الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ظل كاسترو وعلاقات كوبا الخارجية

ظل كاسترو وعلاقات كوبا الخارجية
22 فبراير 2008 23:44
في بداية عقــد التسعينــات من القرن الماضي، وعندما كنت أعيش في العاصمة الكوبية ''هافانا'' مع عائلتي، عادت ابنتي''بيلا'' -6 سنوات- من المدرسة ذات ظهيرة وهي في حالة ضيق واضح، وسألتني: أبتاه! هل تعرف ماذا تعني كلمة ''فٍُْ''؟ (الحب باللغة الإسبانية)· وعندما تصنعت الجهل، ولم أجب على سؤالها قالت لي: ''إن الحب هو الشعور الذي يكنــه فيدل كاسترو لشعبه''؛ لم أحاول أن أبدي أي دهشة أو اعتراض، وبجديــة كاملــة هنــأت ابنتي على قدرتهــا على الحفظ· عند ذلك، أشرق وجهها بالفرح، وكان من الواضح أنها سعيدة بما اعتبرته إنجازاً دراسياً يستحق الإشادة· خلال السنوات الثلاث التي عشتها في هافانا، أصبح ''فيدل كاسترو'' وجهاً مألوفاً بالنسبة لي ولأطفالي، كانت الدعاية تصوره كنصف أب ونصف إله، وكانت تصريحاته وأعماله تحتل صدارة واجهات الصحـــف، وكانـــت صورته تطل بشكل شبه دائم من شاشات التلفزيون، وصوته يتردد باستمرار عبر الأثير، وهو ما جعل أطفالي يعتقدون أنه اليد الحانية التي ترشدهم، وترشد كل الذين كانوا حولهم للطريق، كان ''كاسترو'' في أنظار الكوبيين يمثل الماضي والحاضر والمستقبل أيضاً، وبمعنى من المعاني كان ''كاسترو'' هو كوبا وكوبا هي ''كاسترو''· والآن فإن ''كاسترو'' يقرر التنحي عن الحكم بتأثير التقدم في العمر والمرض، اللذين أجبراه على الاحتجاب عن خشبة المسرح التي احتلها بجدارة طيلة نصف قرن من الزمان، وهو ما يعتبر مقدمة منطقية للاختفاء التدريجي لظله الذي خيم طويلاً على كوبا· ولو كان كاسترو قد بقي في الحكم حتى نهاية ولاية بوش الحالية، لكان معنى ذلك أنه قد عاصر واستمر بعد 10 رؤساء أميركيين بدءاً من ''دوايت أيزنهاور'' وحتى ''جورج بوش''، وطيلة سنوات حكمه وضع ''كاسترو'' بصمته المميزة على الساحة العالمية بدءاً من نزاعه مع الولايات المتحدة، واعتناقه الشيوعية وتحالفه مع الاتحاد السوفييتي الذي أدى إلى نشوب أزمة خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية، ورعايته الطويلة الأمد لقضايا الماركسية في قارتي أميركا اللاتينية وأفريقيا، وكذلك تحديه ومواجهته للهيمنة الأميركية اللذين شكلا علامة من العلامات المميزة للحرب الباردة· أما في كوبا، فإن ''كاسترو'' قاد تجربة سياسية واجتماعية، نجحت في بعض الجوانب وأخفقت إخفاقاً كارثياً في جوانب أخرى، وليس من شك في أن تركته ستكون -شأنها في ذلك شأن حكمه- محلاً لجدل واختلاف قد يستمر طويلاً· هنـــاك بالطبـــع كوبيـــون كثيرون مخلصون إخلاصاً حقيقياً لـ''كاسترو'' ويخشون النتائج التي يمكن أن تترتب على وفاته في نهاية المطاف، وفي الحقيقة ان قيام ''راؤول'' -بهدوء- بتولي مهام الخليفة المنتظر لشقيقه، قد وفر نوعاً من الإحساس بالاستقرار والاستمرارية، ولكن المشكلة هي أن عمره المتقدم 76 عاماً، يعني أنه سيكون هو نفسه رئيساً مؤقتاً، وهو ما يعني أن مستقبل ''كوبا'' سيظل سؤالاً مطروحاً دون إجابة؛ وفي المقابل هناك أيضاً كوبيون كثيرون حلموا لسنوات طويلة بوفاة ''كاسترو''، من الذين عانوا طويلاً من الفقر والحرمان تحت حكمه· فقد