الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا لا نقرأ؟

لماذا لا نقرأ؟
3 مارس 2016 05:15
إبراهيم الملا تطرح مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأن يكون (2016 عاما للقراءة) سؤالا ملحّا يدور في فضاء شائك وهو: «لماذا لا نقرأ»، ونقصد بالقراءة هنا، تلك القراءة الاختيارية، النابعة من الهوى والهواية والشغف، بعيدا عن القراءة الجبرية المتعلقة بمهنة ما أو تخصص معين، لأن القراءة في جوهرها النقي والمفتوح على هواء العالم، لا يمكن تأطيرها في حلقة ضيقة، كما لا يمكن أن نتحايل عليها بأعذار واهية، نحن من صنعها وروّج لها، أعذار مثل: التكيّف مع تحولات العصر، وتبدلات الزمن، ومجاراة تغير الأذواق، وسرعة تداول المعلومة، وضيق أفق الجيل الجديد، وهيمنة الوسائط البصرية، وغيرها من الأعذار التي احتلت وعي الكثير من القطاعات التربوية والثقافية وباتت بحاجة لتفكيك ومراجعة ونبش وتحليل. لماذا لا نقرأ، سؤال طرحناه على عدد من الأدباء والمثقفين والنقاد الإماراتيين، لعلنا نهتدي لطرف خيط يقودنا إلى تفعيل مبادرة رئيس الدولة، وتحويل القراءة إلى طقس ومنهج وسلوك يومي، يضيء مسارات وجودنا وحياتنا، ويعيد لنا ذاك الوهج الحضاري الذي تسرب منا ذات غفلة وذات ظلمة ظنناها عابرة، ولكنها أقامت فينا طويلا. القراءة ضحية العصر يرى الفنان والناقد الإماراتي علي العبدان أن الإجابة عن سؤال إشكالي مثل (لماذا لا نقرأ) تحتاج إلى تسليط الضوء على المجتمعات التي ينطلق منها هذا السؤال، كما تحتاج إلى فهم الظروف المحيطة بالأفراد، ومعرفة الوسائل التي تحقق لهم السعادة والاكتفاء الذاتي والروحي، ويقول: «إن تحقيق السعادة أو الرضا الشخصي لدى جيل الشباب على سبيل المثال وخصوصا في المجتمعات الاستهلاكية، قد يتمحور في عناصر الترفيه والمقتنيات الباهظة الثمن، وتزجية وقت الفراغ في أماكن يغلب عليها الطقوس الشكلية والبهرجة، فمثل هؤلاء الشباب لن تكون القراءة بالنسبة لهم وسيلة لتحقيق الذات، لأنهم حققوا الاكتفاء من خلال هوايات بديلة، وإيقاع مختلف، ووعي لا يتناغم مع فكرة الإنتاج، وإعادة الإنتاج كما هو الحال مع القراءة الجمالية والنوعية والمتعمّقة». ويضيف العبدان أن عدوى إهمال الكتاب والقراءة لم تعد حكرا على المجتمعات الاستهلاكية فقط، بل انتقلت إلى دول اعتادت أن تكون منتجة، حيث لاحظ في إحدى الدول الأوروبية أن ركاب المترو والقطارات باتوا منشغلين بهواتفهم الذكية أكثر من انشغالهم بقراءة الكتب أو الصحف، كما كان الأمر خلال العقود الماضية، ما يقدم دلائل مخيفة على أن القراءة أصبحت ضحية لضريبة العصر. واستطرد العبدان: «ولكننا رغم ذلك، لا يمكن أن نعمم نظرتنا التشاؤمية تجاه مستقبل القراءة، لأنها قد تجلب السعادة لأشخاص كثيرين لا نراهم ولا نعرفهم، ولأن القراءة المستقلة والمتحررة من قبضة التنميط الإعلامي أو الموجّه يمكن لها أن تجيب عن أسئلة الكثير من الحائرين عقائديا وسياسيا ووجوديا». ونوّه العبدان إلى أن مبادرة رئيس الدولة بتخصيص عام 2016 كعام للقراءة سيوسع المجال دون شك أمام الوعي الجمعي في المكان للتعاطي مع فعل القراءة كتطلع وطني نحو الارتقاء بالإنسان الإماراتي وترسيخ قيم التعايش والتسامح والتعارف وقبول الآخر ونبذ العنصرية والانغلاق والتشدد الفكري والعقائدي، ومن هنا كما أشار العبدان فإن مثل هذه المبادرات الكبيرة يمكن أن تزيح تدريجيا هذه العقبة الثقيلة المتمثلة في سؤال: «لماذا لا نقرأ». وعن معارض الكتب المقامة في الدولة ودورها في استعادة تقاليد القراءة، أجاب العبدان بأن معارض الكتب تدخل في سياق النشاطات الثقافية، ولها دور مهم هنا، ولكن الأهم ــ كما قال ــ هو الاهتمام بطرفي المعادلة وهما: الكتاب والمتلقي، فصناعة الكتاب تحتاج للجودة في العرض والتسويق، وصناعة المتلقي تحتاج لرؤى وخطط جديدة تتعلق