الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شارع الحمرا وجهنم لبنان

11 ديسمبر 2010 19:37
أسباب كثيرة جعلتني لا اقتنع بحديث بعض السياسيين اللبنانيين الذين قابلتهم مؤخرا في بيروت حول توجهاتهم المختلفة، ودفعتني لأتمسك بأن “الحرب” في لبنان ليست على الأبواب، في الأشهر القليلة المقبلة على الأقل، خلافا لكل التهويل السياسي والإعلامي والسيناريوهات الحربية والاستخبارية، التي تتحدث عن انقلاب أمني واجتياح عسكري (ينجز في ساعتين) بعد الصدور المفترض للقرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله. ولم آخذ قول أمين عام (موالٍ ) بأن “أهل بيروت يطلبون منا السلاح” على محمل الجد، كما لم أتفق مع أمين عام أحد الأحزاب (المعارضة)، عندما رسم لي صورة قاتمة جدا عن المستقبل وسخر - في طريقه ومن منطلق صداقة - من أي نية لعودتي إلى لبنان في هذا الظرف، وانتفض محذرا ومرفقا بقهقهة عالية (مازحا) بضرورة أن أبقى حاليا في الخارج لأنه قد يحتاجني لمساعدته في الهجرة إذا ما خرب البلد. ولم أحسد حال أحد الوزراء غير المحسوبين لا على الموالاة ولا على المعارضة عندما أسر لي وقائع وشهادات حية عن حال الفساد الذي وصلت إليه الطبقة السياسية في لبنان، التي تملك ثلاثين طائرة خاصة ترابط في مطار بيروت في بلد تتصاعد ديونه كالصاروخ وبات اقتصاده ميتاً سريرياً يتنفس فيتامينات مغتربيه المساكين وتحويلات المال السياسي الخارجي الذي يقوي اللبنانيين على بعضهم البعض. لكن وسط هذا الجو الموبوء بالخوف وبعدد لا يحصى من الفيروسات ثمة قناعة بأن الانفجار لن يحدث. فحزب الله أوعى من أن يفعلها ولو من باب الحرص على سمعة إنجازاته وتضحياته السابقة، وسيكون انتحاريا بزج “قدسية سلاحه” مرة جديدة في الشارع الداخلي. وحيثيات وظروف أحداث 7 مايو 2008 لا تنطبق على الواقع الحالي، وبعض القوى المسببة لتلك الأحداث انقلبت على مواقفها السابقة ، وجميع الأطراف بدون استثناء تعيش زعزعة ثقة داخلية. ثم جاءت مؤخرا فضائح وثائق الدبلوماسية الأميركية التي كشفت مستوى “وطنية” كثير من السياسيين اللبنانيين وعرّتهم أمام مناصريهم وجعلت الدول المعنية مشغولة بفضائحها. كل هذا قد يكون تحليلاً مشكوكاً فيه لولا الواقع الملموس الذي يعيشه شارع الحمراء في بيروت بحلته المكتملة مؤخراً معبراً عن إرادة حياة تيار واسع من اللبنانيين الرافضين لكل هذا الهرج النفعي الذي يمارسه زعماء الإقطاع والطوائف الذين يستعينون على بعضهم البعض بمندوبي الدول الصغرى والكبرى على ارض لبنان. منذ أيام الحرب اللبنانية في السبعينيات كان شارع الحمراء -لا غيره- مؤشرا على خط سير التطورات الأمنية في لبنان صعودا وهبوطاً ، وفي اللحظة التي كانت تعود إليه الحياة طبيعية وتعود تجارته وخدماته كانت الحياة تعود إلى كل لبنان. أما اليوم، ثمة أكثر من ذلك : لقد اكتمل الشارع كالبدر ، لا يمكن أن تجد فيه مترا واحدا إلا وقد شُغل بفن وإتقان وبجموح يدل على روح جديدة تشعر بها في زحمة المقاهي “الاجتماعية” التي يتحاور فيها الرواد من كل الأطياف بطريقة مختلفة عن جعجعة الرواد الحزبيين القديمة. حتى شوارعه الخلفية تطورت وتعصرنت. تنوع وذوق يعبر عن تيار جديد واسع في لبنان ، تيار لا يجمعه شيء سوى القرف من حسابات وأساليب الطبقة السياسية وميليشياتها، وكأن شارع الحمرا تحوّل إلى أصدق معبِّر عما يتوق له اللبنانيون، من جميع الأطياف، للخلاص من جحيمهم. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©