الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بين روما ومكة» يتناول مراحل التجاذب والترابط بين الإسلام والمسيحية

«بين روما ومكة» يتناول مراحل التجاذب والترابط بين الإسلام والمسيحية
11 ديسمبر 2010 19:41
كتاب “بين روما ومكة: البابوات والإسلام” يستمد أهميته من المؤلف والموضوع معاً، فمؤلفه هاينز فيشر، صحفي درس في الجامعة البابوية في روما، وحاصل على دكتوراه في علم الأديان، والأهم من ذلك أنه يعمل مراسلاً صحفياً في إيطاليا والفاتيكان منذ عام 1978، أي أن كتابه الذي صدر عام 2009، يعد خلاصة لعلاقة ممتدة مع الفاتيكان تتجاوز العشرين عاماً، أتيحت لفيشر خلالها أن يكون على صلة عميقة بالفاتيكان وشخصياته، مثلما أتيحت له فرصة مرافقة البابا يوحنا بولس السادس في رحلاته الكثيرة إلى العالم الإسلامي، ومرافقة البابا لحالي كذلك في رحلاته إلى هذا العالم. أهمية كتاب “بين روما ومكة: البابوات والإسلام” تكمن في أنه يطلع القارئ العربي على المنظور التاريخي للعلاقة بين المسيحية والإسلام من وجهة نظر باحث وثيق الصلة بعالم الفاتيكان. وينطلق مؤلفه هاينز يواكيم فيشر في كتابه من المحاضرة التي ألقاها البابا الحالي في جامعة ريجسنبورج، وهي الجامعة التي أمضى فيها السنوات الواقعة بين 1969 و1977، أستاذاً جامعياً يُدعى يوسف راتسينجر ونائباً للرئيس عام 1976، بعد أن عمل في جامعات ألمانية في بون ومونستر وتوبنجن. وكانت محاضرة البابا “الإيمان والعقل والجامعة” وما أثارته من ردود فعل واسعة في العالم الإسلامي في نقطة انطلاق للمؤلف ليقرأ هذه العلاقة بين المسيحية الكاثوليكية والإسلام. أمر مثير يتحدث فيشر عن تبدل المركز القيادي الديموغرافي بين الديانات العالمية، في مكتب الشؤون الإحصائية التابع للفاتيكان، وذلك حين اكتشف فيتوريو فورمينتي مدير المكتب المركزي للشؤون الإحصائية للفاتيكان أمراً لم يبدله مثيراً، لأنه كان يتوقع حدوثه منذ مدة طويلة، حيث تبين له وفقاً لما قام به من حسابات لعام 2006، أن عدد الكاثوليك في جميع أنحاء العالم أصبح لأول مرة أقل من عدد المسلمين بفارق كبير جداً، وحسب ما أورده فورمينتي، في صحيفة “أوسير فاتوري رومانو” فإن 17.4% من سكان العالم هم من الكاثوليك، معبراً عن استطاعته التأكيد على ذلك تقريباً بشكل دقيق ومضبوط، لأنه استند إلى بيانات تم جمعها ببالغ العناية والحرص. لكن البيانات المقتبسة من مصادر مختلفة تدل على أن النسبة التي يشكلها أتباع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تقدر بحوالي 19.2% من مجموع سكان العالم، أي أن تعدادهم يصل إلى 1.3 مليار نسمة، وقد تجنب فورمينتي أن يضع العدد المطلق لأتباع الكنيسة الكاثوليكية مقابل عدد المسلمين، حيث يبلغ عددهم 1.18 مليار نسمة، وهذا يعني أن الإسلام هو أكبر الأديان العالمية من حيث عدد معتنقيه، مما أدى إلى تحول نتيجة هذا التقييم الإحصائي إلى عنوان بارز من عناوين الأخبار، وانتشارها في كافة أنحاء العالم، منسابة بإثارة في الوقت ذاته عبر مواقع الإنترنت كأنها انهيار جليدي من المعلومات. ويتساءل