الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أبوظبي عروس البحر

15 ديسمبر 2006 01:18
أحمد خضر: زرت أبوظبي عشرات المرات، فوجدتها مدينة هادئة رائقة جميلة يداعبها الخيال، وفي كل مرة، أحس أن هذه الجزيرة التي كانت تراقب السفن والمراكب العائدة، المحملة بحكايات البحارة والأساطير القديمة، تخبئ في أكمامها سحراً جديداً، تبوح به حركة النهضة العمرانية والاقتصادية والثقافية، حيث يتحقق حلم الإنسان بالحياة المرفهة السعيدة والغد الأفضل· فما أن تتخطى منطقة جبل علي معقل الثورة الصناعية والتكنولوجية والتجارة الحرة في مدينة دبي، وتصل حدود إمارة أبوظبي حتى تبدأ السيارة تخترق شارع الشيخ مكتوم بسرعة كبيرة، وهو شارع واسع بنيت أرصفته وجدرانه من الحجر الأبيض النظيف، تلتفت على جانبي الشارع فتلاحظ أن الصحراء التقليدية المرسومة في الأذهان، من كونها جرداء وعطشى للماء، والحياة قد استبدلت ثوبها، ولبست وشاحاً قشيباً، هو حزام الغابات الأخضر، وهو ما يضفي صبغة جمالية على المكان، ويمنع هبوب الرمال الصحراوية، ويعمل على تنقية الهواء، كما أنك تشاهد مناظر خلابة من المساحات الكبيرة المزروعة في عمق الصحراء ، ونظراً لاهتمام الشيخ زايد طيب الله ثراه بالزراعة ، اختير من قبل منظمة البيئة العالمية كرجل للبيئة· وأبوظبي جزيرة بحرية قديمة يربطها جسر المقطع مع البر، وهي إمارة غنية تعوم المناطق التابعة لها على بحر من النفط، مما انعكس على بنيانها الاقتصادي، حيث المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات الحديثة والبنايات الشاهقة المختلفة الأشكال، والفنادق الفخمة، والمراكز التجارية والمزارات السياحية، مثل قرية التراث، وقصر المؤتمرات ، وكاسر الأمواج، والعديد من المشاريع الطموحة العملاقة، كما تنشط في أبوظبي الحركة الثقافية والفنية، ويلعب المجمع الثقافي دوراً بارزاً في تفعيل الأنشطة الثقافية والفنية وعقد المؤتمرات والندوات· من جسر المقطع الأزرق الذي بني فوق البحر تبدأ بالتحرك إلى الجزيرة البحرية، أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أروع سيمفونية حب صنعتها يد الإنسان خلال فترة وجيزة، وهناك عدة مداخل للمدينة هي السلام، والجوازات، والخليج العربي، والمطار الذي يوصلك إلى الكورنيش وهو طريق مظلل بالأشجار، وعلى جانبيه الحشائش الخضراء، والزهور والأشجار المتعددة مثل المانجو والنخيل والليمون، حيث يتمتع جميع الناس بظلها وخيرها· وحين أزور أبوظبي وأسير في طريق المطار، أشعر بالمتعة النفسية، أشاهد مدينة فريدة من نوعها، إنها المعجزة حيث ازدهرت المدن الجميلة المملوءة بالمساحات الخضراء الرائعة المشهورة بحدائقها وهدوئها، أرى الناس يجلسون تحت الأشجار، والأطفال يمرحون ويلعبون، والسيارات تنساب عبر الشوارع دون ضجيج أو ازدحام، كل شيء يوحي بأن أبوظبي هدية من الله لأهلها، ولمن يعمل فيها، أو يسكنها، ومن يعرف هذه المدينة حق المعرفة، فإنه يرى فيها الصفاء والنقاء، ولا يحب أن يغادرها، أو يستبدلها بأي مكان آخر في العالم، إنها مدينة مدللة مرهفة القلب والوجدان، وبوضوح أكثر فإنني حين شاهدت أبوظبي للمرة الأولى، وللمرة الألف، ازددت احتراماً لذلك القائد الكبير، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله الذي أحبها، وجعل منها منارة للأمل، ومدينة تعبق بنسائم الفرح والورود العطرة· في إحدى الزيارات في العام 1996 ذهبت مع صديق لي إلى أبوظبي لحضور مهرجان الأغنية العربية، حيث استضافت المدينة مئات المطربين والموسيقيين والفنانين والإعلاميين العرب، أيام أغنية (الحلم العربي)، وصلنا أبوظبي الساعة الثانية عشرة ظهراً، وغادرناها الواحدة بعد منتصف الليل، وبدون مبالغة قمت بإجراء أكثر من عشرين مقابلة خلال هذه الفترة، حيث عدت منهكاً خائر القوى، قلت لصديقي المهذب جداً، والذي كان لا يحسن القيادة، أن يحاول الحديث معي دائماً خشية النوم في الطريق، وأنا أقود السيارة، وبما أنه خجول