السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

ريم العيساوي: الموت محور زينة الملكة لعلي أبو الريش

12 ديسمبر 2006 01:08
الشارقة ـ إبراهيم الملا: مثل فوانيس مقلوبة في الرمل، ومثل وهج نازف في الماء، انسكب زيت المحبة من جبال قريبة، واندلعت ''المعيريض'' فجأة من سرة المنتهى، خرجت هذه الغافية على الحنان كي تكحل عينيها بالبحر، وكي تتبخر على الصحراء مثل طائر الحكايات البعيدة، حكايات الموتى الذين غاصوا في هوائها، وحكايات الأحياء الذين غادروها، فانطبعت مثل وشم أبدي على أرواحهم، من ''رأس الخيمة'' ومن ''المعيريض'' بالتحديد خرج صوت ''علي أبو الريش'' كي يعيد إنتاج الذاكرة، وكي يروي سيرة العذابات في نقائها الأسمى، وكي يعوم وحيدا في لجة الإصغاء لندائها السحيق· من تلك القرية، المنحوتة من غيمة وموج، والضالعة في الفتنة حد الهذيان واللوثة والعشق، من ذلك المكان القصي والمائل على الجرح، ومن صميم المعنى المعرّش فوقها مثل غابات ''القرم''، والمسكون بضباب الطفولة والوجد، خرجت كتابات ''علي أبو الريش'' كي تتوج المشهد الروائي الإماراتي بفيض من العناوين المبحرة، ابتداء من ''الاعتراف'' في العام 1982 ومرورا بـ ''الزهرة والسيف'' و''رماد الدم'' و''ثنائية مجبل بن شهوان'' و''نافذة الجنون'' و''تل الصنم'' ووصولا لآخر رواياته: ''زينة الملكة'' التي نالت جائزة الكتاب الإماراتي لعام ·2005 إن هذا الإنتاج الغزير حري بالاحتفاء والانتباه والقراءات المكررة لأنه عصب التجربة الروائية المحلية وعمادها الذي نهض عليه المنجز الروائي في المكان، فلو أزيحت تجربة ''علي أبو الريش'' مثلا من هذا المنجز فإنه سينكشف دون شك على خواء كبير وفراغ قاحل، إن هذا الدأب المتواصل والعافية الإنتاجية التي يملكها أبو الريش مسكونة بلا ريب بعاطفة إبداعية يعززها حس الاغتراب وحيرة الكائن تجاه العصف ''النوستالجي'' والانجراف المسدد نحو زمن متخيل وفراديس مفقودة· والاحتفاء المنشود بهذه التجربة والذي أشرنا إليه، لمسنا بعضه القليل ـ رغم أهميته ـ في معرض الشارقة الدولي للكتاب مؤخرا، وذلك عندما أقيمت مساء أمس الأول وضمن البرنامج المهني للمعرض ندوة بعنوان ''الرواية والفلسفة والوجود في تجربة علي أبو الريش'' شاركت فيها الناقدة ريم العيساوي، وقدمها الأديب والقاص عبدالفتاح صبري، وركزت العيساوي من خلالها على العمل الروائي الأخير لعلي أبو الريش: ''زينة الملكة'' والتي خصصت لها الباحثة عدة قراءات وجولات نقدية سوف تنشر في الدوريات الثقافية مستقبلا، ورواية ''زينة الملكة'' صدرت في طبعتها الأولى العام 2004 من اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وجاءت ـ حسب رأي العيساوي ـ بعد عدد كبير من الإنتاج الروائي وجسدت مرحلة النضج الفني لمؤلفها· وأشارت الناقدة العيساوي إلى أن هذه الرواية تندرج ضمن الرواية العربية الذهنية والوجودية المعاصرة، والمتفاعلة مع الرواية الغربية من حيث توظيفها لأسلوب تيار الوعي والاسترجاع والرمز، ومشيرة إلى أن تأثر هذه الرواية بالأساليب الروائية الحديثة لا ينفي عنها سعة التأصيل في الهوية المحلية والعربية· حيث يتناول المؤلف في هذه الرواية عددا من القضايا الاجتماعية، ولكنه يطرح فيها قضية محورية وأساسية وهي قضية ''الموت''، ويعالجها بأسلوب فني ومعمق من خلال الشخصية المحورية في الرواية وهي: ''زينة الملكة'' التي تعيش تجربة وجودية ثرية وتحيطها أصوات الموت بكثافة مما يدفعها إلى التأمل والتفكر في علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالإله، ومصير الإنسان بعد الموت· وتضيف الناقدة: أن هذه الشخصية كانت تعيش تجربة ظاهرية وحسية مع زوجها، ولكنها بعد رحيله عن الدنيا تتجه نحو التفكير في مفهوم الموت وجوهره، فتمر بمرحلة هذيانية وطقسية مليئة بالفزع والرعب أمام فكرة الموت، ولكن معاناتها في الحياة والحرمان المحيط بها والظلم المسلط عليها من قبل ''النوخذة''، والوحدة التي تحدق بها، جعلتها تنحو باتجاه أحلام اليقظة وأحلام النوم، وتتحول نظرتها السطحية للموت إلى نظرة عميقة متمثلة في التحول من مكان إلى مكان والخلود في عالم المثل· فكان الموت الرمزي الذي عانقته الزوجة بعدما تخلصت من كل علاقاتها الأرضية والدنيوية وخصوصا بعد وفاة حيواناتها التي كانت الرابط الوحيد لها مع شؤونها الحياتية المعتادة· وأشارت ''الناقدة'' في ختام ورقتها المكثفة والمختصرة عن الثيمة الوجودية للرواية إلى أن الموت عند ''زينة الملكة'' لم يعد مشكلة منغصة وحاضرة بقوة في محيطها، بل تحول إلى أن يكون خلاصا وحلولا في عالم طوباوي ومخيالي احتشد فيه الوعي بفكرة البعث والآخرة، فتحولت من دائرة وجودها المادي المحدود إلى دائرة كلية ومطلقة، ارتبطت بها الحقيقة وخطت من خلالها خطوتها الأولى في تجريد الذات من ماديتها، فالتحقت والتحمت وجوديا بزوجها الذي كثيرا ما انتظرها وردد على مسامعها في الحلم وفي الزيارات الموهومة والمتجسدة في الوقت ذاته: ''إن الذين يحبون لا يموتون''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©