المؤلف عن جلية الأمر ففيه حديث عن العالم الإسلامي والعالم الأوروبي وهو حديث عام، يتوقف فيه المؤلف عند رابطة العالم الإسلامي، ويشرح للقارئ الغربي أسباب قيامها، ويقارن بينها وبين الفاتيكان. ليصل إلى نتيجة مفادها أن هذه الرابطة لا تشكل مرجعية على المستوى الديني، شبيهة بالمرجعية التي يمثلها الفاتيكان، وفي هذا الباب يتحدث عن إيطاليا وألمانيا، ويسعى لإيضاح الأسس التي ترسم السياسة البابوية نحو الإسلام، فيبدأ بالحروب الصليبية، مشيراً إلى الفتوحات الإسلامية وصولاً إلى حصار فيينا على يد العثمانيين عام 1529 ومحاولتهم احتلالها بعد ذلك بقرن ونصف. وفيشر يرى أن مناخاً عميقاً من التوترات أدى إلى نشوء عدم المعرفة بالإسلام وتأريخه وثقافته في الغرب، وهذا المناخ حال دون نشوء فهم سليم للإسلام. وينتقل إلى تناول البابوات المعاصرين ابتداء من البابا بيوس الثاني عشر الذي تولى البابوية عام 1939 وانتهاء بالبابا يوحنا بولس الثاني الذي تولى هذا المنصب عام 1978. علاقة متنامية يتتبع فيشر تطور العلاقة بين البابوية والإسلام خلال أربعين سنة، لكن الملاحظ أن هذا الاستعراض لا يكاد يتنبه للعلاقة لتي تشكلت بين العالم الإسلامي والغرب نتيجة للحركة الاستعمارية، وما رافقها من أبعاد، يتوقف فيشر عند البابا بيوس الثاني عشر، ويرى أن الإسلام لم يكن يشكل لهذا البابا، أثناء الحرب العالمية الثانية أمراً لافتاً، لأن علاقته باليهود هي التي شكّلت نقطة مركزية في تأريخه، لأنه اتهم بالتغاضي عن المذابح التي قام بها النازيون ضد اليهود. ويوضح فيشر بعد ذلك كيف بدأت العلاقة بين الفاتيكان والعالم الإسلامي تتنامى بالتدريج، وكيف بدأت العلاقة الدبلوماسية تنمو، وكيف بدأ الحوار بين الأديان على استحياء، ثم تنامى وتطور وكثر الحديث عن ضرورته ونتائجه وإخفاقاته وشيء من نجاحاته، وعرض فيشر لهذا الأمر يمزج بين العلاقات الدبلوماسية والأبعاد العقدية، لكن فيشر يتوقف، ليشرح التوجه الجديد الذي بدأ يتشكل نحو الإسلام، ابتداء من المجمع الفاتيكاني الثاني بين عامي 1962-1965، ويتوقف عند البيان الذي صدر في الثامن والعشرين من تشرين الأول عام 1965 بهذا الخصوص. ويتوقف الكاتب على نحو طويل عند البابا الحالي بنديكيت السادس عشر، ويسلط الضوء على محاضرته الشهيرة “الإيمان والعقل والجامعة” التي ألقاها في سبتمبر عام 2006 في جامعة ريجنسبورج محاولاً تتبع دلالاتها وما تركته من أصداء في العالم الإسلامي. ويبدأ فيشر بالحديث عن التكوين العلمي للبابا، ويحلل رؤيته للعلاقة بين الإيمان والعقل، ويسعى إلى تبيان الخيوط التي رسمت شخصية الأستاذ الجامعي، ورسمت شخصية اللاهوتي الذي تدرج حتى غدا رئيساً لأساقفة ميونيخ وكردينالا ثم وصوله إلى المنصب المسيحي الأعظم في العالم، وهو كرسي البابوية. ويقدم الكتاب نص المحاضرة وهوامشها وإيضاحات الفاتيكان بشأنها، ويشير إلى ردود الفعل في العالم الإسلامي على المستوى السياسي، ويظل فيشر يتساءل عن جدوى اختيار هذا الحوار وأسباب العودة إليه وعن دوره في دفع الحوار مع الإسلام قدماً أو في تعطيله. يتوقف