الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آليات التفعيل.. وكيفيّاته

آليات التفعيل.. وكيفيّاته
3 مارس 2016 05:12
نوف الموسى تتمثل القيمة الحضارية والجمالية لمبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، باعتبار عام 2016 عاماً للقراءة، في بعدها الاستراتيجي المتعلق بتحقيق التفعيل المجتمعي، القائم على كيفية اكتشاف المجتمع لنفسه عبر المعرفة، والانتقال من التناول المباشر للمعلومة، إلى المساهمة في إنتاجها، وتطويرها، وإيصالها إلى مراحل متجانسة من الابتكار وصياغة الفلسفة النوعية للفكر الإنساني. فيما كان عام 2015 يلملم أوراقه ويستعد للرحيل، جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بإعلان عام 2016 عاماً للقراءة، لتعلن ميلاد عام مختلف عن الأعوام المنصرمة.. عام يحمل بين جوانحه الشوق الى المعرفة، والحلم، والأمل في غد يأتي يكون فيه الكتاب مثل رغيف الخبز، ضرورياً ومتوفراً، وزاداً متاحاً لكل الناس. وما إن أقر مجلس الوزراء إعلان عام 2016 عاماً للقراءة بتوجيهات من صاحب السمو رئيس الدولة، وأصدر توجيهاته بالبدء في إعداد إطار وطني متكامل لتخريج جيل قارئ وترسيخ الدولة عاصمة للمحتوى والثقافة والمعرفة، حتى شرعت الفعاليات المجتمعية، والثقافية والسياسية والعلمية في إعداد الخطط، ورسم البرامج، واقتراح المبادرات، دعماً لهذه المبادرة المتميزة، التي تملك بعد البصر والبصيرة. ومن اللافت أن هذه المبادرة جاءت بعد تخصيص عام 2015 عاماً للابتكار، ما يدل على أن هناك نظرة استراتيجية تكمن خلف هذه المبادرات، وأنها لم تأت هكذا عفوية أو عشوائية، بل رسمت بتؤدة ووعي لتدبير شؤون البلاد والعباد. في هذا العدد الذي نخصصه في «الاتحاد الثقافي» لمبادرة «عام القراءة» نحاول أن نجترح قراءة ثقافية، سوسيولوجية، معرفية، لمعنى القراءة، فعلاً وسلوكاً وغايةً وهدفاً، وحضوراً في الفكر الإنساني.. ندخل غابتها السحرية، ونقترح قارئاً يعي ما يقرأ، قارئاً مبتكراً لا تابعاً، ونمرّ على أطياف الذين عرفوا قيمة القراءة والكتاب فظلوا فينا حاضرين... شعراً ومقالة ونصاً صحفياً يتهجى أهمية فعل القراءة وضرورة الارتقاء به... ونحن في كل هذا، نحاول العبور إلى روح المبادرة، للقبض على مزاجها الكوني العام، ونكهتها الوطنية الخاصة، من دون أن ننسى أن الأمم بالقراءة... تحيا... الاتحاد الثقافي تبعاً لاعتبارات المنهجية الوطنية في رسم الملامح والخطوط الرئيسية لمسارات التنمية في الدولة، والتي تتصدرها (المعرفة) كآلية وبنى تحتية رصينة، فإن القراءة، منذ بداية هذا العام، ومع استقبالها للفعاليات المؤسساتية بمجالاتها الخدمية والثقافية والتعليمية، تطرح أسئلة نوعية ومتعددة، لا يمكن الجزم بنتائجها، في هذا المقام، بل تحتاج إلى نحو 10 سنوات مقبلة ، من التمعن في أهم الطرق الحديثة والتقنيات الاجتماعية، التي استخدمت لإثراء مفهوم (القراءة) كأسلوب حياة. وما نحن بصدد مناقشته في «الاتحاد الثقافي» يمثل انطباعات أولية، حول مدى تجسد الوضوح الاستراتيجي للفضاء المستدام في تكوين (تجربة) المتعة مع الكتاب؛ وهل ما يتم طرحه في المبادرات المؤسساتية يثري التغير المستمر لهيئة وشكل القراءة؟ وهل الانضمام إلى مسيرة خلق بيئة الحياة المعرفية وما شهد من (إلزامية) لمشروع القراءة، من بعض الجهات، يدخل ضمن نطاق تعزيز مكانة الفعل الثقافي بين المستفيد والجهة الراعية؟ ماذا عن التكرار واقتصار المساحات الخاصة بالقراءة في بعض المؤسسات على وصفات جاهزة (معارض الكتب، ملتقيات ثقافية، ومقاه نقاشية)، هل سيقدم مؤشراً فعلياً للنقلة المعرفية؟ ما الذي نحتاجه لفهم القراءة كممارسة أبعد من الكتاب نفسه؟ ماذا عن مستوى الإدراك المؤسساتي لأهمية إحداث (التجربة) الإنسانية عبر القراءة، هل يمكن استشعاره كمرحلة مبدئية، في مضامين الفهم العلمي للطبيعة البشرية، ونظرتها للكلمة ومسوغاتها ومتغيراتها من قبل الفئات المساهمة والمشاركة في الاحتفالية المعرفية؟ التكرار غير مقبول السؤال الأهم، هل خضع مشروع القراءة الذي تنفذه هذه الجهة أو تلك لـ (مختبرات اكتشاف) لأشكال القراءة؟ هنا.. مختبر الاكتشاف، يقصد به، الانطلاق من البحث العلمي، على مستوى كل مؤسسة، بحسب تخصصاتها، لأن لكل بيئة عمل مواصفاتها، وأساليبها، وتعاطيها مع القراءة، يمكن تحليل الحالة المعرفية لكل مشروع للقراءة، تم رصده من قبل الهيئات والمؤسسات، ووثق إعلامياً، من خلال طريقة ونوع المبادرة، وبالعموم، تميل بعض الجهات إلى النظرة التقليدية للقراءة: «(كتاب)، (مكتبة)، (ملتقى)، (مناقشة فكرية)»، ما يوحي بنقص الممارسة البحثية الاستكشافية، وقلة إشراك الموظف، في العملية التحديثية لمفهوم القراءة، فالتنوع الذي يجب أن تبديه المؤسسات والهيئات، لا يزال غير ملحوظ، بشكل متكامل، رغم ضخامة الاهتمام المكثف، في اعتماد أفضل الطرق، وانتقاء أفضل المكتبات والكتب والمراجع المعرفية لتحقيق الاستفادة القصوى، وتحقيق الهدف الأسمى من مبادرة القراءة الوطنية، وبالعودة إلى توجيهات القيادة السامية في ما يخص تحريك المخيلة الإبداعية، في النشاط القرائي ككل، يصبح السؤال مشروعاً: هل تعمد المؤسسات في المرحلة الحالية لتحقيق ذلك في مضامين مشاريعها؟ هكذا، يبدو (التكرار) غير مقبول كمؤشر حيوي! القراءة الإلزامية ما الذي يمكن أن تقدمه (الإلزامية) و(الحالة التقييمية)، في الإنجاز المؤسساتي لتشجيع القراءة؟، نقاشات عديدة، شغلت العاملين في المؤسسات والمهتمين من المثقفين في المشروع الثقافي والمعرفي الضخم لدولة الإمارات، والذي تجلى بعام القراءة، فطرح (مسألة التحدي) بين الموظفين في المؤسسات والهيئات، على سبيل المثال، هل سيلزمهم بالقراءة؟ وهل وجود مكتبة في كل قسم هو إنجاز جغرافي يتعلق بوجودها في مساحة ما من المكان أم فعل إنساني وحضاري؟ وهل تكفي ساعات القراءة خلال العمل لتكريس مفهوم القراءة؟ نتساءل ونحن نضع في اعتبارنا أن مفهوم القراءة تجاوز حضور مكتبة وكتاب، إلى مساعي فكرية ووجودية دقيقة في التطور البشري، والذي ينقلنا بدوره إلى كيفية حضور القراءة، بشكل عفوي واختياري، من خلال التعرف على تجارب عالمية حول صناعة الفضاء المستدام للقراءة، دونما وضع (تقييم) مباشر للموظف (المستفيد). إن الإلزامية تحضر في أهم فضاء للانفتاح الفعلي للمجتمعات، وهي المؤسسة التعليمية، فبالنظر إلى بعض المبادرات التعليمية، يلحظ المتابع الربط المباشر بين القراءة وثقافة فعل الكتاب المدرسي، من خلال وضع ساعات محددة، ضمن دائرة تقييمية مقننة. وبطبيعة الحال، فإن المؤسسة التعليمية، قدمت في هذا النطاق مئات المشاريع، والعودة إليها، ضمن مبادرة عام القراءة، يضع نشاطها غير المستحدث، موضع تساؤل، ويجب التأكيد بأن المؤسسة التعليمية، تعمل جاهدة، ضمن خطط سنوية، في إعادة إنتاج الحياة المعرفية للطلاب، ولكن عدم إشراكها الطالب، بشكل جدي، في خلق تجربته ومفهومه الخاص للقراءة، يُعد من أهم أسباب بطء استمرار إنجازها النوعي في هذا المجال. والتفكير مجدداً بإدراج بحث علمي دقيق قائم على التجارب تشمل (الطالب - البيئة - عوامل مختلفة)، هي الخطوة الأولى الواجب اتخاذها، قبل إطلاق أية مبادرات للقراءة من قبل المؤسسة التعليمية، وذلك بأن تستثمر عام القراءة، في اكتشاف مفهوم للقراءة يصيغه الطالب نفسه (المستفيد) لا المؤسسة (الراعية)، ليأتي بعدها دورها في تهيئة الفضاء التفاعلي للمفهوم المُكتشف. صناعة التغيير الانتقال من المرحلة الخدمية في المؤسسات إلى الفضاءات الإنتاجية للمعرفة (الموظف - العميل) نموذجاً، يُحسب كتوجه صحيح للمؤسسات والهيئات، في تفعيل حوار المناقشة بين موظف وموظف داخل المؤسسة الواحدة، فهناك مبادرات لتبادل الكتب، إضافة إلى مناقشات نوعية حول مجمل القراءات، في مقاه معرفية، تم تخصيصها في المؤسسة الخدمية، خلال ساعات العمل الرسمي، وما يمكن استخلاصه كتجربة فعلية للمعرفة، هو تضمين الفعل الخدمي، إلى جانب الفعل الإنتاجي، ما ينبئ عن إمكانية تحول تلك الفضاءات في حال استمرار المناقشات في الملتقيات الفكرية، إلى مراكز صناعة التغيير في المؤسسة، وستلعب دوراً محورياً في إنتاج حلول جوهرية، ويشارك العميل في المساهمة المتكاملة في مشروع ومبادرات المؤسسات والهيئات، من خلال إتاحة مصادر المعلومات الإلكترونية، وتوفير منطقة دخول مرنة إلى أغلب المراجع والمصادر المعرفية المكتبات الرقمية- للمؤسسات، التي سعت إلى تحويل القراءة إلى تفاعل ذكي. المبادرات الإلكترونية جاء الاستثمار الإلكتروني والتقني كمنطقة جذب مركزية ذات اهتمام نوعي، ضمن مبادرات عام القراءة 2016، خاصة أن دولة الإمارات تتبنى منهج الحكومة الإلكترونية، كسياسة تنموية، فمثلاً إطلاق المكتبات الرقمية، يوسع نطاق الإنتاجات المرئية والسمعية والحسية، ومن جهة أخرى، فإن الاستهداف المباشر للكتاب المقروء من قبل المبادرات بشتى أنواعها في الهيئات والمؤسسات، ساهم وبشكل مذهل، في زيادة نسبة الشراكات بينها وبين المؤسسات الثقافية، إضافة إلى أنها لعبت دوراً رئيسياً في تشجيع الإنتاج الكمي والنوعي على مستوى النشر المحلي والعربي والعالمي، وذلك لازدهار صناعة المكتبات في بيئات العمل من جهة، واهتمام أصحاب المبادرات، بانضمام المثقفين والأدباء وأصحاب دور النشر، كمرجعية معرفية، وخبرة عملية في الساحة الثقافية، وطرق انتقاء الكتب والمراجع الثقافية من جهة ثانية. كيف نبادر للحياة المعرفية؟ يتفرع هذا التوجه إلى محورين رئيسيين، أولهما: دور الحراك المجتمعي في دفع المسألة المؤسساتية إلى مزيد من الإبداع والإنتاج الجاد والنوعي، ثانيهما: اعتماد دراسة إبداعية لإنتاج المبادرات المعرفية، كمثال الأندية الرياضية وآلية تحويل (الاستاد/‏الملعب/‏فضاء اللعبة) إلى مكتبة. في الحديث عن المحور الأول، فإن غياب أو قلة المساندة المجتمعية، على مستوى جمعيات النفع العام، أو مبادرات الأفراد، ستؤثر في المساهمة المؤسساتية بشكل عام، خاصة أن الأفراد في المجتمعات يحملون المسؤولية الرئيسية، فالمعرفة إدراك وواجب إنساني وحضاري بالدرجة الأولى، والحكومات المتقدمة، تسعى لبناء أفضل الفضاءات المعرفية، ويأتي دور الفرد في تعميق الإيمان التام، حول دوره الحقيقي، وإذا ما تم ربط نتائج الدراسات الاجتماعية، بأهمية «مبادرات القراءة»، وأثرها، فإن قناعات الأفراد الذاتية، تؤثر في المنظومة، بشكل عام. ما يحتم مناقشة ثقة الإنسان في الإمارات بقدراته، وإمكانياته على إنتاج المعرفة. ربما يكون ضرورياً هنا التركيز على مثال حيوي كمثال لاعتماد دراسة إبداعية في طريقة إنتاج المبادرات، وتناول الأندية الرياضية (كنموذج). لا شك أن سؤال تحويل ملعب كرة القدم إلى بانوراما مكتبية يظل تساؤلاً لافتاً، ولكن كيف يتم ذلك؟ هل يُقدم المعنيون، مثلاً، على توزيع مجموعة كتب بين زوايا الأندية، أم يعمدون بعد انتهاء المباراة إلى إلقاء محاضرات فكرية وإنسانية واقتصادية واجتماعية على اللاعبين أو حتى الجمهور؟ عملياً، سيكون تطبيق هذا الخيار بداية غير منطقية، وتستنزف مجهودا ووقتا طويلا دون استفادة معرفية، فاللاعب القارئ، كشخصية، لا يحتاج إلى كتاب، بل إلى كرة! الكرة بالنسبة له هي الكتاب، والمؤلف، والمناقشة الفكرية، والسؤال الصحيح: هو كيف نجعل من الكرة كتاباً؟ ثمة اقتراحات يمكن من خلالها الوصول إلى عدة نقاط.. هنا (مثال متخيل): بناء «ملاعب لتجارب الأداء الفكري الحسي الذهني والإبداعي للاعبين»، يقاس فيها الفعل الفكري والاجتماعي وارتباطه مع اللعبة، يدخل اللاعب يتحدث عن نفسه وهو يؤدي حركاته الرياضية المعتادة بالكرة، يرميها، يمررها، يقذفها للأعلى، تتكشف مستويات حريته الفكرية، ننطلق معه إلى أبعد من ذلك، نجعله يسرد تجربته، كأنه كتاب، يناقشه زملاؤه، يطرحون عليه اهتماماتهم كموضوع للتباحث، يستجيب لما يقولونه، يدخل زملاؤه اللاعبون إلى الملعب، يطلب منهم المنظمون لتجارب الأداء، إعادة تصميم ملعبهم الخاص، يختارون لاعبين محترفين مفضلين لديهم، دونما جدال، يبحثون في اختياراتهم الفكرية لأولئك اللاعبين، «لماذا جاء اختيار لاعب عالمي، وآخر محلي»، يتساءلون فيما بينهم. ويستمر توثيق الحالات الإبداعية، لتتحول التجربة نفسها إلى «كتاب»، وإلى معمل إنتاجي، لم يكتف القائمون عليه لجعل مجموعة من الناس (اللاعبين/‏المستفيد) يقرؤون كتباً ما، بل ينغمرون في اكتشاف أنفسهم، فالأخير هو هدف ازدهار عالم الكتب في العالم المتقدم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©