الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أجدادنا.. طلبوا القراءة في الهند

أجدادنا.. طلبوا القراءة في الهند
3 مارس 2016 05:13
سعيد حمدان همّة الفرد تصنع النجاح، هي التي تميزه وتشكّل شخصيته، فمتى ما كان طموحه عالياً وحلمه كبيراً، وسعيه دؤوباً، سيتغلب على المحبطات، ويتخطى الهزائم والتشاؤم.. سيقوى على نفسه ويلتقطها في لحظات انكسارها، وسيكون دربه أسهل كثيراً من أولئك الذين يسيرون في هذه الحياة من غير همّة ولا دليل. هذه الهمة هي التي يمتلكها القائد، ويتحلى بها التاجر، ويتصف بها الإعلامي والحقوقي والإداري والرياضي الذي يبرز وينجح ويلهم، ذلك لأن همّته عالية، ولأنها متقدة، في صعود دائم وفي جميع حالاته. في القراءة والكتابة الهمّة أيضاً هي عنوان للنجاح، لولاها، لولا أنها كانت حاضرة وبقوة عند ذلك الجيل الأول لما كنّا هكذا اليوم في هذا الواقع الحلم، فهناك إرث غني نستلهمه، ويبنينا، ونكمل عليه حتى في قصة الكتاب وشغف القراءة. آنذاك.. كانت الحياة عندهم مريرة والأحلام مستحيلة، لكن هممهم كانت أبعد من البحر وأمراضه وأهواله وقسوته وشحه في لحظات الحاجة، لا يخدعهم سراب الصحراء التي يسكنونها، فهي تلفهم وتطويهم، تؤويهم لكنها تخيفهم وتقتلهم جوعاً وعطشاً في حالات. في ذلك الزمن، زمن بيوت الجريد والعرش، عصر الأمراض والأميّة من جانب، وويلات الحرب العالمية التي وصل سعيرها وبؤسها لهم، هم الذين لا يعرفون أطرافها وأسبابها وأين تكون؟ أجدادنا.. قارئونكانت الأولوية عندهم في تلك المرحلة للقمة العيش، والبحث عن الدواء والماء والأمان، لكنْ، كان عند إنسان ذلك الزمن – على الرغم من كل هذه النصال والويلات - متسعاً لهمّة البحث عن التعليم والقراءة وانتظار وصول كتاب أو جريدة أو مدرس أو الذهاب للبحث عنهم حتى لو كان ذلك في.. الهند! قليلون تغربوا، يبحثون عن خير في التجارة أو بيع اللؤلؤ، والخاصة تبحث عن فسحة وعلاقات أو علاج، وكثير من القليل ذهب يبحث عن عمل أو وظيفة ولتكن ما تكون المهم أنه يطعم منها أفواها جائعة تنتظر عودته أو (بقشته) يرسلها مع أي غريب عائد. في تلك الهجرة إلى البقاع القريبة مثل: الكويت، قطر، البحرين، الدمام، لنجة وزنجبار أو إلى الهند، وجدوا فسحة للقراءة أو لتعلم القراءة، والعودة بكتاب، فبعض هؤلاء تواصل مع الكتاب والصحف والمجلات التي كانت تصدر في العشرينيات وما بعدها، لطلب نسخ منها أو للكتابة فيها أو لدعمها! فنجد الأديب الشاعر أحمد بن سليم مثلاً اشتغل في الهند مذيعاً للإذاعة الهندية أو خلال وجوده في دبي مراسلاً لمجلة (الشورى) التي كانت تصدر في القاهرة في عام 1924. كانت الهند مناخاً للالتقاء مع أدباء عرب ومن أبناء الخليج كما وصفتها مجلة (العرب) الهندية خلال زيارة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة آنذاك أو في مساءات وقصائد خلفان بن مصبح ورفاقه وهو يشكو بشاعة المرض والغربة وجمال الهند الذي لا يستطيع الاستمتاع به في حالات، لأن القلب مثقل بما فيه من الوجع والحنين للأهل والوطن. حس عروبي أيضا من الأمثلة على