فيشر بعد ذلك عند الرسالة التي بعثت بها مائة وثماني وثلاثون شخصية من العالم الإسلامي إلى البابا تحت عنوان “كلمة سواء” ويشير إلى ما تتحلى به الكلمة من هدوء، ويشير إلى مناخات جديدة بدأت تعمل في الفاتيكان لدفع الحوار قدما، لكن فيشر الذي يتحدث عن الشخصيات الجديدة في هذا الإطار، واستعدادها لبلورة استراتيجية جديدة. خريطة طريق باباوية يعود المؤلف للحديث عن إحدى الوقائع التاريخية المؤثرة في تاريخ الحوار الحديث بين الإسلام والمسيحية، وذلك حين زار البابا مسجداً لأول مرة في التاريخ، وذلك حين زار البابا يوحنا بولس الثاني في السادس من مايو عام 2001 أحد أشهر مساجد العالم، أي المسجد الأموي، بعد وصوله إلى دمشق، عاصمة الجمهورية العربية السورية، التي يعتنق معظم سكانها الدين الإسلامي. ورافقه في الدخول إلى المسجد مفتي سوريا الكبير الشيخ كفتارو، وهكذا شكّلت الخطوات القصيرة للبابا العجوز والمصاب بمرض شديد نقطة انعطاف، أريد لها التمهيد لإجراء تحوّل في العلاقات بين الديانتين الإسلامية والمسيحية. وخلال هذه الزيارة ألقى البابا كلمة مثلت خريطة طريق للحوار بالنسبة إلى البابا، معبرة عن نظرة تصالحية مع الماضي، وتأمل دقيق لوقائع الحاضر، وعبرت كذلك عن باعث تحفيز مثالي لبناء المستقبل، كان يوحنا بولس الثاني الذي بدا رجلاً عجوزاً ينطلق في بادئ الأمر من رغبته، التي تنم عن الورع، في القيام بزيارة يحج فيها عام 2000 إلى الديار ذات التماس مع مؤسس الديانة المسيحية خلال الفترة التي عاشها. لكن ما تكرر وصفه بمجرد “زيارة حج دينية” تحوّل إلى قمة إنجازات عهده البابوي، بخصوص العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، محققاً إنجازه هذا رغم حالته الصحية الحرجة وبفضل العناية الإلهية. كما أنه تطرق في كلمته إلى الصراع العربي - الإسرائيلي واتخذ موقفاً يتسم بعدم التحيز مع مراعاة اعتباره مرجعية” ليرسم خطوط نهج واضح لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، فلم يأخذ بأيديولوجية الإسرائيليين، ولا الفلسطينيين، بالنسبة إلى اعتبار كل طرف منهما بأن القدس “عاصمة أبدية” لدولته، بل إنه ترفّع عن الطرفين دون الانحياز لأي منهما، مقدماً تصوّر حكومة الفاتيكان المتضمن المطالبة بوضع دولي للقدس، ويبدو أن هذا التصوّر هو أوضح من التصورات السياسية المحضة التي تتبلور في هيئة الأمم المتحدة حول الموضوع، لكن التصوّر البابوي يتضمن مطالبة غير واقعية بتنازل سيادي من إسرائيل، بالإضافة إلى تقويض دعامة من دعائم وجودها. ومن الممكن أن يؤدي عدم خوض البابا في الطرح النظري لموضوع مدينة بيت المقدس كعاصمة لأي طرف إلى فتح المجال لتصليب جبهة المواجهة لدى الإسرائيليين والعرب على حد سواء، إن المسألة ليست متعلقة بضاحية في المدينة يعيش فيها مئات الآلاف من السكان، بل بالأماكن المقدسة التي تستحق التقديس من الشعوب والأديان. الثقة المتبادلة يعود فيشر ليستأنف استعراضه لآراء وتوجهات بينديكت الواردة عبر محاضرته الشهيرة، وما تبعها من ردود فعل تضمنتها رسالة جاءت عبر 138 من كبار علماء