السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رشيد الضعيف: همّ الرواية أن تكتمل

رشيد الضعيف: همّ الرواية أن تكتمل
23 يناير 2013 20:25
حل الروائي اللبناني رشيد الضعيف ضيفاً على الدورة الأخيرة من معرض الشارقة الدولي للكتاب وقد شارك في ندوة تحت عنوان «الرواية.. سرد الحياة» وعلى هامشها أجرينا معه هذا الحوار القصير حول جملة من الموضوعات الخاصة بتجربته الإبداعية الثرية. قدم الضعيف العديد من العناوين الروائية في مواقيت مختلفة بدءاً من مطلع الثمانينات، مثل: «فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم»، «أهل الظل»، «عزيزي السيد كواباتا»، «ليرننغ انغلش»، «تصطفل ميرل ستريب»، «معبد ينجح في بغداد»، «أوكي مع السلامة».. إلخ، وأصدرت له «دار الساقي» ست من رواياته القديمة مطلع الشهر الجاري. عصام أبو القاسم يبدو الروائي رشيد الضعيف دقيقاً جداً في كلامه، حذراً، وواعياً لطبيعة ما يقول بحيث لا يقع في مخاطر الأحكام الجاهزة، والكليشيهات المتعلقة بها.. فهو يميل الى القول بأن من الصعب الكلام عن رواية عربية واحدة، وهو يرى أن الرواية ليس مهمتها الانشغال بالحقيقة بل مهمتها الأساسية أن تكتمل.. ويكشف في هذا الحوار عن المسوغات التي جعلته يكتب بضمير الأنا مؤكداً أنه شبع الآن من ضمير الأنا وانتقل إلى «ضمير الغائب»، وفي الحوار مسائل أخرى... ? بداية، كيف تنظر إلى المشهد الروائي العربي في الوقت الراهن؟ ? لا استطيع الكلام عن الرواية العربية.. هذا موضوع واسع وشاسع، ومعرفتي لا تسمح لي بذلك. ولكن استطيع الكلام عما قرأته من الرواية العربية وهو قليل مقارنة بما نشر. هذا سؤال عام جدا؛ ولكن يمكن القول ان الرواية العربية منتعشة!. ? كيف هي منتعشة.. إعلامياً؛ مثلاً؟ ? هذا موضوع صعب. هل هناك وحدة روائية عربية، لا نقدر على الكلام عن رواية عربية واحدة، واليوم، على وجه التحديد، لا نقدر أن نتحدث حتى عن رواية فرنسية واحدة. في حالتنا.. العرب لهم مصادر مختلفة، فهناك عرب منفتحون على الثقافة الانجليزية وهناك عرب منفتحون على الثقافة الفرنسية، يعني هناك منابع مختلفة للثقافة العربية. طبعا هناك التقاليد الأساسية للثقافة العربية ذاتها؛ إذاً.. ثمة فروق في التقاليد وفي المصادر والمنابع، لهذا ليس ممكناً الحديث عن مناخ روائي عربي واحد؛ فثمة جذر ثقافية عربية، إلى حد ما. وهناك أجواء ثقافية عربية وهي متباينة؛ مع أن كل الروايات العربية مكتوبة باللغة العربية.. وهذا هو الشيء الذي يوّحد بينها لكنها مختلفة في همومها وفي طرائقها الفنية! إجمالاً، لست في موقع يسمح لي بأن اتكلم عن رواية عربية واحدة. القول بأن الرواية الفرنسية الراهنة تناسلت عن الرواية الفرنسية؛ هذا قول، حتى في عز العصر القومي، لم يكن صحيحاً.. كان وهماً.. ? اذن أنت تنفي الخصوصية..؟! ? تحاشيت الكلام عن الخصوصية .. قلت أجواء لأكون في الكلام العام لأن هذه تفاصيل.. ? تبدو حذرا؟ ? كيف لا أكون حذرا وقد عشت الحرب اللبنانية؟! ? بمناسبة ذكرك الحرب.. بعضهم يتكلم عن صعوبة مقاربة أمر في واقعية الحرب روائياً بخاصة إذا وقعت هذه الحرب حديثاً.. يتحاشى الكتّاب الكتابة عن شيء حديث للحفاظ على مسافة ما بينهم والقراء.. ما رأيك؟ ? القرب عن الشيء لا يعني انني لا أراه. ليس هناك من مبدأ ثابت هنا؛ الروائي لا يحلل ولكنه يتكلم عن تجربة معاشة.. لا أعيش المشكلة التي تذكرها، ليست هذه المشكلة التي تشغلني وقد تكون مسألة نظرية ولكن ليس هذا ما يحكم عملي وليس هذا ما يشغل بالي. حين أكتب اعتمد كثيرا صيغة «الأنا»، وأريد لهذه «الأنا» أن تكون معبرة عن حالة خاصة جدا، وحلمي ان تكون هذه الحالة الخاصة جدا عن فرد بذاته.. حلمي ان يرى ملايين الناس انها تشبههم، وأن بينهم وبينها شبه ولذلك أقول إن شخصياتي ليست تمثيلية ولكنها تشبه عشرات الملايين من الناس. بهذا المعنى كلما اقتربت من الذاتي نفذت إلى العام. انت تقول إذا كان هناك اشياء مشتركة بيني ككاتب والقارئ قد لا يشعر القارئ بالمسافة .. على العكس وهذه مفاهيم لا بد من اعادة النظر فيها، فلماذا أكون على مسافة من القارئ؟. ? لكي تحفزه وتثير ذاكرته؟ ? ولماذا لا اثير انتباهه إلى الواقع، إلى ما هو عليه. تبليط البحر ? ننتقل للحديث عن آخر رواية لك وهي «تبليط البحر» .. أين تقع في إطار مشروعك وبم تختلف؟ ? هذا سؤال جوهري. اسعى إلى تخطي ذاتي، اغلب كتبي كتبتها بصيغة «الأنا» عدا «معبد ينجح في بغداد» و»تبيلط البحر». كتبت بصيغة الأنا لأسباب عديدة: أولاً لأنني ارتاح إلى هذه الصيغة وثانياً لأن هذه الصيغة تشعر القارئ بأنني اتكلم عن نفسي وعن زوجتي وبيتي وهذا إيهام؛ فالقارئ حين يشعر بأن الكاتب يفضح نفسه أمامه فهذا يثير حشريته؛ في الوقت نفسه اثير حشرية القارئ بأنني أكتب عن نفسي في حين أنني أكتب رواية وهذه لذة مضاعفة. أكتب بصيغة الأنا مع اني أكتب عن شخصيات لا أحبها. ثالثاً كتبت بهذه الصيغة كثيراً في عصر كانت الايديولجيات الكلية طاغية وقد نبهت إلى «الأنا» ونبهت إلى قدسية «الفرد». انا عادة أكتب ضد الشهادة، أنا مع الخوف ضد الشجاعة، وأن تخاف يعني أن تكون ذكياً ورائياً، تأكيد على الفرد من باب سياسي، إذا جاز القول. وأفضل ان تخدمني القضايا لا أخدمها ولكن بالمعنى الايجابي. الآن، شبعت من ذلك وانتقلت إلى «ضمير الغائب». وعبر هذه الصيغة كتبت عن النصف الثاني من القرن التاسع وهو زمن غني جداً، زمن الحلم العظيم، حلم المثقفين بالدولة الحديثة، ببناء الأوطان التي تشارك بقية الاوطان الأخرى مائدة الحداثة والتقدم. وكتبت عن القرن التاسع عشر لأن الماضي القريب، الماضي المباشر مفيد جدا لفهم الحاضر أكثر من الماضي البعيد. رواية «تبليط البحر» هي قصة الحداثة، فالرواية تحكي عن طالب بكلية الطب بالجامعة الأميركية في بيروت. حينذاك كانت بيروت في بدايتها مع الحداثة (الجامعات والطرقات والمرفأ). في الكلية كانوا يسرقون الجثث حتى يتعلموا الطب. كانت كلية الطب بالنسبة إليهم مقدمة لقهر الجهل والمرض والألم ..إلخ. إلى أن جاءت نظرية داروين فأختلفوا عليها، فإدارة الجامعة لم تتقبل النظرية في حين قبلها بعض الاساتذة والطلاب الوطنيين وقاموا بأضراب وطردوا في الأخير بالأخص أولئك الذين لم يذعنوا ويعتذروا، ومن بينهم جرجي زيدان والشخصية التي كتبت عنها كانت صديقة لزيدان، وراحوا إلى القاهرة. باختصار تبليط البحر هي مشوار مثقف يحلم بالحداثة حين كان العلم وسيلة تحديث وليس وسيلة تأمين مستقبل فردي. ? هل تشغلك التقنيات..؟ ? تشغلني بعدياً، قبل ان أكتب أقرر من هو المخاطب: والدتي الامية ام شخص عادي أو مثقف، هذا يضبط اسلوبي، عندما أفكر في المخاطب وليس بالقارئ.. ? تستند إلى مرجعية واقعية في بعض اعمالك.. ثمة قصص من التاريخ القريب والبعيد..؟ ? كتبت «معبد ينجح في بغداد «بالاستناد إلى كتاب «الاغاني»، وقد ادهشني هذا الكتاب ووجدت انه يترجم للمغنيين بذات الطريقة، هناك بنية واحدة في ترجمته لجميع المغنيين. أخذت هذه البنية وكتبت عن معبد وهو أحد عباقرة الغناء في العصر الأموي.. بين الجميل والصح.. فرق ? ثمة ما يلفت في عنونتك لرواياتك فهناك اللمحة الاستحالية في «تبليط البحر» ومزاج عامي في «أوكي، مع السلامة» .. إضافة إلى تركيزك على الإعلام ... أنت تفكر كثيرا في العنوان؟ ? بالمطلق، لا أحب البلاغة التقليدية ولا أكتب بشكل «جميل» ولكني أحاول أن أكتب «صح»، بين الجميل والصح فرق شاسع، وفي تقديري ان الجميل نموذجه خلفه و»الصح» نموذجه امامه، وهذا موقف من البلاغة، بقدر ما يكون نموذجنا امامنا بقدر ما نعبر عن انفسنا، وإذا عبرت ببلاغة قديمة انت تذّوب فرادتك في «العام»، ولذلك استخدم هذه الطريقة.. ? بالعودة إلى ضمير»الأنا».. انت تكتب عن أمور شديدة الخصوصية بهذا الضمير ألا تخشى ان يوقعك ذلك في حرج مع قارئ أو جار أو أيا كان..؟ ? حين أكتب أترك معرفتي خلف الباب، الرواية فن وصولي، الرواية لا يهمها الواقع ويهمها فقط أن تبلغ منتهاها.. هدف الرواية ان تكتمل وليس الحقيقة، وهذا ما تعلمته من الادباء العرب الكبار مثل المسعودي والاصفهاني؛ المسعودي كان يروي لك الخبر ثم يروي لك عكسه، فالمهم بالنسبة لهؤلاء كان المتعة وليس الحقيقة وكتابه اسمه «الإمتاع والمؤانسة»، تعلمت منهم ألا تكون «الحقيقة» رائدي وألا تكون الحقيقة هدف الرواية بل أن تكتمل الرواية، بهذا المعنى هي فن وصولي؛ توظف الحقيقة. ثم، بقدر ما تذهب في خيالك وبقدر ما تكذب بقدر ما تكون صادقا مع نفسك؛ فالكذب هو شيء يمكن ان يكون!. ? تكتب الرواية وتدّرس النقد.. فكيف تجمع بين الاثنين؟ ? هذا صراع يومي، ولكن يجب أن تنسى انك استاذ للنقد.. لا يمكن ان تكون روائياً في قبضة نظرية، مثل الواقعية الاشتراكية التي لم يبق منها أي شيء، أظن ان العمل الإبداعي الذي يطبق نظرية يفقد الكثير من قيمته. بالنسبة لي، أحاول ان انسى معلوماتي النظرية وحلمي ان أكتب بحرارة جسمي وحلمي أن أكتب رواية بلا ثقافة، ثم أحاول تجنب الفروسية اللغوية وكل جهدي ان يكون اسلوبي في اتجاه البساطة، وليس المباشرة. الناقد المصري صبري حافظ يقول لي ان «أسلوبك مرواغ» وكلامه يبدو أقرب لي. ? ننتقل إلى مستوى آخر، يرى بعضهم ان «مسابقات الرواية» باتت أكثر حضوراً من النقاد في فرز الأعمال وتقديم الاسماء الروائية، حلت الجائزة محل الناقد؟ ? صحيح، لكن الجائزة تشير إلى مبدع ولكنها لا تلغي الاخرين. بشكل عام، أود القول انني لا أكتب اشياء للشعب، أكتب لنوعية معينة للقراء، ما أكتبه لا يمكن قوله في ساحة عامة، والكتابة بهذا الشكل فيها نوع من اذلال الذات والتعريض بالنفس.. الأمر هنا يتعلق بالحقائق التي لا تقال والتي لا تطاق؛ وبهذا المعنى لست كاتبا للجماهير وقد أكون جماهيرياً. ? كيف ترى حظ اعمالك في الترجمة؟ ?? حسب البلد وحسب الكتاب؛ في فرنسا بشكل عام معظم اعمالي مترجمة وفي أميركا، بشكل مجمل ترجمت اعمالي إلى نحو 12 لغة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©