الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«خطة ليمان»... لإنقاذ السودان أم «الإنقاذ»؟

6 سبتمبر 2012
في أخبار السودان أن الدكتور قطبي المهدي، عضو المكتب القيادي للحزب الحاكم (حزب المؤتمر الوطني) والمستشار الأمني لرئيس الجمهورية، أعلن عن "استعداد حزبه لدراسة مقترحات الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لإيجاد مخرج تفاوضي لحسم المأزق الأمني في التفاوض مع دولة الجنوب". وقبل إعلان الدكتور قطبي المهدي، عُلم أن رئيس الجمهورية قد اجتمع بمحمد عثمان الميرغني، مرشد الطريقة الختمية ورئيس "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المشارك مع "حزب المؤتمر الوطني" في حكومة "الشراكة" التي أضافت لشروخ وانقسامات الحزب العتيد المتعددة، ومع الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس "حزب الأمة"، والذي قادت لقاءاته مع الرئيس البشير إلى احتجاج مجموعات كبيرة من شباب حزبه. وقد كثرت أحاديث قادة الحزب الحاكم في الأسابيع التي تلت "خطة ليمان"، السفير المبعوث الأميركي للسودان في الشهر الماضي، والتي تهدف في جوهرها إلى حل سلمي للحرب المستمرة في السودان وفي مقدمتها النزاع الخطير بين حكومتي السودان وجنوب السودان. ورغم ما حفلت به "خطة ليمان" من وعود وأماني للحكومتين ولحركات المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فإن المشروع السوداني لإدارة أوباما، والتي ترجو تحقيقه قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية ليكون أحد الإنجازات التي تُحسن من الوضع الحرج لأوباما، والذي هو بحاجة ماسة للصوت الانتخابي الأسود المرهون برضى اللوبي الأفريقي الداعم لجنوب السودان ولمعارضي حكومة البشير لأسباب متصلة بالتعاطف الإثني وغيره. إلا أن "خطة ليمان" قوبلت بنقد وهجوم شديدين من تجمع أحزاب وقوى "الإجماع الوطني الديمقراطي"، حيث وصفها البعض بأنها محاولة لترقيع النظام القائم، مؤكدين أنها لن تنجح في ذلك لأن حل أزمة السودان التي وصلت القمة لا يتحقق إلا بسقوط نظام "الإنقاذ". إن دعوة الدكتور قطبي المهدي (ولنقل دعوة الحكومة) للأحزاب والقوى السياسية للاجتماع، وإعلانه استعداد حزبه "لدراسة مقترحات الأحزاب والقوى السياسية لإيجاد مخرج تفاوضي لحسم المأزق الأمني في التفاوض مع دولة الجنوب"، هو اقتراح مكرر من قبل النظام الذي ما أن يجد نفسه في "مأزق" حتى يملأ الدنيا ضجيجاً بالدعوة إلى "الوحدة الوطنية" لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن وسيادة الوطن. وهذا النظام عندما يطلب من السودانيين التوحد تحت قيادته من أجل الدفاع عن السيادة الوطنية، ينسى أن هذا "المأزق" الذي يتحدث عنه، هو من صنع يديه ونتيجة لسياساته التي قاد من خلالها البلاد حتى وصلت الأمور إلى انفصال الجنوب عن الشمال وقيام دولته، وإلى تهديد بعض أقاليم السودان الأخرى بـ"الخروج" عن دولة حزب الجبهة الإسلامية الذي أذاقهم أشد العذاب وقتل في مجازر مسجلة ومعروفة آلافاً من أهلهم وشرد ملايين آخرين. وفي الخرطوم وغيرها من العواصم العالمية يدور حديث جدي عن أن المبعوث الأميركي الخاص، السفير برينسون ليمان، قد "نصح وأنذر" حكومة "الإنقاذ"(التي لا يتحدث مباشرة مع رئيسها) بأن مشروعه الذي هو مشروع إدارة أوباما، هو آخر محاولة لإخراج السودان من هذا المأزق، وأن من مصلحتهم أن يقبلوه ويتوافقوا مع الجنوب ومع المعارضة الشمالية والحركات المسلحة، وأن يبدأوا عملية دستورية تستند إلى قاعدة واسعة "عملية يتم فيها إشراك الناس من جميع أنحاء البلاد". ونصح المبعوث الأميركي الحكومةَ بأن تكون ذات مصداقية للمجتمع الدولي، وذلك بأن تنهي قصف المدنيين وتدعو إلى وقف الأعمال العدائية في منطقتي جبل النوبة والنيل الأزرق، وتشرع في محادثات سياسية مع خصومها. لكن كعادة "الإنقاذيين"، يبدو أنهم قد انتقوا من "خطة ليمان" ونصائحه ما أعلنه عن الدكتور قطبي المهدي حول البحث عن مخرج تفاوضي لحسم المأزق الأمني في التفاوض مع دولة الجنوب، وكذلك الدعوة لدراسة مقترحات المعارضة لتبدأ بالملف الأمني... معتقدة (الحكومة) أنها بذلك تثبت للأميركيين صدقيتها. وهي تعلم تماماً أن إجماع الشعب السوداني ومطلبه الحالي (قبل أن تتقدم المعارضة بمذكرتها الشهيرة للحكومة والتي رمت بها قيادة المؤتمر الوطني في سلة المهملات) قد تجاوزا حالياً ترقيع النظام ومحاولة ترميمه. وفي تقديري أن محاولة السفير ليمان (بالمناسبة قامت الخارجية الأميركية بنشر وإذاعة محاضرته تلك) هي جزء من خطة أميركية ماكرة "لتدجين" واحتواء الحركات الإسلامية "العاقلة"، ابتداءً من تركيا مروراً بتونس وانتهاءً بمصر وليبيا... وهي خطة ماكرة وقد تكون مناسبة لـ"إخوان" تلك البلاد إلى حين... لكن من قال إن سلطة "الإخوان" السودانية هي حركة عاقلة؟! إن "المشروع الحضاري" الذي وضعه وعمل من أجله "إخوان" السودان، أمره مختلف تماماً عن أمر "إخوان" مصر وتونس وغيرهما. لقد قام "الإخوان" في السودان بانقلاب عسكري غادر، ثم بدأوا تجربة كان وسيظل أثرها على الحركة الإسلامية ممتداً ولقرون. فقد تعاملوا وحكموا وأرهبوا خصومهم السياسيين (أكثرية الشعب السوداني) على نحو أبشع مما عمل حكام مصر وتونس وليبيا واليمن في بلدانهم وشعوبهم. وقد صبر السودانيون على الظلم والإرهاب والتعذيب، لكنهم لن ينسوا ما صنع "الإخوان" بهم وببلدهم. فهل سينجح ليمان في ما فشل فيه الآخرون؟ عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©