حماس هؤلاء الكتاب والمثقفين لدعم الثقافة والتواصل والحس العروبي فيهم، رسالة بعثها الأمير شكيب أرسلان إلى الأديب مبارك بن سيف الناخي، يشكره فيها على اشتراك ثلاثة من مثقفي الشارقة بمجلة الأمة العربية التي كانت تصدر باللغة الفرنسية، وكان ذلك عام 1931. إلا أن حركة التأليف والحماسة للكتابة والنشر أكثر قدماً من هذه المحاولات وهذا التواصل الذي حدث خلال أسفار البعض، لقد ارتبط التأليف بشغف القراءة وطاقة الإبداع عند هذا الإنسان الساكن في هذه الأرض منذ أيام (ابن ظاهر) و(محين) وغيرهما، بل ومنذ ذلك العصر الذي ظهر فيه العالم والملاح الفلكي أحمد بن ماجد، الذي ترك ما يقارب 40 مخطوطة عن الملاحة البحرية. نحن نتحدث عن القرن الخامس عشر، لكن كما يذكر الأديب بلال البدور، فإن أول كتاب يسجله التاريخ لكاتب في الإمارات هو كتاب (طريقة المتّقين من كلام سيد المرسلين) للشيخ عبد الرحمن بن حافظ، وهو كتاب في الحديث تناول فيه بعض القضايا الشرعية، وكان ذلك في عام 1938. كذلك من أوائل الكتّاب: محمد سعيد بن غباش، عبدالله بن صالح المطوع، حميد بن سلطان الشامسي، محمد علي الشرفا، سيف بن محمد الشريف وراشد بن سلطان الكيتوب، وغيرهم. وأيضاً شعراء مثل: سالم العويس، مبارك العقيلي، والشيخ مانع بن راشد آل مكتوم. هؤلاء تركوا مؤلفات ومخطوطات أدبية أو فقهية أو اهتمت بمتابعة الأخبار والأحداث والشخصيات المؤثرة في تلك الحقبة، وتسجيل وقائع يوميات المنطقة. في النشر أيضاً، يحضرنا قيام الأديب والصحافي إبراهيم محمد المدفع بتأسيس صحيفة (عمان) عام 1927، وهي صحيفة حائطية كان يكتبها بخط اليد، ليؤسس بعدها بحوالي خمس سنوات صحيفة (صوت العصافير)، وألحقها بصحيفة سياسية عنوانها (العمود). ظهور الطباعة عامل آخر شجّع وقوّى مسيرة النشر والقراءة، وهو دخول المكتبات والتوزيع ومن ثم الطباعة، وهذا ما ميز العقود من الأربعينيات وحتى نهاية الستينيات. يذكر الأديب عبد الغفار حسين أن أول كتاب اقتناه، وهو في الرابعة عشرة من عمره، هو كتاب (ألف ليلة وليلة )، مطبوع في الهند منذ 120 سنة، لكن من أين اشتراه؟ من مكتبة صغيرة في سوق بندر طالب في ديره، يملكها شخص يدعى أحمد الحلو.. كان ذلك في الأربعينيات من القرن الماضي. تلك المرحلة أيضاً التي ذكرها الأديب محمد المر، والتي خلقت عنده شغف القراءة والتعلق بالكتاب، عندما كان يتركه والده يقضي ساعات بين الكتب في (المكتبة الأهلية) التي أسسها عبد الواحد وعبد الله الرستماني ببر دبي. لكن دخول المطبعة كان هو المرحلة الأهم، والذي فتح الباب واسعاً لنهضة وتطور النشر، فأول مطبعة تم تأسيسها كانت مطبعة (الرضوان) في دبي، كان ذلك في عام 1958، وبعدها المطبعة (العمانية) التي أسسها هاشم السيد الرضا الهاشمي عام 1959. وقد طبعت في بداية تأسيسها (ديوان بن ظاهر)، الذي جمعه: محمد شريف الشيباني، واهتمت بطباعة الكتب والإرشادات ودواوين بعض الشعراء، وغيرها من المطبوعات، تلاها تأسيس مطبعة (الساحل) ومكتبتها ليعقوب السيد رضا الهاشمي في عام 1962. والذي أسس مطابع أخرى بعدها، لتزدهر