السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

فيتنام كائن خرافي نصفه يـطير والآخر يـدبّ عـلى الأرض!

15 ديسمبر 2006 01:10
الاتحاد - خاص: لأنها تقفز اقتصادياً بشكل مذهل، يطلقون على فيتنام تسمية ''الصين الصغرى''، وإن كانت أقل تحفظاً من الصين في التغييرات السياسيّة وبالرغم من ذلك تُوصَف هذه البلاد التي لم تلتئم جراحها العسكرية بعد بأنها ''حيوان خرافي'' نصفه ''الاقتصادي'' يطير، ونصفه ''السياسي'' يدبّ على الأرض·· الحزب الشيوعي لم يعد قرمزياً· تحوّل إلى البرتقالي، وثمة 500 صحيفة تستطيع أحياناً أن تُسقِط وزراء، ودون أن يحميها ذلك من التعطيل· فيتنام أصبحت في 7 نوفمبر 2006 عضواً رسمياً في منظمة التجارة العالمية، يلقي هذا التقرير الضوء على ''النمر بالجلد الأحمر'' أو ''البرتقالي'' الذي يتقدم نحو الصفوف الأولى: ''لكأنك أمام حيوان خرافي، نصفه يطير والنصف الآخر يدبّ على الأرض''· أجل، أجل، الاقتصاد يطير فعلاً في فيتنام، كما تقول ''وول ستريت جورنال''· أما السياسة فتتغيّر ببطء، ولكن، بالتأكيد، بوتيرة أعلى من الصين، وحيث يحكى عن الحزب الشيوعي أنه الصندوق الأحمر أو''الأسود'' داخل التنين·· الذين كان يطلق عليهم لقب ''صائدي الفراشات''، أي أولئك الذين كانوا يصطادون القاذفات ''بي ـ ''52 العملاقة، تحوّلوا إلى ''ظواهر رأسمالية''، لا تناقض أيديولوجياً بين صورة هو شيه منه أو ما تبقى منها، وبين إعلان بالنيون الأزرق للبيبسي كولا في دكان ''غوان مين وانغ'' الذي تتصدّر دكانه شهادة تقدير من الجنرال جياب· هذه ذكريات قد تكون جميلة فعلاً، ولكن حينما تتحدث إلى وانغ تراه يستغرب ''لماذا كان الأميركيون يحاربوننا؟''· هذا ما داموا يملكون كل شيء ''ونحن لم نكن نملك شيئاً''· عموماً هو انه الآن في الرابعة والخمسين، يقول إنه سعيد لأن الفيتنامي اعتاد على شظف العيش، لكن الوضع الاقتصادي يتحسّن، هذا ينعكس عليه، باستطاعته أن يأكل أي شيء، وأن يصطحب زوجته الثالثة، لأن الزوجة الأولى قضت خلال غارة جوية، والثانية تركته دون سبب واضح وتزوجت سائق تاكسي، إلى مطعم على إحدى التلال مساء الأحد، لا يملك سيارة، ويفاخر بأنه ما زال يحتفظ بالدراجة الهوائية التي أهداه إياها الحزب منذ ثلاثين عاماً أو أقل بقليل· أفلام عربية رانغ كان مثقفاً حزبياً، وكان يعرف أن النجمة الهوليوودية ''جين فوندا'' كانت تقود التظاهرات ضد الحرب في فيتنام ''كانت بالنسبة إلينا شيئاً يشبه الحلم، وحين كانت صورتها تظهر بالأسود والأبيض في إحدى الصحف، كنا نشعر بالغبطة، و''نتقاتل'' من أجل أن يحتفظ أحدنا بالصورة في جيبه، ولكن منذ خمس سنوات تقريباً، شاهدت عند صديق لي ''مادونا''· هؤلاء الأميركيون غريبون، كيف ينتجون ذلك الطراز من النساء· الأفلام الأميركية في الصالات القليلة، لكن المحطات التلفزيونية تعرض الكثير منها، أفلام من كل الأنواع على الشاشة، صينية وهندية وروسية، وحتى أفلام عربية مترجمة، ما رأيهم حين يشاهدون حسين فهمي، مثلاً، أو نيكول سابا في ''التجربة الدانمركية''؟