بمناهج التعليم واستراتيجيات الإعلام وثقافة العائلة. وأوضح العبدان أن اهتمام القيادة الرشيدة في الإمارات بالشأن الثقافي عموما وبالكتاب على وجه الخصوص هو اهتمام مقدّر وله قيمته العالية في تعميم ثقافة القراءة، وقال إن إصدارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وإصدارات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ساهمت دون شك في استعادة وهج القراءة لدى طيف واسع من القراء الإماراتيين والمقيمين المهتمين بمجريات الحاضر وتحدياته، وبتحولات التاريخ المحلي وتفاصيله وبجماليات المسرح الواردة في هذه الإصدارات النوعية. وعن المقارنة بين الكتاب الإلكتروني والكتاب الورقي، أوضح العبدان أن فعل القراءة في هذين النوعين من الكتب هو فعل متشابه، ونتائجه تصب في معين مشترك وهو خدمة القارئ وخدمة الفضاء الثقافي عموما، مضيفا أن التطور التقني لا يعمل في المطلق ضد التعاطي مع الكتاب أو تشويش طقس القراءة، بل يمكن للتقنيات الحديثة أن تفيد هواة القراءة من حيث قدرتها على اختزال مكتبة كاملة في شريحة الكترونية صغيرة يمكن حملها إلى أي مكان، موضحا أن أحد الكتاب الشباب في الإمارات جمع تغريداته في تويتر وحولها إلى رواية مطبوعة استطاعت أن تستقطب الكثير من القراء. وختم العبدان بالإشارة إلى أهمية الدور الأسري في توجيه الأبناء إلى المزج بين الترفيه التقني وبين الوعي المعرفي، من خلال تشجيع الفئات العمرية الشابة على تخزين الكتب في أجهزتهم الذكية والعودة إليها بين وقت وآخر كي يظل نبض القراءة الخاصة والبعيدة عن المقررات الدراسية حاضرا ومتفاعلا مع إيقاع حياتهم اليومية. أبعاد عميقة أما الشاعر والروائي الإماراتي عادل خزام فيرى بداية أن المهتمين بالشأن الثقافي المحلي لاشك يقدرون ويثمّنون المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتخصيص عام 2016 عاما للقراءة في الإمارات، واعتبر خزام أن هذه المبادرة هي حجر أساس لترسيخ قيم بدأنا نشعر أنها تتلاشى وأصبحت شبه مفقودة في الكثير من المجتمعات وليس في مجتمعنا فقط، فالكل يتحدّث عن تغيّر العصر وتغير وسائل الاتصال وانقلاب مفاهيم القراءة وهجوم الصورة وهيمنة الفيديو على وسائل النشر الفكري والثقافي، واستطرد خزام قائلا: «إن جزءا من هذا التوصيف صحيح إذا ما وافقنا على هذه الفكرة، ورغم أننا لا يمكن لنا اليوم أن نطالب الأجيال الجديدة بالعودة إلى أشكال القراءة التقليدية، ولكن إذا نظرنا إلى الأبعاد العميقة التي تختزنها هذه المبادرة، سنجد أن القراءة لا تموت، والكلمة لا تزال موجودة ولا تزال تُنتَج ولا تزال تُكتَب بأقلام عظيمة في العالم، ولو تذكرنا الحكمة القديمة التي تقول: (قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت) لأدركنا أن القراءة ليست شكلا، إنما فعل يمارسه الإنسان طوال حياته لكي يظل يقظا، ولكي تظل الدهشة مرتسمة على عيونه أينما مضى». وأوضح خزام أن الفكرة الأساسية لهذه المبادرة هي استنهاض الطاقات الموجودة في مجتمع الإمارات لكي تعيد البوصلة باتجاه القراءة الحقيقية، مشيرا إلى أن هذا التوجه يستدعي أولا من المؤسسة الثقافية والمؤسسة التعليمية وأيضا من المؤسسة الاقتصادية أن تفعّل هذه المبادرة بطرح مجموعة من الحلول لإشكالية ضعف الإقبال على القراءة. وقال خزام: «أعتقد أنها مبادرة عظيمة إذا ما طبقت، وسيكون لها مردود بعيد المدى في تكوين الوعي وتشكيل ثقافة مطلوبة للأجيال، وأيضا ستخدم الجانب الآخر الفاعل في هذا الاتجاه وهو الكاتب والمبدع والمفكّر، والذي يحتاج إلى أن تكون هناك صناعة حقيقية لطباعة ونشر وترويج الكتاب، وليسترجع الكاتب مكانته، ليس لدى دور النشر فقط، ولكن في مناهج التعليم وفي الحياة الاجتماعية بشكل عام». وعن التحديات والطموحات الخاصة بهذه المبادرة، أجاب خزام بأن التحديات هي جزء من المغامرة والحلم