الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم التراث

11 ديسمبر 2010 19:43
بما أن الحياة مليئة بأحداث الزمن الماضي بكل مجرياته منذ العصور الأولى لنشأة الأرض، خرج علم الآثار الذي اهتم وركز على التنقيب في الأماكن التي فيها دلائل على وجود حفريات أو ما يدل على وجود حياة بشرية أو غيرها في أماكن معينة. حيث أخذ هذا العلم أبعاداً كبيرة وعميقة خاصة بعد اكتشاف الإشعاعات الصادرة عن المعادن المشعة والتي عن طريقها استطاع العلماء معرفة الأزمنة الماضية لوجود الأشياء وأعمارها، لدرجة أنهم استطاعوا معرفة ما جرى وما دار ومن سكن ومن دخل في قرية ما وخرج منها في الزمن الماضي من خلال تحليل اشعاعات قطعة خشب لباب أو شباك إحدى بيوت تلك القرية قبل آلاف السنين، إنه علم في قمة الروعة، وقد أشرت إلى هذا في كتابي القادم «بصمة الأحداث وذاكرة الجسد». وهكذا ففي كل زمن أمم وحضارات، ولكل شعب من شعوب العالم تراث وموروثات شكلت ثقافاتهم وعاداتهم ومعتقداتهم وطريقة عيشهم وتعاملاتهم وتصرفاتهم في كثير من جوانب حياتهم. ومع دخول الحداثة والتقدم التكنولوجي وتقارب الشعوب بحيث أصبح العالم قرية صغيرة، حدثت لبعض الأمور من الموروثات تغيير كاللباس ونوعية الأكل وطريقة التعاملات والتصرفات والمفردات اللغوية وغيرها، لا يدرك ذلك إلا المتمسك بالأصالة ممن عاش حياة الماضي بكل تفاصيله. أثناء تبادلي لأطراف الحديث مع أم عبدالله من وقت لآخر حول العادات والتقاليد لآبائنا وأجدادنا فإنها تذكر لي أدق التفاصيل للكثير من جوانب حياتهم الأمر الذي يجعل المستمع لكلامها يدرك عمق وكثرة المعلومات التراثية التي منها ما اندثر ومنها ما أصبح لدى الناس كمعلومة ومنها لايزال ثابتاً راسخاً. حقيقة كلما سمعت منها شيئاً تأخذني ذاكرتي للوراء حوالي أربعين عاماً اشتم فيها عبق الماضي وأصالته، فتتدفق الصور في مخيلتي وتستعيد نفسي تلك المشاعر الجميلة الدافئة وتمتلئ عيناي بالدموع.. إنه الحنين إلى الماضي. نحن في حاجة لمثل أم عبدالله ليذكرنا بما كان عليه الآباء وعاداتهم القيمة وتسمياتهم كثير من الأشياء وعلمهم الدقيق في عالم البر (النخل والإبل والطيور..) وعالم البحر (الأسماك واللؤلؤ..) وغيرهما، ويذكرنا بطرق وأساليب وفنون أخلاقيات التعامل الإنساني في استقبال الضيوف والأعراس والعزائم وغيرها، وتذكيرنا بما هو جائز وما لا يجوز، وما يجب وما لا يجب.. إلخ. فما لديهم من موروثات تعد منهاجاً قيماً يشعرنا بعظم أصالة ما نملك. نحن بحاجة لصناعة «علم التراث» مقارنة بعلم الآثار، نحن بحاجة لاستخلاص الكنوز المدفونة في أذهان من لا يزالون على قيد الحياة ممن عاصروا الماضي ويعيشون الحاضر لنخرج بمؤلفات لا تقدر بثمن. د. عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©