· المرأة في فيتنام ورثت قروناً من التعب والحزن·· جدّية، تتعلق بعملها كثيراً، الآن بدأت تستخدم مستحضرات التجميل بصورة أفضل، لا بل الفتيات أكثر انخراطاً في الموضة، إنهن يستعملن العدسات الزُرق والخُضر، ويصبغن رؤوسهن بالأشقر، كما أن محال الديسكو تشاهَد الآن في بعض الأماكن المترفة، ولكن كل هذه المظاهر لا تزال محدودة، المرأة وُجِدَت لتعمل وتربِّي أطفالها بالدرجة الأولى، موسيقى البوب شيء جميل وجذاب، ولكن في أوقات الفراغ القليلة جداً· التنين والسلحفاة والفينيق ثمّة حزب شيوعي لا يزال هو العمود الفقري للدولة، هو الايديولوجيا الوحيدة، صحيح أنّ 50 في المائة من السكان هم بوذيون، لكن السلطات اعتقلت في عام 1993 الكثيرين من الكهنة والناشطين ''لأن البلاد بحاجة إلى مَنْ يصنع المستقبل لا مَنْ يتلاشى في الماضي''، على حدّ قول أحد مسؤولي الحزب، لكن الطريف أن ثمة ملايين من الفيتناميين يعتنقون تلك الديانة المركبة بصورة غريبة، والتي انشئت عام 1926 على يد عالِم روحاني يدعى نغوفان شيو، وتاجر ثري هو فان ترانغ ترين والبابا هو فاب فام كونغ تاك· هؤلاء أنشأوا ''الكاودايسية'' التي ينتمي إليها عُشر السكان البالغ عددهم 83 مليون نسمة· الديانة توفيقية تقول بـ''الإله الواحد''، وبتناسخ الأرواح طبقاً لقانون ''كارما''، وباحترام الموتى، وبتراث العائلة، وبفضيلة الزهد وممارسة العدالة، وأنصار هذه الديانة التي بدأت تنتشر على نحو مثير حتى في صفوف الطلبة الجامعيين ظهر مينغ فيونغ الملك العادل والمتنوّر الذي يعيد العصر الذهبي الذي اندثر في ما مضى، الشعار هو ''حب وعدالة'' و''المؤمنون'' يبجِّلون ''بوذا'' و''كونفوشيوس'' و''لاو تسو'' والسيد المسيح، كما أنهم يقيمون طقوساً تُظهِر إيمانهم بـ''الحيوانات المقدّسة'': التنين، والسلحفاة، والفينيق والقارن الذي هو حيوان اسطوري بجسم حصان وله قرن في الجبين· ولعل الطريف أنه عند مدخل المعبد الكائن في مدينتهم المقدّسة تاي نينه توجد لوحة تجمع ما بين المؤسِّس ترانغ ترين والزعيم الصيني صان يات ـ صن الذي أعلن الجمهورية في الصين عام ،1912 والأديب الفرنسي فيكتور هوغو، صاحب ''البؤساء'' وقد احيطوا بهالة القدّيسين· اختطاف رئاسة الدولة لكن الحزب لم يعد خشبياً، ومكفهراً، كما كان في أيام مضت، في ابريل ،2006 وللمرة الأولى في تاريخه، كان للحزب هناك عدد من المرشحين لمنصب الأمين العام· النتيجة كانت التجديد لأحد المحاربين القدامى في الحزب ''نونغ دوك مان''، الذي يبلغ من العمر 65 سنة والذي واجه منافسة حامية الوطيس من نغوين مينه ترييت، سكرتير الحزب في مدينة هوشي منه ''سايغون'' سابقاً· هذا مؤشر على الانفتاح السياسي، وإن في حدود معينة، وقد ظهر أيضاً في الدورة التاسعة للجمعية الوطنية الفيتنامية في مايو و يونيو الفائتين، وعلى نحو دراماتيكي، اختطف نغوين مينه ترييت رئاسة الدولة من الرئيس السابق تران دوك لوونغ، حاصداً 94 في المائة من أصوات النواب الـ·496 كما أن نغوين تان وانغ الذي يبلغ''''56 عاما من العمر، وهو نائب سابق لوزير الداخلية حلّ محل فان فان كاي ''76 ''عاماً، في منصب رئيس