صناعة المطابع والنشر وتنمو بشكل سريع ومتطور وفي زمن قياسي. المجلات نجمة السبعينيات أما عقد السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيّات فتميز بأن المجلات كانت هي نجم المرحلة، الحاضن الذي شرع أبوابه أمام المواهب للقراءة والكتابة، فمجلة مثل (الأزمنة العربية) رفعت شعار: كل قارئ محرر، ووصل عدد الصفحات التي خصصتها للقراء وإبداعاتهم إلى ثلث صفحات المجلة تقريباً، بل نجد أن بعض القراء انضموا لها بعد ذلك ليصبحوا كتاباً، فالشاعر والكاتب الصحافي إبراهيم الهاشمي، تحول من قارئ كان يراسلها وهو طالب في المدرسة، وتنشر له، إلى محرر ومشرف على بريد القرّاء فيها بعد أشهر معدودة، كذلك برزت أسماء في المشهد الثقافي الإماراتي بعد ذلك كانت بداياتها أو محطة إشهارها وتعرف الجمهور عليها من خلال صفحاتها مثل: أحمد راشد ثاني، عبد الخالق عبد الله، عبد الرزاق الفارس، حصة لوتاه، ظبية خميس، سلمى مطر سيف، مريم جمعة فرج، أمينة بوشهاب، هالة معتوق، عارف الخاجة، سلطان الحبتور، ونجيب الشامسي، وفي الشعر الشعبي: سيف السعدي، وناصر يوسف النعيمي أولئك وغيرهم تعرف عليهم القرّاء من هذه المجلة. أما عبد الغفار حسين وغانم غباش وشوقي رافع ومحمد عبيد غباش رئيس تحرير المجلة، فإن لهم تجربة صحافية سبقت الأزمنة، وذلك من خلال مجلة (المجمع) التي كانت تصدر من دبي. كذلك فإن الصحافي والقاص عبد الحميد أحمد الذي تولى مهام مدير تحرير مجلة الأزمنة العربية في سنواتها الأخيرة، يعود فضل تشجيعه على النشر إلى مجلة (أخبار دبي) التي صدرت خلال فترة الستينيات، واستمرت حتى بداية الثمانينيات، هذه المجلة المهنية التي يسجل لها أنها من بدأت الصحافة الاحترافية المنتظمة في الإمارات، شجعت العديد من المواهب وفي مختلف مجالات الكتابة والرسم . كذلك لعبت مجلات الأندية دوراً في تشجيع القراءة ودعم المواهب الكتابية بالنشر لها، فأغلب أندية الدولة آنذاك كانت ملتزمة بالثقافة كنهج عمل ضمن برامجها ابتداء من مسمى النادي الذي كان يقرن الثقافي بالرياضي، وحرص أغلبها على تشكيل اللجان الثقافية وإصدار مجلة تُعنى بالشؤون الثقافية والرياضية، فاشتهرت مجلات مثل: النصر، الأهلي، الشباب، الزمالك التي كانت تصدر عن نادي الوصل، وفي بداية الثمانينيات: الذيد، ورأس الخيمة. مجلات الجمعيات النسائية هي أيضاً ساهمت في تلك المرحلة على تشجيع القراءة والكتابة، مثل مجلة (صوت المرأة) عن جمعية النهضة النسائية بالشارقة، ومجلة (العهد الجديد) التي تغير مسماها بعد ذلك إلى (الجيل الجديد)، عن جمعية أم القيوين، كذلك مجلات المدارس، والتي كانت تصدر بشكل فصلي، والمجلات التي كانت تصدر عن جامعة الإمارات وكلياتها المختلفة. ومجلات جمعيات النفع العام أوجدت فسحة للكتابة المتخصصة مثلما هي مجلة (شؤون اجتماعية) عن جمعية الاجتماعيين، ومجلة (شؤون أدبية) عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومجلة (عالم الهندسة) عن جمعية المهندسين، ومجلة (المعلم) في مرحلة ما، والتي كانت تصدر عن جمعية المعلمين، جميعها ساهمت في