الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عائشة الهاملي.. تحلق فخراً باسم كل العرب في «الإيكاو»

عائشة الهاملي.. تحلق فخراً باسم كل العرب في «الإيكاو»
13 ديسمبر 2010 20:42
قررت عائشة الهاملي مبكراً أن تختصر أحلامها وعزمها على التميز دون أن تتخلى عن أنوثتها وطبيعتها، ودون أن تخلع “عباءة” القيم الإماراتية الأصيلة التي نشأت وترعرعت عليها، حتى وإن حلقت بطموحاتها بين السحب. اتخذت قرار أن تكون قائدة طائرة في مرحلة مبكرة، ما يؤكد تمتعها بسمات شخصية تؤهلها لذلك فضلا عن حظوتها بدعم أسري. تتمتع الكابتن طيار عائشة الهاملي بـ”كاريزما” من نوع خاص، أهلتها لتكون أول إماراتية، وأول عنصر نسائي يرشح لعضوية مجلس منظمة الطيران المدني الدولي، بل وأصغرهم سناً. وهي أول إماراتية تحصل على رخصة في الطيران التجاري من أكاديمية الطيران الملكية الأردنية في عام 2000 تقديراً لخلفيتها الأكاديمية المتنوعة في مجال الطيران المدني، وخبرتها العملية في قيادة الطائرات وسلامة وأمن الطيران، وعملها في خدمات النقل الجوي على المستوى الوطني والدولي، ونبوغها كضابط أول في التحقيقات والتشريعات، فضلا عن بروزها ككادر قيادي رفيع المستوى على صعيد العلاقات الدولية والدبلوماسية. إنجاز عالمي في إنجاز عالمي، انتخب مجلس منظمة الطيران المدني الدولي “الإيكاو” في مونتريال بكندا، بالإجماع، في نوفمبر الماضي الكابتن عائشة الهاملي، نائبا لرئيس المجلس للدورة السنوية 2010-2011، تتويجا لدورها الفاعل، وجهدها المتواصل مع اللجان الفنية المتخصصة، وحرصها الواضح على توثيق العلاقات في قطاع الطيران المدني بين الإمارات والعديد من الدول، إضافة إلى تمثيلها للمصالح العربية لدى “الإيكاو” بشكل مثمر، ومواصلة نجاحها المشرف في الحصول على ثقة أغلبية الدول الأعضاء في”الإيكاو” وإعادة انتخابها مجدداً في عضوية مجلس منظمة الطيران المدني الدولي. إلى ذلك، تقول الهاملي لـ”الاتحاد” “حرصت من خلال قيادة فريق المكتب التمثيلي للدولة لدى”الإيكاو” في الدورة الماضية على تحقيق دور بارز في تمثيل مصالح الدولة في قطاع الطيران المدني وتعزيز حضورها الدولي، وتأكيد التزام الإمارات بدعم معايير المنظمة وخططها في جوانب الأمن والسلامة والبيئة إضافة إلى تعميق الدور العربي في هذه المنظمة الدولية المهمة”. وتتابع “ربما كان صغر سني وكوني فتاة أمراً ملفتاً، لكنني أظن أنني أؤدي عملي بمستوى معين، وأقود فريق عمل إماراتي رائعا، فلم يكن عملنا مجرد وظيفة، وإنما حرصنا دائما أن يرتقي إلى مستوى الرسالة التي تحمل عنوان الوطن، وتحمل في طياتها كثيرا من الأعباء والمسؤوليات التي شرفنا بإبرازها بصورة مشرفة في المحافل الدولية بفضل ما نحظى به من دعم غير محدود من قيادتنا وحكومتنا الرشيدة”. مدللة في الأسرة تعود الهاملي بذاكرتها إلى بداية أحلامها الطفولية البريئة، تقول “ولدت وتربيت في كنف أسرة متحابة، من أب وأم يجمعان بين الحزم والحنان، وكنت البكر بين شقيق وشقيقتين، لذا كنت دلوعة الأسرة، وحظيت بعلاقة حب وألفة وود استثنائية من والدي، السفير الأسبق بوزارة الخارجية، وكانت طلباتي مجابة دائماً، وكنت أهوى الرسم والعزف على”البيانو”، وتربينا جميعاً على الالتزام والحرية المسؤولة والإحساس المبكر بمعنى القيم وكيف نكون عند ثقة الأهل بنا، وكنت طالبة نشيطة، وأتمتع