السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الصراع الفلسطيني بين التوتسي والهوتو !

12 ديسمبر 2006 00:50
خاص- الاتحاد: على هامش إحدى جولات التفاوض بشأن توحيد الفصائل الفلسطينية، قال أحد المشاركين: ''الايديولوجيا اليهودية هي التي صنعت إسرائيل، والايديولوجيا الإسلامية هي التي تصنع فلسطين''· هل الكلام دقيق فعلاً أم أنه يشكّل أحد عوامل التجزئة في الحالة الفلسطينية التي، وكما يظهر على الأرض، هي··· حالات فلسطينية·· لا بل إنها الغرنيكا· ولكن هناك ما يشبه الرهان على تحوّل براغماتي في تفكير رئيس الحكومة ''اسماعيل هنية'' وهو يجول في ''الفضاء الخارجي''، لاسيما بعدما بدت المفاوضات حول حكومة الوحدة الوطنية وكأنها بين التوتسي والهوتو، لا بين فلسطينيين وفلسطينيين·· 344 ساعة مفاوضات إذا كان هذا السؤال يصدم: مَن يلعب بالفلسطينيين؟ تذهب إلى مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، تحديداً قرب مدينة صيدا: غرنيكا سياسية وايديولوجية بما تعنيه الكلمة· والغرنيكا، بالمناسبة، هي اللوحة الشهيرة التي وضعها ''بابلو بيكاسو''، وتمثل، بتراجيدية هائلة، ما حدث لتلك القرية الإسبانية حين أغارت عليها الطائرات الألمانية التي كانت تؤازر الجنرال ''فرانكو'' إبان الحرب الأهلية: كل شيء تمزّق حتى··· الأنين· عشرات من الفصائل والتنظيمات والجماعات فوق مساحة بالكاد تبلغ كيلومترين مربعين· الكل يتربّص بالكل، وكل فئة تعتبر أنها على حق أتت به من الرؤيا، أومن الأرض، أومن التاريخ، أومن المستقبل· وتسأل حين تتابع المشهد، بين قطاع غزة وعين الحلوة: هل من مستقبل للفلسطينيين؟· ''إسماعيل هنية''، رئيس الحكومة، أمضى 4 ساعات عند معبر رفح ريثما سمح له الإسرائيليون بالانتقال إلى الأراضي المصرية، 344 ساعة من المفاوضات الشاقة، وتبعاً لإحصاء أجرته صحيفة محلية، لم تسفر عن اتفاق بين حركتي ''فتح'' و''حماس'' حول حكومة الوحدة الوطنية· الصحافة الغربية تسأل: حين لا يستطيع الفلسطينيون أن يتفقوا مع الفلسطينيين، فكيف لهم أن يتفقوا مع الإسرائيليين؟· سؤال منطقي، والسؤال المنطقي الآخر: ''كيف لأولئك الناس الذين يعيشون ما قبل الدولة (بكثير) أن يقيموا دولة إذا لم يكن باستطاعتهم أن يقيموا حكومة؟· العائلة حالة فسيفسائية وقف فلسطيني يائس أمام شاشة التلفزيون قائلا: ''تبدو المفاوضات حول الحكومة وكأنها مفاوضات بين التوتسي والهوتو''· لا مجال للتعايش بين الحالتين، ثم يعرض ذلك الفلسطيني لعيّنة من غزة: أب لعشرة أولاد، 4 منهم ينتمون لـ''حماس''، و3 لـ''فتح'' وواحد مستقل والمتبقيان ينتميان إلى فصيلين آخرين· حالة فسيفسائية؟ لا بل إنها··· الغرنيكا· وحتى لدى تقويم نتائج المفاوضات، ذهل الفلسطينيون، ومعهم العرب بطبيعة الحال، من التفاوت بين الفريقين، رئيس السلطة قال: إنّ الخلاف هو على 90 في المائة من المسائل، والمحادثات فشلت، ورئيس الحكومة قال: إنّ هناك اتفاقاً على 90 في المائة من جدول الأعمال، وإنّ المباحثات مستمرة·· كل ذلك الصراع من أجل الحقائب يجري بمنأى عن القتلى والجرحى اليوميين· ماذا عندما يتحوّل الموت إلى روتين (قاتل)؟ ألا يعني هذا أن القضية نفسها باتت بخطر، الآن القضية الفلسطينية في خطر· المؤسسة اليهودية تستثمر ذلك عالمياً، انظروا، هؤلاء هم الفلسطينيون·· ''اسماعيل هنية'' تلقى نصيحة: ''حاول أن تقوم بجولة عالمية، ولو كانت هذه إلى روسيا، والصين، وحتى فيتنام، فقد يمنحك ذلك قدرة على رؤية الأشياء بصورة أكثر واقعية''· يستغرب الرجل ويسأل: ''هل كان ''هو شي منه''، وهو الزعيم الفيتنامي الشهير والراحل، يعيش في لاس فيغاس؟''· وجه يشبه فلسطين الواقع أن الرجل الذي قاد بلاده إلى النصر، ووحّد فصائل المقاومة تحت لواء الفيتكونغ، أقام لفترة في باريس، تجوّل في أرجاء الحي اللاتيني، وعقد حوارات معقدة مع الفلاسفة والكتّاب والمثقفين، وحتى مع الصعاليك في الحيّ المذكور لكي يستطيع أن يفهم العالم أكثر''· لا أحد يشكك في فهم ''اسماعيل هنية'' للعصر· وجه يجمع بين الطيبة والحزم، الحزن والأمل، لا بل إن أحد الكتّاب في غزة قال: إنّ وجهه يشبه وجه فلسطين· مسألة مهمّة أن يجول على البلدان العربية: هل يعود يائساً، أم براغماتياً، أم ثورياً؟ لا ريب أنه عندما قرّر الذهاب إلى ''الفضاء الخارجي'' إنما كان يتوخى التعرّف على كل الآراء، وليس مجرّد الحصول على الأموال لتغطية الاحتياجات الملحة، بعدما وضع داخل الحصار مع أنه وصل إلى منصبه عبر صناديق الاقتراع· بتلك النبرة الفظة، قال ''افيغدور ليبرمان'': إنّ الفلسطينيين عبّروا عن كراهيتهم لا عن ديموقراطيتهم في الانتخابات· هل كان الإسرائيليون يفكرون، كالملائكة، عندما حملوا مرشحي ''إسرائيل بيتنا'' إلى الكنيست؟· صراع الأزمة مع الأزمة إن ''ريتشارد مورفي''، الديبلوماسي المخضرم، يكتب عن ''صراع الأزمة مع الأزمة''· هناك أزمة لدى الإسرائيليين الذين اكتشفوا أنه بات من الصعب تكرار تجربة الهنود الحمر، وهذا ما يراه ''ليبرمان'' الحل الأمثل (أن ننقل الفلسطينيين بالشاحنات ونلقي بهم في البحر الميت، أوأن نقتلهم لكي يصلوا إلى وجه السرعة إلى الجنّة)· الإبادة لم تعد ممكنة، رغم كل أشكال المذابح ورغم أن كميات الرصاص والقنابل التي استخدمت من قبل حكومة ''ارييل شارون''، وحدها تكفي لقتل 9,4 ملايين نسمة، حسب قول ''آمنون روبنشتاين''، ودون أن يؤثر ذلك في العقل الإسرائيلي الذي يعتبر أن على الفلسطينيين أن يستسلموا ديبلوماسياً على الأقل· الفلسطينيون، في أزمتهم، صورة عن أشقائهم العرب، إنهم مبعثرون سياسياً، وايديولوجياً، وإلى حد الصدام الدموي· على مدى سنوات حاولوا توحيد حركتهم وأخفقوا، حتى أن وزير خارجية مصري اقترح على المتفاوضين في القاهرة، ذات مساء، أن ينقلوا محادثاتهم إلى عوامة في النيل لعل ذلك يحرّرهم من العقد التي حملوها معهم إلى ردهة المفاوضات·· حتى المفاهيم الميتافيزيقية كل مَن تابع المحادثات لاحظ أن المسألة تتعلق بخلاف حتى على المفاهيم الميتافيزيقية: أحدهم قال على هامش المحادثات: ''الايديولوجيا اليهودية هي التي صنعت إسرائيل، والايديولوجيا الإسلامية هي التي تصنع فلسطين''، مذكراً بأن المنظمات اليهودية (الهاغاناه، الايرغون، شتيرن···) لم تكن موحّدة عشية قيام الدولة العبرية· هذا صحيح، ولكن كانت هناك مؤسسة صهيونية عالمية هي التي ترسم السياسات والخطط، وعلى هذا الأساس، استطاع ''دافيد بن غوريون'' أن يقصف باخرة محمّلة بالسلاح والرجال تابعة لـ''مناحيم بيغن''·· الطرفان في نقطة الأزمة· الإسرائيليون لا يستطيعون أن يتجاوزوا خطاً معيناً، كذلك الفلسطينيون الذين رأوا في طرح ''ايهود اولمرت'' الأخير بالتخلي عن مبدأ حق العودة الذي قال به قرار مجلس الأمن الدولي رقم ،194 دعوة إلى الانتحار الجماعي، لا بل إن وزير الخارجية الفلسطيني ''محمود الزهار'' يندد بتلك المعادلة ''التي تمشي على ظهرها'': يهود يأتون من أصقاع الدنيا إلى فلسطين، وعرب يذهبون إلى أصقاع الدنيا من فلسطين· تأهيل اليهود الهنود لا بل إنه يلاحظ كيف أن تل أبيب تعيد تأهيل يهود أثيوبيا ايديولوجياً لنقلهم إلى إسرائيل، لا بل إنها تتجاوز كل الثغرات التوراتية لدى جماعة ''بني مينوشيه'' الهندية، وتحملهم على اعتناق اليهودية ثم تنقلهم إلى ''أرض الميعاد''، ومع ذلك لا يحق للفلسطيني الذي يقيم على الضفة الشرقية لنهر الاردن أن ينتقل إلى الضفة الغربية· مسألة العودة أكثر بكثير من أن تكون وجدانية بالنسبة إلى الفلسطينيين، إنها مسألة هوية· مناخ الشتات بات الآن مختلفاً عمّا كان عليه من قبل، حين كان الزمن يمشي ببطء شديد· الثقافات الأخرى شديدة الجاذبية، والهموم اتسعت كثيراً· بالتأكيد إن الثقافات ستبلع فلسطينيي الدياسبورا، والنتيجة: استعادة الجزء الأصغر من فلسطين وخسارة الجزء الأكبر من الفلسطينيين·· هذا ما قاله ويقوله رئيس الحكومة الفلسطينية ''اسماعيل هنية'' لأكثر من مسؤول عربي، وهو الذي على قناعة بأن إسرائيل لا تريد قيام دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة، بل مجرد بانتوستان (معزل) على الطريقة التي كانت سائدة في جنوب افريقيا إبان عهد النظام العنصري·· ما الحل إذاً حين يكون هناك داخل حكومة ''ايهود اولمرت'' رجال من طراز ''افيغدور ليبرمان'' و''افرايم سنيه'' وغيرهما؟ بطبيعة الحال الصراع مفتوح، لكن المهم ألا يتحوّل إلى صراع بين الفلسطينيين والفلسطينيين، مع الأسف هذه هي المشكلة الآن! ''أورينت برس''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©