الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الجزائر ··ملف المعتقلين إداريا ... هل يكون بداية الحل؟

11 ديسمبر 2006 01:21
الجزائر- حسين محمد: لا يزال ملف الجزائريين الذين ''اُعتقلوا إدارياً'' بين سنوات 1992 و،1995 من دون حل إلى حد الساعة، على الرغم من كثرة تحركات المعنيين مطالبين بتعويضهم عن تلك الفترة من حياتهم على غرار باقي الفئات المتضررة من أزمة التسعينيات· إلا أن فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان بالجزائر، يؤكد أن مشكلتهم بدأت تجد طريقها إلى الحل بعد أن وجهوا رسائل إلى رئيس الجمهورية يناشدونه فيها بأن ينصفهم، ولكن قبل الحديث عن الحلول المقترحة من السلطات وتلك التي يطالب بها ''الموقوفون إداريا''، يجدر بنا أولاً تعريف هذه الفئة، والظروف التي تمّ فيها ''إيقاف'' هؤلاء وما عانوه في تلك الفترة، فضلا عن سنوات المعاناة والتهميش بعد إطلاق سراحهم، وصولاً إلى ''نسيان'' ميثاق السلم وكذا قانون المصالحة لهم· إجراء وقائي في 11 يناير 1992 استقال الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وتولى ''المجلس الأعلى للدولة''، حكم الجزائر جماعياً بقيادة الرئيس محمد بوضياف ابتداءً من 16 يناير، وأعلنت القيادة الخماسية إلغاءَ نتائج انتخابات 26 ديسمبر 1991 التشريعية التي فازت''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' بالغالبية فيها· ولأنّ ''المجلس الأعلى للدولة'' كان متأكداً من أنّ ردّ فعل قادة ومناضلي''الإنقاذ'' سيكون عنيفاً، قرر اتخاذ إجراءات احترازية وهي المبادرة إلى اعتقال الكثير من ناشطي هذا الحزب حتى لا يلجأون إلى العنف، ومع كثرة المظاهرات الاحتجاجية عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع، كان عدد المعتقلين يتزايد باستمرار، وفور اندلاع أول عملية إرهابية في 9 فبراير 1992 والتي كانت بمثابة إعلان صريح من مناضلي ''الإنقاذ'' اللجوءَ إلى الإرهاب بذريعة استرداد حقهم الانتخابي، كثفت السلطات من حملاتها وتمكنت من اعتقال حوالي 20 ألف ناشط ''إنقاذي'' في تلك الفترة، وهذا بقصد قطع الطريق عليهم قبل انضمامهم إلى صفوف الجماعات الإرهابية· وكان الأمن يركز أكثر على اعتقال الناشطين الذين أبدوا قدراً كبيراً من التطرف والخشونة أثناء مختلف المسيرات والمظاهرات التي نظمتها ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' منذ تأسيسها في 1989 إلى غاية توقيف الانتخابات، خاصة أثناء فترة الاعتصام والمظاهرات التي اندلعت في أواخر يونيو1991 وتحولت إلى شبه عصيان مدني، إلا أنه عتقل أيضا عدد من المتعاطفين مع جبهة الإنقاذ من دون مبرر مقنع ومنهم النذير مصمودي الداعية البارز وصاحب العديد من المؤلفات وصالح عصاد اللاعب الدولي الشهير وأحد قاهري المنتخب الألماني لكرة القدم في 16 يونيو 1982وآخرون· وإزاء كثرة عدد المعتقلين، وتعذّر الزجّ بهم كلهم في السجون الملأى أصلا بالمجرمين واللصوص، قررت السلطات فتح ''مراكز أمنية'' خاصة بهؤلاء في الصحراء الجزائرية، ووزعتها على مدن ورقلة وإليزي وتمنراست في أقصى الجنوب الجزائري، وأصدرت في 9 فبراير 1992 قانوناً لتسييرها، وأسمت نزلاءها بـ''الموقوفين إداريا'' وهي تسمية تعني أنهم غير مسجونين أو يختلفون عن المسجونين في قضايا عامة أو قضايا الإرهاب· انتقادات واسعة ودافع الرئيس الأسبق محمد بوضياف عن قراره باعتقال 20 ألف مناضل ''إنقاذي'' بالقول ـ ردا على منتقديه: إنه مستعد لسجن المزيد إذا كان ذلك سيعيد للجزائر أمنها واستقرارها ويحول دون سقوط الحكم في يد الأصوليين، وعلى