بعلاقات جيدة مع صديقاتي في المدرسة، وأحببت الخروج والسفر مع الصديقات والأسرة، كل هذا لم يمنع من العقاب المعنوي إن بدر مني خطأ”. وتكمل الهاملي “كنت شغوفة باللعب بالطائرات الصغيرة، وكثيراً ما قضيت وقت فراغي بألعاب محاكاة الطيران، وتخيل نفسي أحلق بالطائرة في الفضاء، ولا أعرف لماذا قلت لوالدي ذات مرة أنني أحلم بأن أكون قائدة طائرة، ولم أكن أعلم أنه سيحتفظ بهذا الحلم ليضعه بين يدي في يوم من الأيام”. وتتابع “كنت لا أزال بالصف الثاني الثانوي، ولم أكمل العام السادس عشر من العمر، عندما اصطحبني إلى الأردن لألتحق بأكاديمية الطيران المدني هناك، واجتزت كافة الاختبارات اللازمة، ولا أنسى كيف كانت والدتي ترفض الفكرة خوفاً علي وعلى إمكانية استكمال دراستي، ورافقني والدي هناك لمدة ثلاثة أشهر، وعدت لإكمال دراستي الثانوية، وحصلت على أول منحة دراسية لتعلم الطيران الخاص عام 1998، ثم التجاري الآلي 1999، وأصبحت مدربة طيران عام 2000، بعدها التحقت بجامعة زايد وتخرجت من قسم العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية عام 2006”. لحظات خالدة حاولت الهاملي أن تستعيد مشاعرها عندما أغلقت عليها “كابينة” القيادة لتحلق بالطائرة للمرة الأولى وحدها ودون مدرب، فتقول “غالباً ما كنت أضحك عندما يصطحبني المدرب إلى “كابينة” القيادة، وأقول لنفسي “أنا أصبحت طيارة”، لكن عندما توجهت إلى مطار ماركا في العاصمة عمان، وصحبني الكابتن عادل عموس إلى “كابينة” طائرة شيروكي، انتابني شعور رهيب.. دوران.. خوف شديد..قلق.. قلبي يدق بسرعة كبيرة جداً..رجفة لا أعرف وصفها.. كنت مرعوبة جداً.. فالأصوات التي أسمعها تبدو أعلى من حقيقتها.. وصوت المحركات يبدو عالياً جداً.. لكن بمجرد أن أغلق الأبواب، وقال لي بالإنجليزية “good luck” (حظا موفقا)، أخذت أقرأ آية الكرسي، لأهدئ من روعي، وراجعت المعلومات أمامي، وتحدثت إلى المراقبين. وتذكرت طموحاتي وأحلامي وإصراري على النجاح.. وتوكلت على الله.. ووجدت نفسي أطير معلقة بين السماء والأرض.. فودعت الخوف والرعب.. وركزت في الدوران والهبوط والتحليق السريع إلى أعلى.. وهكذا مرت الدقائق لأستعد للهبوط.. وتذكرت أن أبي ينتظرني.. وهبطت بسلام.. وكانت لحظات لا تنسى”. وعن ذكرياتها عندما قادت الطائرة للمرة الأولى وعلى متنها ركاب، تقول الهاملي “أتذكر تماماً أحد أيام يناير 2003 عندما عملت في طيران أبوظبي، واكتشف ركاب الطائرة المتجهة إلى جزيرة داس وعددهم 37 راكباً، بعد أن أخذوا أماكنهم، أن قائد الطائرة التي ستقلهم فتاة لم تتعد العام الواحد والعشرين، فانتابتهم حالة من الخوف والتردد، ويبدو أنهم لم يتخيلوا ولو للحظة أنه من الممكن أن أقود بهم الطائرة، وراحوا يصلون ويدعون الله أن يكتب لهم سلامة الوصول، واضطروا إلى الرضوخ للواقع، ولزموا أماكنهم وتعالت تمتمات دعواتهم في الإقلاع والتحليق والهبوط، وتمت الرحلة بنجاح ولا زلت أضحك كثيراً عندما أتذكر تعليقاتهم ومخاوفهم”. سمات شخصية حول مدى تعارض مقومات الطيار مع صفات الأنوثة، تقول الهاملي “لا أعتقد أن هناك تعارضاً بين طبيعة الأنوثة والعمل في مجال الطيران، الأمر يتعلق بسمات عامة للشخصية إن كانت ذكراً أم أنثى، ومن المؤكد أن هناك اختبارات نفسية وطبية عديدة على الطيار أن يجتازها خلال مرحلة التعلم، لكن هناك كثيرا من المهن