التشجيع على الكتابة والنشر للمواهب وللمتخصصين. صحف وإذاعات ما بعد ذلك، جاءت مرحلة الصحف، وهي التي تسيّدت واستمرت أكثر من ثلاثة عقود حتى جاءت ثورة التكنولوجيا وصرعة وسائل الإعلام الاجتماعي فسحبت طرف البساط وأحدثت شرخاً في مملكتها وسلطتها ليخفت وهجها كثيراً. في مرحلة الصحافة الورقية، وجدت وسائل الإعلام الأخرى، وساهمت في الحراك الثقافي مثل: الإذاعة، وتحديداً في برامج الشعر الشعبي وحلقات الفقه والحوارات المباشرة بين رجال الدين والجمهور، والقنوات الفضائية في برامجها الثقافية والتعليمية والجماهيرية وتغطياتها المعدودة وكذلك استمرارية المجلات، على الرغم من تقلص دورها المجتمعي وتأثيرها الثقافي واهتمامها بالنمط الاستهلاكي وتركيزها على الرياضة وفنون السينما والغناء. فكانت هذه الوسائل مكملة وأدوارها هامشية، مقابل المكانة التي احتلتها الصحف التي كانت هي الأكثر نجومية وطلباً واهتماماً، ودعماً للكتاب وللقراءة. فالجرائد، وتحديداً أقسامها الثقافية اهتمت بتشجيع الكتّاب والنشر لهم، فكانت هناك صفحة ثقافية شبه يومية في كل جريدة وهناك ملحق ثقافي أسبوعي كما هو مع: الاتحاد وملحقها (ثقافة وفكر)، والخليج (الخليج الثقافي)، والبيان والذي قدمته بمسميات مختلفة مثل (الملف السياسي) و(بيان الكتب) و(البيان الثقافي)، والفجر في ملحقها (فجر الشعراء) كذلك تجربة (كتاب في جريدة) وهو المشروع التنويري الرائد الذي دعمته اليونيسكو بالتعاون مع صحف عربية عديدة، واستمر لسنوات عدة، وشاركت بنشره جريدة الخليج في الإمارات، وأيضاً مشروع (الكتاب للجميع) في البيان بالتعاون مع دار المدى وعدد من الصحف العربية، وهو الذي كانت توزعه مجانا كل شهر مع الجريدة، وأيضاً مشروع الكتاب المطبوع الذي توزعه مجلة دبي الثقافية مع عددها الشهري. هذه الصحف اهتمت كذلك بإصدار كتب متخصصة أو إعادة طباعة مقالات أشهر كتابها أو الكتب المترجمة لتوزيعها وبيعها خلال معارض الكتب أو عند نقاط البيع أو مع موزع الجريدة. بعدها، خفت بريق الجرائد ونجوميتها، وظهر بسرعة ساحر جديد، جذب الجميع، وهو الإعلام الاجتماعي بوسائطه المختلفة ومستجداته التي لا تتوقف. فهل ساهم هذا العامل المتطور والضخم والمؤثر جداً على تشجيع القراءة وتنمية المواهب الإبداعية أم إنه كان سبباً كارثياً؟. الأوائل أول كتاب يسجله التاريخ لكاتب في الإمارات هو كتاب «طريقة المتّقين من كلام سيد المرسلين» للشيخ عبد الرحمن بن حافظ، وهو كتاب في الحديث تناول فيه بعض القضايا الشرعية، وكان ذلك في عام 1938. ومن أوائل الكتّاب: محمد سعيد بن غباش، عبدالله بن صالح المطوع، حميد بن سلطان الشامسي، محمد علي الشرفا، سيف بن محمد الشريف وراشد بن سلطان الكيتوب، وغيرهم. ومن الشعراء: سالم العويس، مبارك العقيلي، والشيخ مانع بن راشد آل مكتوم. وفي النشر الأديب والصحافي إبراهيم محمد المدفع الذي أسس صحيفة (عمان) عام 1927، وبعدها بحوالي خمس سنوات صحيفة (صوت العصافير)، وألحقها بصحيفة سياسية عنوانها (العمود).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©