الرغم من تزامن هذه الحجة مع استشراء آفة الإرهاب، إلا أنّ المعارضة الجزائرية وبعض جمعيات حقوق الإنسان الوطنية والأجنبية شنت حملة على السلطات واتهمتها بانتهاك حقوق الإنسان واعتقال مواطنين من دون محاكمة، بل و مندون توجيه أي تهم لهم أصلاً· وطالب المنتقدون بمحاكمة هؤلاء إذا كانوا مذنبين وإصدار أحكام واضحة في حقهم وحبسهم في السجون الرسمية حيث يمكنهم التمتع بالحقوق القانونية المكفولة لكل المسجونين، أما إذا لم يكونوا مذنبين، فيجب أن يتم إطلاق سراحهم فورا· ولم تكترث السلطات في البداية بهذه الانتقادات باعتبار أن ''الاعتقال الإداري'' لهؤلاء أهون من انضمامهم إلى الجماعات الإرهابية التي كانت تضم في صفوفها أكثر من 25 ألف إرهابي، وكانت تمارس عملياتها بشراسة كبيرة وأدخلت الجزائر في مآسٍ رهيبة، إلا أن الرئيس الأسبق ''اليامين زروال'' الذي وصل إلى الحكم في 31 يناير 1994 ارتأى الاستجابة لهذه النداءات في إطار اتخاذ مجموعة مما أسماه بـ''إجراءات التهدئة'' لتخفيف حدة الأزمة وإنجاح جولات الحوار التي قرر خوضها مع قادة ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' المسجونين بالبليدة، وتمّ إطلاق سراح عدد من ''الموقوفين إدارياً'' بداية من 1994 على دفعات، بينما حوكم عددٌ محدودٌ منهم وأصدرت العدالة أحكاماً بحقهم وقضوا عقوبتهم في السجون الرسمية· وعلى الرغم من فشل الحوار وإعلان الرئيس زروال بنفسه عن نهايته في 31 أكتوبر 1994 إلا أنه واصل إطلاق سراح ''الموقوفين إدارياً'' إلى غاية تسريح آخر دفعة لهم في 31 ديسمبر ،1995 ليتم بذلك غلق آخر ''مركز أمني'' بالصحراء الجزائرية بالرغم من تحذيرات العلمانيين من إمكانية انضمام الكثير منهم إلى صفوف الجماعات الإرهابية وتأزم الوضع الأمني المتردي أصلاً في تلك الفترة· على فترات متباينة، وجد ''الموقوفون إدارياً'' أنفسهم أمام بطالة خانقة بعد أن رفضت المؤسسات العمومية التي كانت تشغّلهم إعادة إدماجهم في مناصبهم، خاصة الأئمة ورجال التعليم، ليضافوا بذلك إلى آلاف آخرين من مناضلي ''الإنقاذ'' ممن فقدوا مناصبهم ''لأسبابٍ سياسية''، وهو ما ضاعف معاناة ''الموقوفين إدارياً'' بعد معاناة دامت ثلاث سنوات داخل ''المراكز الأمنية''، ودفع أغلبهم إلى العمل لدى الخواص أو ممارسة نشاطات حرة لتأمين قوتهم· واستمر التهميش طوال التسعينيات، بل وفي السنوات الخمس السابقة، وحينما شعر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأن سياسة الوئام المدني التي انتهجها منذ يوليو 1999 إلى 2005 لم تحقق الكثير، بالنظر إلى بقاء المخلفات الاجتماعية والإنسانية للأزمة من دون معالجة، قرر ''ترقية'' الوئام إلى مصالحة شاملة، فأصدر ''ميثاق السلم والمصالحة'' في 14 أغسطس 2005 ليعالج ملفات العديد من الفئات المتضررة من الأزمة الدموية· وكانت خيبة فئة ''الموقوفين إدارياً'' كبيرة حينما قرأوا نص ميثاق السلم وتفاجأوا بعدم تضمنه أي إشارة إلى قضيتهم، فتحرك عددٌ منهم على الفور وشرعوا في التنسيق بينهم وشكلوا جمعية للدفاع عن حقوقهم، وباشروا اتصالات واسعة بالأحزاب ونواب البرلمان والصحف الجزائرية للتنبيه إلى قضيتهم ودفع السلطات إلى استدراك الأمر لدى إصدارها قانون المصالحة لاحقاً· وعندما صدر القانون في 28 فبراير 2006 الذي عمّق خيبة ''الموقوفين إدارياً'' بتجاهله هو الآخر لقضيتهم، وهو ما جعلهم يكثفون من تحركاتهم أملاً في استدراك الأمر مجددا من خلال المادة 47 من القانون التي تنص على أنه من حق رئيس الجمهورية في أي وقت ''اتخاذ أي إجراء إضافي يراه ضروريا لتحقيق المصالحة الوطنية''، إلا