الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بانون و«القومية الاقتصادية»!

10 فبراير 2017 23:21
تواجه محاولات إدارة ترامب لتنفيذ سياسات أمنية متطرفة معارضة قوية على المستويين المؤسساتي والشعبي، خاصة لأن من شأنها أن تضر بالمصالح والقيم الأميركية. وبالنسبة لروسيا، تأمل إدارة ترامب ألا تواجه جهودها لتحقيق سياسة التقارب مع موسكو انتكاسة قوية في الكونجرس. ومن المهم التساؤل الآن: ما هي الحقول المرتبطة بالعلاقات الدولية التي لا تواجه فيها إدارة ترامب إلا معارضة قليلة؟ أعتقد أن الجواب حتى الآن، يتعلق بالسياسة الاقتصادية الخارجية فحسب. وقد واجهت إدارة ترامب بعض العوائق في تنفيذ أجندتها التجارية. وحتى نكون منصفين، علينا أن نتذكر أن إدارة ترامب لم يتَح لها الوقت الكافي بعد لتنفيذ أي شيء، إلا أن القرار الأهم في هذا الشأن هو ذلك الذي اتخذه ترامب بالانسحاب من اتفاقية «الشراكة عبر الهادي»، وتم هذا على وقع احتجاجات الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. ولم تحدث أشياء مهمة أخرى على هذه الجبهة، خاصة فيما يتعلق بما يتم تداوله حول الضرائب الجديدة التي سيتم فرضها على السلع العابرة للحدود. وهناك أيضاً أسباب تدفع للاعتقاد بأن طموحات «ستيفن بانون» (وهو كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض)، لتبني منهج «القومية الاقتصادية» ستصطدم بعوائق سياسية لا تقل عن تلك التي يواجهها في أثناء تنفيذ التعليمات الأمنية في مسقط رأسه (نورفولك -فيرجينيا). وفيما يتعلق بالأمن، فإن من المتوقع أن يواجه معارضة من المحاكم المختصة والشركات الأميركية وعامة الشعب، وحتى من مسؤولي الحكومة في إدارة ترامب ذاتها. وعندما يتعلق الأمر بالتجارة، فإن ترامب يستأثر بالسلطة اللازمة التي تخوله فرض الحواجز الجمركية على السلع العابرة للحدود، ولكنه أيضاً لا يمتلك الكثير من القوة لمواجهة معارضي هذه الإجراءات. وفيما يبدو أن عامة الناس ليسوا حمائيين للدرجة التي يعتقدها المنتقدون، إلا أن من المؤكد أن القسم الأكبر والأكثر صخباً منهم يهوون فكرة التخلص من المنافسة الأجنبية. على أن صيغة «بانون» الاقتصادية بسيطة، فهو يريد إعادة النظر في الضوابط المحلية، وفي الاقتطاعات الضريبية المفروضة على الشركات، وتحديد الإنفاق على البنى التحتية والدفاعية، وتبني أنظمة متكاملة للحماية الجمركية المفروضة على السلع والخدمات المستوردة، وأيضاً على البشر الذين يتم استقدامهم للعمل. ولاشك أن الدول الأخرى سترد على هذه الإجراءات بطرق يمكن أن تضر بالصادرات الأميركية أيضاً، ولكنني لا أعتقد أن هذه الحقيقة يمكنها أن تزعج الفريق الذي يعمل إلى جانب ترامب في البيت الأبيض. وعندما يتحدث مستشار ترامب «بيتير نافارو» عن عودة أميركا عن العولمة، وعن سلسلة التموين الصناعي الأميركي الذاتي، فستعلم عندئذ أن إدارة ترامب تريد تغيير الاقتصاد الأميركي وإعادة تشكيله من جديد. ولكن إذا تم تنفيذ هذه الخطط، فما التأثيرات السياسية والاقتصادية التي ستخلفها على أجندة إدارة ترامب؟ وحتى نستخدم اللغة الشائعة في علم الاقتصاد السياسي، فإننا نقول إن «قومية بانون الاقتصادية» هي محاولة لمكافأة القطاعات غير التجارية على حساب القطاعات التجارية. ويلاحظ أن الإنفاق على البنى التحتية، وإعادة التنظيم الإداري والتوجهات الحمائية، ستصب جميعاً في مصلحة قطاعات معينة، مثل الإسكان وصناعة الفحم والنفط. وأما الحواجز التجارية والعوائق التي توضع في وجه المهاجرين، فستضر بقطاعات، مثل التكنولوجيا والطيران التجاري والتعليم العالي. وفي قطاع التصنيع، ستتلقى الشركات الأقل قدرة على المنافسة دفعة قوية إلى الأمام. وستعاني قطاعات أخرى، مثل الزراعة نتائج وتأثيرات متنوعة. ويبدو أن هناك نمطية جديدة بدأت لتوّها في العمل هنا. فهذا النوع من «القومية الاقتصادية» من شأنه أن يمثل دافعاً يستنهض همم مواطني بعض أجزاء أميركا التي أيدت ترامب في انتخابات عام 2016. ومن الناحية النظرية، يمكن القول إن تقوية قطاعي الطاقة والتصنيع يصب في مصلحة الولايات المحاذية لجبال الآبالاش، بالإضافة إلى تكساس والغرب الأوسط الصناعي. وأما المناطق التي ستتأثر كثيراً بهذه السياسات، فهي التي تقع على الشاطئين الشرقي والغربي، وهي الأماكن التي يمكن وصفها بأنها لا تحب دونالد ترامب. ويقول أحد المعلقين، إن سياسات ترامب الاقتصادية الخارجية تم تصميمها من أجل شد عضد الائتلاف الهش الذي ساعده على الفوز في الانتخابات الماضية. ويدفعنا كل ذلك إلى القول، إن التداعيات التي ستخلفها سياسة «بانون» القومية الاقتصادية ذات طبيعة توزيعية. فإذا أثمر شعاره هذا عن إعادة توزيع عادلة للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، فإن ذلك سيقوي من شعبوية «بانون» الاقتصادية في أوساط مواطني أكثر الولايات أهمية من النواحي الانتخابية. أما لو كُتب لها أن تتسبب في موجة من التراجع إلى الوراء، فعندئذ لن تكون كل القوى الاقتصادية التي يحتكم إليها العالم كافية لإنقاذ ترامب. *أستاذ السياسة الدولية في «معهد فليتشر» التابع لجامعة «تافت» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©