الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجريمة والهوية: دروس 11 سبتمبر

20 سبتمبر 2011 01:03
في بعض الأحيان نجد البصيرة من حيث لا نتوقعها. وقد ظهرت فى الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، مجلدات من التعليقات والتحليلات حول تلك الأحداث، بحثاً عن معنى لليوم الرهيب وسنوات الحرب والنزاع العشرة التي تبعته. إلا أن الفكرة الأكثر تأثيراً في كل ما قرأت وتابعته حتى الآن حول تلك الأحداث، إنما أتت في سياق حوار غير متوقع أجريته خلال غداء عمل قبل شهور قليلة. كان الغداء لقاءً في وسط مدينة واشنطن العاصمة مع منظمة إعلامية كانت مهتمة بإنجاز مادة تحليلية حول فيلم أنتجته شركتي حول الرأي العام في العالم الإسلامي. ومن خلال حديثنا الأولي التعارفي، علمت أن جليستي على الغداء مسلمة، وهي أصلاً من البوسنة التي تركتها أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة خلال تسعينيات القرن الماضي. تحدّثنا معاً خلال معظم فترة الغداء عن فيلمي الذي يحمل العنوان: "داخل الإسلام... ما يفكر به مليار مسلم في الحقيقة". كانت الصحفية البوسنية الأصل مندهشة إلى حد كبير، ومستاءة نوعاً ما، عندما علمت أن الكثير من الناس يشكّون في النتائج التي أظهرت أن الغالبية العظمى من المسلمين في العالم يرغبون بالعيش تحت نظام حكم ديمقراطي حديث. وقد عبّرت لجليستي عن رأيي قائلاً إن مصدر ذلك الشك، والذي يعود بدرجة كبيرة إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، كان عبارة مجازية مفادها أن المسلمين يكرهون الديمقراطية والحرية والتقدم. هذا التصوير النمطي هو طبيعة بشرية ميالة إلى وضع الآخرين في خانات صلبة لا تتغير ولا تتبدل. وقد أدى ذلك بالصحفية البوسنية الأصل إلى أن تخبرني بالمزيد عن تجاربها الرهيبة أثناء الحرب في البوسنة، وكيف أُجبرت عائلتها على ترك جميع ممتلكاتهم. نسيت انتقادي للتعميمات العفوية الذي عبّرت عنها قبل بضع دقائق، وسألتها ما إذا كان "الصرب" هم الذين أخذوا بيتها. فكّرت لبرهة من الزمن ثم أجابت قائلة: لا، ليس الصرب. كان رجلاً معيناً. كان صربياً بالتأكيد، كما شرحت لك، لكنه كان فرداً على كل حال. كان له اسم، وقام هو نفسه بعملية الاستيلاء، وليس الشعب الصربي بأكمله هو من قام بذلك أو هو من تسبب لنا بالأذى. وبينما هي مستمرة في الحديث، خطر لي أنه بالنسبة للأمور العديدة التي قيلت عن واقعة الحادي عشر من سبتمبر، لم يكرَّس سوى القليل لهويات الرجال التسعة عشر الذين قاموا بذلك العمل الرهيب. نحن نتذكر بن لادن، لكن الذين قاموا فعلاً بالهجمات لهم أسماء كذلك. كان لكل منهم وصف وتعريف يخصّه، وحوافز مختلفة للانضمام إلى المؤامرة التدميرية. كان بعضهم متديناً، وبعضهم أقل تديناً على ما يبدو. كان لبعضهم حوافز سياسية مختلفة، وقد تصرف البعض نتيجة لولاءات شخصية أو انتماء لتنظيم "القاعدة". إلا أن معظم الطروحات التي تبعت ذلك الحدث تم تأطيرها بتعابير واسعة مثل "العالم الإسلامي" والغرب والعرب والإسلام وصِدام الحضارات، كأنما هؤلاء، والذين يصل عددهم إلى مليار شخص، هم فعلاً من قاموا بتلك الأعمال الإجرامية ومن ثم فهم يتحملون مسؤولية الدماء المسفوكة والضحايا الذين قتلوا أو جرحوا! أتخيل أن هؤلاء الرجال التسعة عشر كانوا يفكرون وفق تعابير من هذا القبيل عندما انطلقوا للقيام بجريمتهم الجماعية يوم الحادي عشر من سبتمبر. استبعد أن يكونوا قد فكروا بالهويات الفردية للذين كانوا ينوون قتلهم عندما وجهوا تلك الطائرات نحو المباني وقرروا القضاء على كل من فيها وكل من على متن الطائرات المدنية المستخدمة في الهجوم. ومن المؤكد أيضاً أن أندرس بهرينغ بريفيك، الرجل الذي قتل 77 شخصاً في النرويج صيف العام الجاري، كان يفكر بهذا الأسلوب. لقد ذكر في بيانه بوضوح أنه كان يحاول إنقاذ الحضارة الغربية من خلال العمل الدموي الذي قام بارتكابه. كيف استطاع إذن أن يقتل الأطفال والأشخاص المدنيين دون تمييز في مخيم صيفي؟ كانت حماية الحضارة الغربية كذلك هي ما أشار إليه قادة صرب معينون عندما أمروا بالقتل الجماعي للرجال والنساء والأطفال المسلمين في البوسنة. وتكفي تصرفات مثل هذه لجعل المرء متشائماً إلى حد بعيد حيال أي ادعاء حول المثل العالية جميعها. لكن كلما تكلمت زميلتي على الغداء، أصبح من الواضح أن السبب في عدم إلقاء لومها على شعب بأكمله نتيجة لأعمال قلّة منهم، هو بالذات ديانتها، حيث أن جزءاً كبيراً من رسالة الإسلام الأخلاقية هي المسؤولية الفردية. ببساطة يجب ألا يعتبر أي شخص الأبرياء مذنبين نتيجة لجرائم آخرين. وهذا الإدراك الضمني بالذات هو ما كان يرشد تفكيري حول هذه النقطة. ويشكل تأكيد الحضارة الغربية على المسؤولية الفردية دعماً لهذه الفكرة الأساسية نفسها. ومن هنا فإليكم الدرس الشخصي الذي أملكه حول الحادي عشر من سبتمبر: يُقصَد بالدين والحضارة أن يرفعانا فوق الطبيعة البشرية. إلا أنهما ليسا على مناعة منها، وقد يتم ارتكاب العديد من الجرائم باسمهما أحياناً. ويحتاج الأمر إلى الآخرين لإنقاذ تلك القيم والمطالبة بها وتجديدها مرة أخرى، أو مشاهدتها على الأقل بهدوء في قلب الإنسان، وربما التشارك فيها بأسلوب غير متوقع. يتوجب على كل منا أن يقرر وجهته على هذا الدرب؛ هل نحو الرقي الحضاري والإنساني، أم نحو العودة إلى البربرية وعهود الانحطاط والتناحر! ألكساندر كرونيمر صانع أفلام وثائقية وكاتب يعيش في واشنطن ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©