السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

جنرال الكرة والقلوب

7 سبتمبر 2012
قرأت ذات مرة، أنه كلما رحل عنا مفكر، إلا واحترقت مكتبته، ومع رحيل المدرب العربي والمصري محمود الجوهري تكون شمعة قد انطفأت، تكون ذاكرة قد طويت، ونكون قد فقدنا مرصداً من مراصد الإبداع. عدا الحزن الذي يخترق قلوبنا، ونحن نودع رجلاً كان بيننا قوي الأثر، نستأنس برأيه الفني الذي بلغ مرحلة من الرجاحة، ونتعلق بذاكرته لنوحد ما يمكن أن يربط حاضرنا الكروي المثقل بالهواجس، بماضينا العامر بالنبض الجميل، عدا الدموع الساخنة التي ترسلها المآقي من شدة لوعة الفراق، فإن جلل الخطب يكمن في أن محمود الجوهري، كان يمثل لكرة القدم العربية، قبل المصرية التي أعطاها زهرة شبابه، وقبل الأردنية التي أعطاها خلاصة فكره، خيمة كبيرة تحتضن كل التيارات وكل الحساسيات، وتصدر فكراً كروياً منفتحاً ومتفتحاً، يؤمن بأن لكرة القدم العربية هوية لابد وأن تدافع عنها. الذين هم من جيلي عرفوا فقيد الكرة العربية محمود الجوهري مدرباً، يتمتع بشخصية نافذة، وحضور وازن في معترك الفكر الرياضي، وعرفوه منظراً يحتكم في الغالب إلى التجربة المعاشة ليصدر أحكاماً أبداً لم يقل عنها بأنها أحكام قيمة، وقرأوا عنه في كتب التاريخ أنه كان مهاجماً أنيقاً لقب بثعلب المساحات، فأبدا لم يمنعه قصر قامته قياساً بما نعرف عنه المهاجمين من طول فارع، من أن يكون هداف بطولة أمم أفريقيا مع منتخب مصر في دورة 1957. ولم يكتب لغيره من لاعبي ومدربي أرض الكنانة أن يفوز بلقب كأس أمم أفريقيا لاعباً ومدرباً كما كتب له هو، وقطعا ليس هناك مدرب ينافس الجوهري في روعة ما صنع غير المعلم حسن شحاتة الذي قيد له أن يقود الفراعنة إلى الفوز بثلاثة ألقاب متتالية لكأس أمم أفريقيا. وعندما نقول إن برحيل محمود الجوهري تكون الكرة العربية عموما والكرة المصرية تحديداً قد فقدت جنرالاً في استراتيجية وحكمة وقيادية كبار الفاتحين، فإننا نركن في ذلك إلى ما كان في فلسفة محمود الجوهري الكروية، فلسفة تقوم على الخلق والإبداع والتميز. فلسفة تؤمن بالمطابقة ولا تنحاز كلياً إلى الاستنساخ، لذلك كان المرحوم الجوهري صاحب رؤى فنية أصيلة، متشابكة ومندمجة، وفلسفة تتمتع بحصانة قوية ضد تجاوزات النقد حتى العنيف منه، فأبدا ما تأثر فكر الجوهري ولا اهتزت فيه شعرة واحدة أمام كل عمليات السلخ الإعلامي الممنهجة. ظل المرحوم الجوهري قويا بفكره، شامخاً بثقته في قدراته، فمات مثل المبدعين واقفا كالأشجار. رحم الله محمود الجوهري وجزاه عنا خيراً، فقد كان جنرال الكرة والقلوب. drissi44@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©