جداً، وشاعر مرهف الحس، فإذا به يوقظني من نوم عميق، وبصوت هامس ونحن في طريق العودة بين أبوظبي ودبي، ولولا عناية الله لحدث ما لم يحمد عقباه، وهنا أوقفت سيارتي على جانب الطريق، ونمت مدة نصف ساعة، بعدها نهضت نشيطاً، وعدنا إلى بيوتنا سالمين· وفي زيارة ثانية غادرت المدينة نائماً منذ اللحظة الأولى التي حطت فيها الطائرة أرض المطار قادمة من مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، بعد تأدية فريضة الحج، كان السائق وحده هو اليقظ، أما زوجتي التي كانت ترافقني في رحلة الحج إلى الديار المقدسة فلم تستسلم للنوم لأنها تريد أن تحرسني من سائق لا نعرفه ولا يعرفنا، لكن الذي أعجبني في هذه الزيارة الخاطفة جداً هو عمق المشاعر والأحاسيس الروحية والإنسانية التي استقبل بها أهل أبوظبي الحجاج العائدين، ومستوى المشاعر الفياضة التي كانت تقطر بدموع الرحمة والفرح، موقف إنساني وجداني عظيم، تعلمت منه أن أستقبل الناس وأودعهم بالدموع في زمن الغبار ونكران الجميل، أما مياه بئر زمزم المعبأة بجالونات كبيرة، التي رافقتنا في رحلة العودة، فقد وجدناها جميعاً في مكان خاص داخل المطار، تتويجاً لهذه الرحلة الإيمانية· الزيارة الثالثة كانت مع شقيقي كامل الذي ذهب إلى أبوظبي لمقابلة بعض التجار، وصلنا أبوظبي قادمين من دبي الساعة السابعة صباحاً، فإذا به يدخل إلى مطعم هندي، من أجل تناول طعام الإفطار، قائلاً لي إنه لا يستطيع أن يتحرك دون أن يأكل، لم أشاركه فطوره الذي كان عبارة عن صحن من البيض المقلي، واكتفيت بشرب كوب من الشاي، وفي الساعة الثامنة بدأ بمقابلة بعض التجار، هذه المقابلات لم تستغرق أكثر من ساعة، حيث عقد معهم صفقات تجارية بعشرات الألوف من الدراهم، حينها تذكرت نفسي، حين أمضيت اثنتي عشرة ساعة في مقابلات مع فنانين، نسيت أسماء بعضهم بعد خمس دقائق من إجراء المقابلة، وكدت في نهاية الرحلة الصحفية تلك أن أموت، في ذلك اليوم أمضيت وشقيقي نهاراً سعيداً في أبوظبي، المدينة الساحرة، مدينة المساجد، المشهورة بدقتها، ورونقها، وروعة بنائها، وتجهيزاتها، مما يشعر المصلي بالأمان والراحة، ويعتبر المسجد الكبير من أكبر المساجد في العالم، ويمتاز بكثرة القباب والمآذن ونوافير الماء، وفيه ضريح الشيخ زايد باني ومؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة· أما كورنيش أبوظبي فإنه يمتاز بالمنظر الحضاري الجميل الممتد عدة كيلو مترات، حيث يقضي الناس أجمل الأوقات في المشي، وصيد السمك، ومشاهدة سباقات اليخوت، والسباقات البحرية المختلفة، وهناك كاسر الأمواج، والفنادق الفخمة، مثل قصر المؤتمرات الذي يمتاز بفخامة المنظر، وعبق التاريخ، ويضاهي تاج محل، وهو يعكس ألوان الطيف، تمتزج فيه الأصالة بالمعاصرة، وقد صنف من فئة السبع نجوم، وفي الوقت الحاضر تذهب إليه الرحلات الطلابية والسياحية لما له من جمال ورونق وتجهيزات، إضافة إلى أنه مقر للعديد من اللقاءات والمؤتمرات، ويحتوي على قاعات للاجتماعات والحفلات وصالات الطعام والمراكز التجارية العالمية، وعلى كورنيش أبوظبي نصبت سارية أطول وأكبر علم في العالم، مما يضفي على المكان منظراً رائعاً خلاباً، ولعل طبيعة البيئة البحرية تؤئر على المناخ، حيث ترتفع درجات الرطوبة في فصل الصيف، ويعتدل الجو الجميل في الخريف والشتاء مما يعطي انطلاقة للناس للتمتع بهذا الجو الساحر· وفي أبوظبي نهضة علمية متطورة مثل جامعة زايد التي تحتوي على أحدث التقنيات والأقسام العلمية الحديثة التي تنشد تطوير التعليم، وكذلك كلية التكنولوجيا والعلوم التقنية، ومعهد أدنوك للبترول والدراسات المتطورة، وفي الفترة الأخيرة افتتح فرع لجامعة السوربون الفرنسية في أبوظبي· وعلى المستوى الإعلامي يوجد جريدة الاتحاد، ومحطة تلفزيون أبوظبي، حيث العديد من الكفاءات المنتقاة، والأقلام الجادة التي تشكل مجتمعة جزءاً نابضاً من هذه اللوحة الظبيانية الجميلة الساحرة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©