الوزراء، ليصبح أصغر مَنْ يشغل هذا المنصب، منذ توحيد الشمال والجنوب في عام ·1975 هذا فيما اختير المنظّر الأكبر للحزب نغوين فو ترونغ ''62 ''عاماً رئيساً للجمعية الوطنية· يلاحظ أن الثلاثة يحملون اسم ''نغوين''، وهم يشكلون النواة الجديدة لحزب ''بدأ يكتشف أن الكرة الأرضية تدور''· الإصلاح لا يقتصر على القمة، فهو يشمل القاعدة أيضاً· وفي المؤتمر العاشر انتخب نصف أعضاء اللجنة المركزية من الوجوه الجديدة التي تدور أعمارها حول الخمسين بعدما كان يقال إنه لا يحق لأي عضو أن يكون في اللجنة إلا إذا كان نصفه، على الأقل في العالم الآخر· وبهذا انحسرت وجوه كثيرة وبارزة بحجّة الرغبة في الراحة والتقاعد· الصين الصغرى اقتصادياً، فيتنام تقفز· الخبراء يصفونها بـ''الصين الصغرى''· العلمان الأحمران متقاربان في الشكل، لكن الفيتناميين يعتمدون إيقاعاً سياسياً أكثر فاعلية، في 7 نوفمبر الفائت أصبحت فيتنام عضواً رسمياً في منظمة التجارة العالمية، وذلك بعد أحد عشر عاماً من المفاوضات الشاقة· أعضاء كثيرون رحّبوا بدخول ذلك النمر الآسيوي بالجلد الأحمر، وبعدد سكانها الـ83 مليونا كانت بعد روسيا مباشرة في لائحة الدول غير المنضوية تحت لواء المنظمة· الإصلاحات الاقتصادية أدت إلى تنمية بوتيرة سريعة· والدوريات الغربية تتحدث عن ''دولة تثير الذهول''، خصوصاً بعد تحقيق معدل نمو يأتي بعد المعدل الصيني في الترتيب الآسيوي· وفي عام 2005 ارتفعت صادراتها بنسبة 32 في المائة، كما أن الناتج الوطني الخام تضاعف مرتين خلال خمس سنوات، فيما انخفض عديد الفقراء إلى نحو النصف، إذ إنّ النسبة أصبحت 20 في المائة من عدد السكان· ويتوقع الخبراء أن يرتفع الناتج المحلي بمعدل 8,2 في المائة عام ،2006 كما أنّ الاستثمارات الخارجيّة المباشرة ستسجّل ارتفاعاً يصل إلى 6,5 ملياردولار· الفيتناميون يراهنون على ارتفاع مثير في تدفق الاستثمارات الأجنبية، بعد انضمام بلادهم إلى منظمة التجارة العالمية، أو في ضوء منتدى التعاون الاقتصادي آسيا ـ المحيط الهادي الذي عُقِد في هانوي خلال تشرين الثاني / نوفمبر الماضي· والطريف أن يكون دور الفلاحين أساسياً في النمو بعدما توقفت الدولة عن التدخل في نشاطهم الإنتاجي ليصبح بإمكانهم اللجوء إلى التصدير المباشر، وهو ما أدى إلى تفعيل الزراعة الصناعية· والآن، تحتل فيتنام المرتبة الأولى في تصدير الفلفل، والثانية في تصدير الكاجو والبن· والبلد الذي بالكاد كان ينتج كميات من الأرز لتأمين الاحتياجات المحلية، حلّ ثانياً بعد تايلاند في تصدير هذه المادة· بالطبع، دخول فيتنام في منظمة التجارة العالمية يفرض عليها خفض ''حمولة'' القطاع العام، وهو ما يفضي حتماً إلى دفع الآلاف من العاطلين عن العمل إلى الأرصفة، لكن الحكومة تعد باستيعابهم في إطار الديناميكية الراهنة: الهجرة من المدينة إلى الريف· خطوة قد تكون نموذجاً إن أتت بالنتائج المرجوّة· حتى في ''وول ستريت'' تسمع: ''حقاً إنها الصين الصغرى، لكن الحزب الشيوعي يصبح برتقالياً''· ''أورينت برس''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©