الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أردوغان في دول «الربيع العربي»... ترويج للنموذج التركي

أردوغان في دول «الربيع العربي»... ترويج للنموذج التركي
20 سبتمبر 2011 01:03
إذا أخذنا في الاعتبار الجماهير الحاشدة التي خرجت للترحيب والهتاف باسم رجب طيب أردوغان إبان زيارته لمصر وليبيا، هذا الشهر، فإن المرء يمكن أن يلتمس لنفسه العذر إذا ما اعتبره "نجم روك". ليس هناك من صورة أكثر دلالة على تنامي النفوذ التركي في المنطقة، من صورة أردوغان وهو يشبك يديه بأيدي قادة "المجلس الوطني الانتقالي" أثناء صلاة الجمعة في العاصمة الليبية طرابلس. في خطبة الجمعة قال الإمام "سالم الشيخ" أمام عدة آلاف احتشدوا لأداء الصلاة في ميدان الشهداء، وكان الرئيس التركي يقف في الصف الأول من المصلين إلى جانب مصطفي عبد الجليل زعيم المجلس الوطني الانتقالي الليبي:"بعد حمد لله وشكره نشكر صديقنا رجب طيب أردوغان كما نشكر الشعب التركي بأسره". وأضاف الإمام في موضع آخر من خطبته:"إننا نشبك أيدينا بأيدي الشعب التركي ونقول له إننا لن ننسى أبداً ما فعلته لأجلنا". وقد رد رئيس الوزراء التركي على هذا الاحتفاء والثناء الحار بنفسه، وذلك عندما حول صلاة الجمعة - بعد الانتهاء من أداء شعائرها بالطبع - إلى تجمع حاشد كان المشاركون فيه يحملون الأعلام التركية جنباً إلى جنب الأعلام الليبية. قال أردوغان:" إن تركيا سوف تحارب إلى جانبكم حتى تحققوا النصر الكامل". وقال أيضاً:"لقد أثبتم للعالم أجمع أنه لا شيء يمكن أن يحول بين الشعب وبين ما يريده ويصبو إليه". يمكن لنا بناء على كل ذلك أن نقول إن زيارة أردوغان لدول"الربيع العربي" قد حققت نجاحاً باهراً، بعد أن نجح رئيس الوزراء التركي في تسويق تركيا كنموذج ديمقراطي ناجح لإخوانه من المسلمين الذين أطاحوا بحكامهم المستبدين. فباعتباره زعيماً منتخباً يحكم دولة مسلمة، وديمقراطية مزدهرة، يصور أردوغان نفسه على أنه في موقع فريد يسمح له بتشجيع الانتقال المنظم من الأوتوقراطية إلى الديمقراطية، وهو انتقال سيكون قادراً على كبح جماح الجماعات الإسلامية المتطرفة التي أطلقها "الربيع العربي" من عقالها. على الرغم من أن رسالة "أردوغان" عن الديمقراطية العلمانية قد تجد صدى طيباً في الغرب، فإن الأسس التي تقوم عليها مكانته المتنامية تقلق زعماء الولايات المتحدة. فبعد أن ازداد نفوذ حزبه ذو الجـذر الإسلامية، بدأ "أردوغان" يتخذ موقفاً صلباً ضد إسرائيل التي يتهمها بقمع الشعب الفلسطيني واضطهاده وانتهاك القانون الدولي بما تقوم به من أفعال. بعض المراقبين يقولون إن أردوغان بما يفعله، وما يدلي به من تصاريح معادية لإسرائيل قد يعرض نفسه لخطر النزاع مع الغرب، ولكن آخرين يقولون إن الوضع ليس كذلك، وأن الحقيقة هي أن "أردوغان" يقدم نمطاً من القيادة الإسلامية التي ستُحسن الولايات المتحدة وأوروبا صنعاً إذا أولتها اهتمامها. حول هذه النقطة يقول "جوكهان باسيك" رئيس مركز أبحاث الشرق الأوسط بجامعة زيرفي التركية:"نحن في العالم الإسلامي في مسيس الحاجة إلى صوت ثابت ويعتمد عليه، يتحدث عن العلمانية والإسلام في ذات الوقت. وفي اللحظة الحالية فإن الشخصية الوحيدة التي تستطيع القيام بذلك هي شخصية تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان". ويضيف"باسيك": "إنه يقدم رسالة ليس للشرق الأوسط فحسب، ولكن للغرب أيضاً، رسالة يقول فيها إنه على الرغم من قلق دوله بشأن تركيز تركيا على الإسلام فإن تلك الدول يجب ألا تنسى أنه - أردوغان - يبشر بالعلمانية في دول الجوار". ومن المعروف أن حزب "العدالة والتنمية" ذا المرجعية الإسلامية تحت قيادة أردوغان، يقدم نفسه على أنه الحزب الذي