أن وسطاء هؤلاء أُبلغوا بأن قانون المصالحة يتضمن حلّ قضيتهم من خلال تصنيفهم مع فئة العمال الذين فقدوا مناصب عملهم بسبب انتمائهم السياسي، حيث ينص القانون على إلزامية إدماجهم في مناصبهم مجددا أو تعويضهم مالياً عن 18 شهراً من العمل، إذا تعذّر إعادة إدماجهم لسبب قاهر كإفلاس الشركات التي كانوا يشتغلون فيها· إلا أنهم رفضوا هذا الحل خاصة أن التعويضات المالية المقترحة تعد بخسة بالنظر إلى ضحالة الأجور التي كانوا يتقاضونها في بداية التسعينات· وقالوا: إن التعويضات المقترحة لا تتناسب مع معاناة ثلاث سنوات في ''المراكز الأمنية'' الصحراوية في ظروف صعبة، فضلا عن المعاناة التي عاشوها بعد إطلاق سراحهم حيث تعرضوا لكل أنواع التهميش والإقصاء· بعد استنفاد الاتصالات بعدد من الأحزاب والشخصيات السياسية والصحف المحلية، ارتأى ''الموقوفون إداريا'' الاستنجاد بفاروق قسنطيني، رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان بالجزائر، واستقبلهم قسنطيني مرارا ووعدهم بأنه سيضع ملفهم ومطالبهم مجددا لدى رئيس الجمهورية، ووفّى قسنطيني بوعده وأعلن في أواخر أكتوبر الماضي، أن ملفهم بصدد الدراسة على مستوى الرئاسة وأنه سيمنحه الاهتمام الذي يستحقه بعد سنوات من تركيز جهوده كلية على ملف المفقودين، مضيفا أن المصالحة ستُفرغ من جوهرها إذا مارست الإقصاء على أي فئة متضررة من فئات الأزمة، ولا بد من تعويض هؤلاء بإنصاف، وكذا تعويض مختلف الفئات المتضررة التي لم يشملها القانون ، حتى يصل مسار المصالحة بالجزائر إلى محطات حاسمة· وتميل السلطات إلى خيار التعويض المالي لـ''الموقوفين إدارياً'' وكذا للمفصولين من عملهم لأسباب سياسية، وتضع الفئتين في كفة واحدة، وقد صرح رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم بأن لجان المصالحة تلقت 13320 ملفاً يتعلق بـ''المفصولين من العمل''، ويبدو أنه يقصد الفئتين معا، وتمت دراسة 5300 ملف حتى الآن والباقي لا يزال بصدد الدراسة، وأكد قرارَ رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى برفض إعادة إدماج الأئمة والمدرّسين في مناصبهم والاكتفاء بتعويضهم ماليا عن سنوات العمل، وهذا بهدف قطع الطريق على عودة الخطاب التحريضي إلى المساجد والمؤسسات التعليمية· ويرى''الموقوفون إدارياً'' أن الاكتفاء بتعويضهم ماليا بعد تصنيفهم ضمن المسرحين من عملهم لأسباب سياسية، يعدّ تجزيئا واختزالا غير مقبول لمعاناتهم؛ فهي لا تقتصر على فقدان عملهم بل هناك جوانب أخرى للمأساة ومنها أن هناك ''موقوفين'' وافاهم أجلُهم في ''المراكز الأمنية'' ولا بد من إقرار تعويضات عادلة لذويهم كما أن هناك من خرج منها بأمراض شتى أو فقد تجارته وثرواته أو دراسته بسببها فضلا عن طول مدة الاعتقال نفسها من دون تهمة أو محاكمة··· وكلها نقاط تستحق تعويضاً منصفاً عنها· كما ترفض هذه الفئة ''الإفراط'' في اللجوء إلى تعويضها ماليا عن سنوات العمل ورفض إعادة إدماجها، وهو ما يشاطرها فيه فاروق قسنطيني الذي أكد أن القاعدة هي إعادة الإدماج والاستثناء هو التعويض المالي، رافضا بدوره أن تعمل الإدارة على تعميم الاستثناء وتهميش القاعدة· تتشبث هذه الفئة ببارقة أمل بأن يولي الرئيس بوتفليقة اهتماما كافيا لقضيتهم، وقد بعثوا له عدة رسائل تناشده فيها استعمال صلاحياته الدستورية والمادة 47 من قانون المصالحة لإقرار جملة من التدابير التي تعيد لهم الاعتبار ومنها إدماج المسرحين منهم في مناصبهم وكذا إقرار تعويضات منصفة لهم عن فترتي الاعتقال والتهميش·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©