العالم الإسلامي، ودار فحواها حول الرغبة في المجاهدة إلى الإصغاء إلى الأصوات الفعلية لأولئك الذين يتم التحاور معهم، وأخذها بعين الاعتبار، وليس فقط لأصوات أولئك الذين ينتمون إلى قناعاتنا وقد بثت الرسالة لدى الفاتيكان شعور بموضوعيتها واتسامها بودية ملفتة للنظر مع خلوها من الانفعال، فقد كتب أصحاب المرجعيات العلمية الإسلامية الثمانية والثلاثون إلى البابا منطلقين من الثقة التامة بأنفسهم. بعد أيام قليلة من تسلمها، وبأسلوب ودي ملفت للانتباه بشكل بارز، وجه الفاتيكان رسالة تقليدية بمناسبة انتهاء رمضان، شهر الصيام الإسلامي، إلى أمة المسلمين في جميع أنحاء العالم، ففي اليوم العشرين من أكتوبر 2006 وجه رئيس “المجلس البابوي لشؤون الحوار بين الأديان” وهو الكاردينال الفرنسي بوبارد، إبان تقديمه لتلك الرسالة في روما، دعوة إلى المسيحيين والمسلمين لإجراء “حوار مستند إلى الثقة المتبادلة الكاملة، ليجابهوا تحديات عالمنا الراهن، وليشهدوا مع بعضهم على القيم المشتركة بينهم”. وأكد الكاردينال بالنص الصريح على أن أمنياته “بالسلام والراحة والغبطة في أفئدة المسلمين” بمناسبة انتهاء رمضان هي مطابقة لتمنيات البابا بينديكت السادس عشر، التي عبر عنها في البداية لسفراء البلدان الإسلامية المعتمدين لدى الكرسي الرسولي، في لقاء خاص بهم. يعرج المؤلف إلى زيارة بينديكت إلى تركيا.. ذلك البلد الإسلامي ذي الثقل التاريخي والسياسي في آن، لافتاً إلى أن كلمات البابا التي ألقاها قبل تلك الزيارة أوجدت صدى طيباً في تركيا، وجاءت من هذه البلاد إشارات ودية أخرى، ورأى رئيس مجلس الوزراء أردوجان أن لقاءه مع البابا سيحقق له مكاسب سياسية على صعيد السياسة الداخلية، بعد أن كان في البداية متحفظاً على اللقاء، فاتخذ قراره بالترحيب بالضيف في المطار. لقاء تاريخي يتحدث فيشر تفصيلاً عن ذلك اللقاء التاريخي الذي تم بين عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مع البابا بينديكت السادس عشر، في السادس من نوفمبر 2007 في القصر الرسولي في الفاتيكان، ومن الواضح أن ملك السعودية خادم الحرمين الشريفين في مكة والمدينة كان يدرك السبب الذي حفزه على أن يُشرف بينديكت بزيارته. فقد بدا البابا بالنسبة للمسلمين الشريك المفضل في الحوار، بصفته ناطقاً باسم المسيحيين، ويعود أحد أسباب تفضيله التي يتردد ذكرها إلى تقييم متطابق مع تفكير مسلمين معتدلين، ورجال دولة مسؤولين ومتسمين بالذكاء بخصوص رؤيتهم للتطورات التاريخية التي مرت عبرها الكنيسة الكاثوليكية، فهم يفكرون بأن قداسته والمعنيين في الكنيسة كان بإمكانهم تجاوز جميع المواجهات بين العقل والإيمان، بين الحقيقة والعنف، بين الدين والسياسة وبين قوة الروحانيات وعجزها - بما يعني إمكانية تجاوزهم لكافة التناقضات، التي تؤدي إلى بث الذعر والفزع في العالم، من جراء النظرة إلى الإسلام، علماً بأن الكنيسة تجاوزت كل ذلك بدون أن تتخلى عن قناعاتها، وحافظت على وجودها العالمي، ليس في أوروبا والعالم “الغربي” فقط.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©