تتطلب قدرات وسمات خاصة جداً في الشخصية، منها حب المهنة، والميل إلى المغامرة، القدرة على اتخاذ القرار، وتوقيته، وعدم التردد، والثبات، والحفاظ على الاتزان الانفعالي، والمعرفة اللازمة، والإلمام بالمعارف والسياسات والنظم والقوانين واللوائح المهنية التي تنظم العمل، إلى جانب ضرورة التقيد بالمغامرة المحسوبة، والتسلح بالمعرفة والحسابات المرتبطة بالعمل، والحذر المحسوب، فقائد الطائرة لا يفكر في نفسه وحسب، فهو مسؤول عن سلامة أناس غيره، وعلى قائد الطائرة قبل إقلاعه أن يدرك جيداً أين يقف، وإلى أين يتجه، وما الوقت المتاح أمامه، وكيف هي حالة الطقس والعوامل الجوية المحتملة، وما هي الأدوات والظروف المحتملة والمتوقعة للتأثير على عمله سلباً وإيجاباً”. وحول سماتها الشخصية، تقول الهاملي “أرى نفسي حذرة للغاية، ومنظمة، هادئة وغير متهورة، وأحرص على أن أخطط لنفسي كل خطوة أخطوها، وأدرك جيداً قيمة الوقت، ولست عنيدة، ويقولون عني إنني صاحبة عقل متفتح للرأي الآخر والحوار، وعلاقتي بأفراد أسرتي قوية وإيجابية، وأظن أن أبي يمتلك مفتاح شخصيتي، والعلاقة بيننا قوية جداً، فنحن أصدقاء، والثقة عنوان مشترك بيننا”. جوانب خفية عما إذا كانت الهاملي تعيش أحلام وحياة باقي الفتيات في مثل سنها، تقول “مهما حلقت، ومهما وصلت لا يجب أن أنسى أنني فتاة إماراتية وعربية بكل ما تحمل الكلمتان من معانٍ، منذ كنت طفلة أدرك أن سعادتي ونجاحي وغايتي أن أكون عند حسن ظن أبي وأمي اللذين منحاني ثقتهما، ولم أشغل نفسي بما يشتتني عن الوصول إلى أهدافي، وأحاول أن أكون متوازنة في كل مناحي اهتماماتي وحياتي، وأتذكر أنني عشت سنوات عمري ما بين العمل والدراسة فقط”. وتضيف “ألعب كرة السلة والتنس الأرضي، وأعزف الموسيقى، وإذا سألتني عن العادات والتقاليد سأقول لك لا أعرف عنها سوى ما تعلمته من أبي وأسرتي، والخطوط الحمراء هي التي حددها لي والدي منذ الصغر، ولا أتعداها، ولا أتذكر أنني أغضبت أهلي يوما ولو بغير قصد، لا أدعي المثالية، لكن تلك هي الحقيقة”. وعن حلمها ببيت الزوجية، تجيب الهاملي “أعرف أن هناك نوعٌ من الرجال يخشون الاقتراب من الناجحات، أو ممن يتصفن بقوة الشخصية، أو تلك التي تمتهن عملاً ذا طبيعة خاصة، إنه أمر يتعلق بالتعليم والنشأة والثقافة وبالشخصية نفسها، وهناك من يرفع شعار “ممنوع الاقتراب” من هذه النماذج، وهذه ثقافات وقناعات خاصة، لكنني لا أعير اهتماماً لها، وإن كنت أحترمها، وأنا أخطط لحياتي فيما هو تحت سيطرتي، أما هذا الأمر فأتركه للنصيب، ولا أعرف ماذا يحمل لي القدر، فالمهم أن يكون رجلاً قوياً بعلمه وثقافته وحكمته وشخصيته، وأن يتقبلني كما أنا، فالحكمة التي أؤمن بها دائماً، وكانت السر وراء نجاحي في هذا المشوار، قول الحق تبارك وتعالى “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”. الحسد موجود ينتاب عائشة الهاملي مشاعر السعادة كلما أتيحت لها الفرصة أن تسمع كلمات الإطراء والإعجاب من الناس عندما يتصادف وجودها بينهم في مكان عام، وتقول: “أنا إنسانة بسيطة للغاية، أنا ابنة الإمارات، وأسعد كلما إلتقيت بمواطن إماراتي أو شخص عربي في الخارج أو هنا، فكلمات الإطراء تزيدني فخراً بما حققت”، وعن الحسد، تقول عائشة: “ الحمد لله .. عملي قربني كثيراً من الخالق سبحانه وتعالى، وأنا دائماً قانعة بقوله