كان ''كاسترو'' يرى نفسه ويرى الشعب الكوبي كله منخرطاً على نحو دائم في نضال بطولي من أجل الاشتراكية وضد الرأسمالية، ومن أجل السيادة الوطنية لبلاده ضد محاولات التدخل والهيمنة الأميركية كافة، وعمل الرجل خلال تلك السنوات على تكريس صورته باعتباره الشخص الذي لا غنى عنه، والذي يتوقف حل المشكلات كافة التي تواجه الكوبيين حتى المشكلات اليومية العادية عليـــه، كمـــا حاول أن يوحي للشعب بأنه يواجه سلسلة متلاحقة ولا تنتهي من المشكلات والتحديات من أجل مستقبلهم··· ذلك المستقبل الذي لم يأت أبداً· الآن وقد قرر ''كاسترو'' الاحتجاب، فإنه يمكن القول إن أنصاره ليسوا هم فقط الذين سيفتقدونه ولكن أعداءه أيضاً، فمع اختفاء ''كاسترو'' عن حياة الكوبيين، سوف يختفي عنهم أيضاً ذلك الطابع الملحمي الذي عمل الرجل دوماً على إضفائه على حياتهم، وعلى كوبا كلها، بصرف النظر عن حجم المعاناة التي تعرضوا لها جراء ذلك، إن الضربة القادمة المتوقعة للكوبيين هي وفاة ''كاسترو'' وأفول تاريخه في كوبا، بل وربما أفول مكانة كوبا الدولية ذاتها، والسؤال هنا هو: إذا ما كان ''كاسترو'' هو الرجل الذي ظل يجسد كوبا طوال 49 عاماً كاملة، فكيف ستصبح كوبا بعد رحيله؟ إن كل كوبي يعرف تماماً أن تنحي ''كاسترو''، بل ووفاته لن يضعا نهاية سريعة للمواجهة طويلة الأمد مع واشنطن التي كانت سياساتها تؤثر طوال عقود إن بشكل مباشر أو غير مباشر على كوبا· يمكن إدراك ذلك من خلال تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية، ومنهم ''كاليب ماكاري'' -الرجل الذي تم تعيينه من قبل إدارة بوش في وظيفة ''منسق مرحلة الانتقال في كوبا''- بما قاله لي منذ فترة، بأنه حتى إذا ما اتخذ ''راؤول'' خطوات لفتح الاقتصاد الكوبي، مثلما فعلت الصين مثلاً، فإن ذلك لن يؤدي تلقائياً إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه كوبا، لأنه وكما قال: ''إذا ما كانت الحرية الاقتصادية مهمة، فإن الأهم منها هو الحرية السياسية والتي تتضمن الديمقراطية التعددية، فهذه الحرية والديمقراطية هي التي ستساعد الكوبيين على التغلب على تركة الدكتاتورية التي عاشوا تحتها، وتدشن في الوقت نفسه مستقبلاً جديداً تكون فيه التسوية والمصالحة والحرية أموراً ممكنة''· تصريحات المرشحين الرئاسيين الأميركيين الحاليين، لا تختلف كثيراً في مضمونها عن تصريحات ''ماكاري''، حيث استجاب هؤلاء المرشحون لاستقالة ''كاسترو'' بمجموعة من النداءات التي تدعو إلى المزيد من الحريات في كوبا، والتي يلخصها تصريح لـ''باراك أوباما'' قال فيه: ''إن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لتطبيع العلاقات مع هافانا، بشرط أن تجري الأخيرة تغييراً ديمقراطياً حقيقياً''، وهو ما يعني ببساطة أن العلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا، بعد الأعوام الخمسين التي قضاها ''كاسترو'' في الحكم، ستظل كما كانت على الدوام أي علاقة خلاف بين دولتين يفصل بينهما بحر طوله 80 ميلاً· جون لي أندرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي من مؤلفاته كتاب جيفارا: حياة ثورية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز والواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©