللي يا كرج” تمثل فتاة نوبية طموحة لا ترى أن آخر طموحها الزوج، وترغب في التعليم، والكرج بالنسبة لها يرمز إلى الزواج لانه طبق الخوص الذي كانوا يزينون به حجرة العروس، وهناك أطباق اخرى مثل الشاور والكونته، إضافة إلى أطباق النوبة المختلفة التي تصنع من الخوص في حيلة رمزية. وعن اختلاف أسلوب التناول الفني في لوحة “قصيدة التهجير”. يقول فاضل إنها لوحة غريبة لما لموضوع التهجير من قسوة، وإنه استلهمها من فيلم للمخرج يوسف شاهين “النيل والحياة” فيه روح النوبة في صراعها مع الواقع الجديد، والذي ظل حبيس العلب لأكثر من 40 عاما، حيث اعترض الجانب المصري على وجود مهندس روسي يمشي أمام المهندس المصري، وكأن الروس هم من أقاموا السد العالي، في حين رأى الجانب الروسي أن المخرج اظهر النوبة اجمل بكثير من مدينة سان بطرسبرج، فرفض أيضأ عرضه في روسيا. ويوضح أن أهم ما اعجبه في أهل النوبة هو قبول الآخر، فليس لديهم أي تطرف ديني، للتواجد القوي للحضارات المختلفة من فرعوني ومسيحي وإسلامي في تراثهم في مزيج واحد. يقول فاضل إنه أعجب بحس النوبيين الفني الرقيق، من خلال أطباق الخوص التي يقومون بصنعها، والتي تختلف كلية عن الأطباق الاخرى التي تنتج في الفيوم والصعيد، حيث تجد الحس المختلف من النوع والدقة التي تدل على الصبر إضافة إلى الألوان التي يستمدونها من الطبيعة ونماذج الوحدات الزخرفية الهندسية النوبية المعقدة التي تدل على مدى حضارتهم التي تنتقل من جيل إلى آخر. حس فني ويضيف أن الزخارف النوبية موجودة في أكثر من لوحة ممثلة في زخارف المنزل النوبي حيث ثلاثية الفتاة النوبية التي ترسم ثم تتوقف عن الرسم ثم تظهر اللوحة، وكأنما ابتلت بالماء مما يعني الفيضان، ولوحة “منزل داود عثمان” ولوحة “المنزل النوبي” في وادي حلفا أو “أبي منجل” التي تظهر أن أبا منجل زار المنطقة، وبعض اللوحات بها الزخارف من الخلف مثل لوحة “رقصة الكف” وان الزخارف موجودة ولكنها ليست عنصر البطولة في العمل الفني لانه يحس أن الإنسان هو الأكثر بقاء، وانه بالبحث عن النوبة وجدها في قلوب أهلها، اكثر من الزخارف أو البيوت التي غرقت، ولذلك تجد البيت النوبي في لوحاته ليس كالموجود في الواقع، وإنما أشبه بالفلكلور. فضاء الإبداع أحب الفنان التشكيلي وطبيب العيون فريد فاضل في النوبة فكرة الفضاء والاتساع حيث لا يوجد عمق معماري، فالبيوت كلها مصفوفة في خط واحد على النيل، والقرية عبارة عن نجع يبدأ بمنزل رقم 1 حتى رقم 50 على سبيل المثال، فالتنظيم كله مواجه للنيل. إلى ذلك، يقول “لا تجد شحاذا في النوبة، فمن لديه بقرة يشرب الجميع من لبنها، ومن العيب أن تبيع لبنا أو بيضا في النوبة، كما لا يوجد نظام المقايضة، وإنما الأخذ مجاناً، مما يعطي الإحساس بأن النوبة مدينة فاضلة”.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©