تمكن من عقد زواج دائم بين الإسلام من ناحية، والديمقراطية من ناحية أخرى. في الانتخابات التي جرت في شهر يونيو الماضي حقق حزب "العدالة والتنمية" انتصاراً كاسحاً على باقي الأحزاب المنافسة، وتمكن من تأمين الاستمرار في الحكم لفترة ثالثة. وقد تمكن أرودغان وحزبه من استغلال نفوذهما المتزايد داخل الوطن، في تحفيز نمو اقتصادي سريع، وإضعاف قبضة الجيش الصارمة على الحكم، وهو الجيش الذي كان قد اعتاد على إقصاء الحكومات التي لا تروق له على مدار الأربعين عاماً الماضية وذلك قبل أن يأتي حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002. وتشير الإحصائيات إلى أن اقتصاد تركيا قد نما العام الماضي بنسبة 8.9 ليصبح بذلك ثاني أسرع الاقتصادات نمواً في مجموعة الدول العشرين الكبرى. وفي شهر يوليو الماضي قدم معظم كبار القادة العسكريين استقالتهم، وكان من بينهم رئيس هيئة أركان الجيش التركي "إسيك كوسانير" بالإضافة إلى قيادات أسلحة الجو والبحر والبر، احتجاجاً منهم على اعتقال نحو 250 ضابطاً تركياً بتهمة التآمر ضد حكومة أردوغان. وقال "كوسانير" في ذلك الوقت إنه غير قادر على الاستمرار في منصبه ولذلك لعجزه عن حماية حقوق رجاله الذين اعتقلوا. ويقول المراقبون إن ما حدث يعتبر بمثابة مؤشر واضح على انتهاء سيطرة الجيش على الحكومات المدنية في تركيا حيث كان الجيش في السابق يضغط على الحكومات حتى يجبرها على الاستقالة، أما الآن فإن العكس تماماً هو الذي يحدث. يقول "كنجيز اختار" استاذ العلاقات الدولية في جامعة "باهسيسهير" في أسطنبول:"إن تركيا تقدم نموذجاً منافساً للأنظمة القائمة على الشريعة التي تتبناها بعض الجماعات الإسلامية، التي تتنافس من أجل الحصول على النفوذ في العالم العربي في الوقت الراهن".في كلمة له يوم الثلاثاء الماضي، أدلى به خلال أحد البرامج الحوارية في القاهرة قال "أرودغان" موجهاً كلامه للمصريين:"لا تخشوا من العلمانية. فالدولة العلمانية لا تعني أن الناس ملحدون. وإنما تعني الاحترام لكافة الأديان وحرية كل فرد في ممارسة طقوس دينه". ورسالة أردوغان عن العلمانية قد تلقى ترحيباً في الغرب، ولكن هناك أجزاء أخرى في أحاديثه المطولة تجعل الكثيرين في واشنطن يلوون وجوهم امتعاضاً. من ذلك مثلاً أن أردوغان دعا الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الخطاب الذي ألقاه في الجامعة العربية عندما قال"دعونا نرفع العلم الفلسطيني، ودعونا نجعل من هذا العلم رمزاً للسلام والعدل في الشرق الأوسط". ومن المعروف أن فلسطين والدعوة لحصول الفلسطينيين على حقوقهم السليبة يمثلان المحك أو جواز المرور لأي زعيم إسلامي يسعى لتعظيم نفوذه الإقليمي. وقد جاءت كلمات أردوغان عن فلسطين بعد أن قطع علاقات بلاده مع حليفته السابقة إسرائيل، وطرد سفيرها، وأنهى العمليات المشتركة مع جيشها، وتعهد بإرسال دوريات تركية بحرية في شرق المتوسط، بل والذهاب للحرب إذا دعت الضرورة لذلك. ويرجع هذا الموقف من جانب أردوغان تجاه حليفته السابقة لفترة طويلة من الزمن، إلى رفض القادة الإسرائيليين الاعتذار عن الغارة التي شنتها قوات الكوماندوز الإسرائيلي على السفينة التركية "مافي مرمرة"، التي كانت متجهة نحو غزة لتخفيف الحصار المفروض عليها، والتي نتج عنها مصرع تسعة من النشطاء الأتراك. ولكن"اسلي إيدينتاباس"، كاتب العمود في جريدة "ميليات" التركية اليومية يقول: على الرغم من حقيقة أن النزاع مع إسرائيل مدفوع -جزئياً- بدوافع الأيديولوجيا والانتهازية، إلا أن هناك عاملًا مهما يقف وراءه إلا وهو رغبة تركيا في توسيع دائرة نفوذها الإقليمي. الكسندر كريستي ميلر - أسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©