لتعميم هذا المشروع الحضاري المهم، وأورد خزام بعض الاقتراحات مثل ضرورة تكاتف وانسجام المجتمع مع هذه المبادرة كونها تأتي من رأس الهرم القيادي في دولة الإمارات، وضرورة تجاوب وسائل الإعلام المختلفة مع هذه المبادرة من خلال طرح برامج توعوية تتناول الأثر الإيجابي للقراءة، وتشجع الأجيال الشابة للإقبال على الكتاب بمختلف أنواعه الورقية والإلكترونية. وأكد خزام أن هذا العمل المكثّف في الترويج لأهداف وطموحات المبادرة سوف يساهم دون شك في تعميق وعي الأفراد في المجتمع الإماراتي، لأنه إذا أصبح الكتاب هو أساس المعرفة ووسيلة مثالية للحصول على المعلومة، ومصدرا للإبداع والبهجة والخيال، فإن هذا الأمر سوف يغرس قيم كثيرة في مفاصل المجتمع وسينهض الاقتصاد وسترتقي المؤسسات المهنية وسيتطور التعليم وستتجاوز الوسائل الإعلامية المراحل الضبابية وستكون جلّ أطروحتها ذات قيمة جوهرية. ولفت خزام إلى أن هذه المبادرة ليس المعني بها فقط الكاتب والقارئ العادي ولكن المسئولين ومديري الصحف والمعلمين والأطباء والمهندسين، وأيضا الأسر التي ينبغي لها أن تؤسس مكتبات في البيت، وتعيد لهذا التقليد العريق قيمته ومهابته. وفي النهاية أشار خزام إلى أن القراءة المتنوعة والشاملة والحرّة هي المنقذ من الظلام والظلاميين، وهي التي تشكل وعيا مستقلا لمواجهة أصحاب الفكر الأحادي المتطرف والمتعصب والإقصائي، والذين وصفهم خزام بأنهم باعة الوهم والخراب. تشتت معرفي ويرى القاص الإماراتي الشاب محسن سليمان ــ عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ــ أن الإجابة على سؤال: «لماذا لا نقرأ» تحتاج إلى تفكيك الظواهر والعادات اليومية المحيطة بنا، خصوصا فيما يتعلق بجيل «التويتر والفيسبوك والآي باد» لأن الانشغالات الذهنية المسيطرة على هذا الجيل لا تقارن أبدا مع انشغالات جيل السبعينيات والثمانينيات وحتى التسعينيات، كما أن هيمنة وسائط الملتميديا التفاعلية ذات الإيقاع السمعي والبصري المتسارع، وشيوع السينما التجارية والفنون البديلة والاستهلاكية، جعلت من الكتاب الورقي مجرد ديكور منزلي جامد ومحايد ولا أثر حقيقيا له في التمنية الثقافية والفكرية لدى شريحة واسعة من هذا الجيل المغيّب والمشتت معرفيا. وأضاف سليمان قائلا: «ولكن المبادرات الكبيرة مثل مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة بتخصيص عام 2016 كعام للقراءة، يأتي في سياق إحياء الأمل ووضع رؤية مستقبلية لصنع جيل قارئ أو على الأقل متوازن وقادر على مواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية القادمة». ودعا سليمان إلى ضرورة تعاون كافة الجهات والمؤسسات الأكاديمية والحكومية والخاصة في تفعيل هذه المبادرة المشبعة بالطموح والحلم وحيازة أفق حضاري وثقافي مبهج للدولة، كما تمنى أن تبادر قطاعات التربية والتعليم في إدراج الكتاب الورقي والإلكتروني ضمن مناهج الدراسة، وتشجيع الطلبة على القراءة خارج المقررات الدراسية الإلزامية، من أجل تنويع مصادر المعلومة، وترسيخ الذائقة الجمالية لديهم، واستقطاب المبدعين والموهوبين من الطلبة في مجالات الأدب والفنون والمسرح والتشكيل وغيرها من المجالات التي تساهم في رقي وتقدّم المجتمعات فكريا ومعرفيا. وهج إصدارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وإصدارات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ساهمت دون شك في استعادة وهج القراءة لدى طيف واسع من القراء الإماراتيين والمقيمين المهتمين بمجريات الحاضر وتحدياته، وبتحولات التاريخ المحلي وتفاصيله الواردة في هذه الإصدارات النوعية. المنقذة من الظلام القراءة المتنوعة والحرّة هي المنقذ من الظلام والظلاميين وهي التي تشكل وعياً مستقلاً لمواجهة أصحاب الفكر الأحادي المتطرف والإقصائي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©