تعالى:”قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، والحسد موجود، لكنني دائما أتسلح بقراءة القرآن، وقراءة المعوذتين وآية الكرسي قبل الطيران، وفي كل وقت، وقناعتنا بالقضاء والقدر جزء مهم من عقيدتنا الدينية”. إيمان عميق أشارت الكابتن عائشة الهاملي إلى ما تحظى به المرأة الإماراتية من قبل القيادة الرشيدة من دعم ورعاية مما أتاح وفتح أمامها آفاقا ومجالات عديدة للدراسة والعمل والإبداع في كافة مجالات الحياة، وهذا نابع من إيمانها العميق بقدراتها وإمكانياتها. فالمرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت مؤهلة للعمل في كافة المجالات ولتولي كافة المناصب القيادية في الوزارات والمجلس الوطني والقضاء وغيرها من أعمال ومهام كانت مقصورة على الرجل• وأكدت الهاملي أنها لا تنسى التشجيع الكبير الذي تلقته من رؤسائها ومحيطها عندما التحقت بالعمل في إحدى شركات الطيران في الدولة مباشرة بعد تخرجها من الأكاديمية الملكية الأردنية للطيران في عام 2000، وهو ما أثار دهشة زملائها في العمل من الجنسيات الأوروبية والكندية، وأنها فخورة بما حققته المرأة الإماراتية من مكاسب وإنجازات، وعليها أن تتمسك وتصون وتدافع عن هذه المكاسب بالمزيد من العمل والإصرار والتحدي لطرق جميع الفرص والمجالات. محمد الهاملي: بكيت عندما حلقت ابنتي بالطائرة للمرة الأولى يستعيد محمد الهاملي، السفير الأسبق بوزارة الخارجية، الأيام التي رافقت أحلام طفولة ابنته عائشة، ومشوار نجاحها الكبير، ويقول “كانت عائشة دائماً أقرب الأبناء والبنات إلى قلبي، ربما لأنها البكر، ولم أرد لها يوماً طلباً، من يومها كانت مثالاً لدماثة الخلق والامتثال والطاعة والجدية، فلا وقت عندها للعبث، أو للأمور التي تشغلها عن واجباتها، ولعلها قضت سنوات عمرها ما بين الدراسة والعمل الجاد، ولازلت أتذكر عندما دخلت البيت في ليلة ما، وكانت لم تتعد عامها الرابع عشر، وقد تسلل إلى مسامعي عزف جميل ينبعث من غرفتها، واكتشفت أنها تعزف على آلة العود، فشجعتها على دراسة الموسيقى، واشتريت لها ما طلبت، وأهديتها “جيتاراً” تشجيعا لها”. ويتابع “لكنني لم أنس حلمها بأن تصبح قائد طائرة، وعزمت أن أحقق لها هذا الحلم، فاصطحبتها إلى الأردن للالتحاق بأكاديمية الطيران المدني وهي لم تكمل عامها الخامس عشر، رغم خوف أمها عليها، ولن أنسى دموعي عندما حلقت بمفردها لأول مرة بين السماء والأرض في اختبار التخرج، وكان البكاء فرحة ممزوجة بالخوف والفخر، ولا أنسى حفل تخرجها وتسلمها الشهادة، إنه شعور لا يوصف، قلت لنفسي لحظتها: “إنها ليست النهاية .. بل إنها بداية المشوار.. لقد حان الوقت لأحصد ما زرعت”. ويكمل الهاملي “لا أنسى فرحتي الكبرى عندما اختيرت عائشة لتكون ممثلة عن الإمارات والعرب في منظمة الطيران المدني الدولي، لتكون نائبة للرئيس، لا أستطيع وصف السعادة التي عشتها اعتزازاً وفخراً بابنتي وهي تزين صدرها بعلم بلادها في المحافل الدولية، وقد أصبحت مثار فخر واعتزاز لكل فتاة وامرأة إماراتية أو عربية، وإنني كإماراتي وعربي أفخر بما وصلت إليه من نجاح، واستطاعت ابنتي أن تمثل بلادها تمثيلاً مشرفاً، وأن تكون بحق تكون عنواناً مشرقاً للفتاة العربية في النجاح والتحدي وإثبات الذات دون أن تتخلى عن قيم الأصالة التي تربت عليها”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©