الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرتي المفقودة

14 ديسمبر 2010 20:24
وجدتني تائهاً قبل أيام، لأن جهاز الكمبيوتر الذي اعتدت أن أعمل عليه تعطل، وتخرج منه أصوات تنذر بالخطر لدرجة أنني خشيت أن ينفجر وأقع ضحية استخدام التكنولوجيا، واكتشفت أنه تعطل تماماً، ولابد من تغيير أحشائه الداخلية التي تحتفظ بين طياتها كل تاريخي وذاكرتي وذكرياتي وصوري، واستنجدت بكل الخبراء والفنيين والمستشارين من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يفلح احد، بل وفكرت في تسفيره إلى الخارج، والى الشركة الأم لو تطلب الأمر، فذاكرتي غالية عليّ، لكن الخبراء نصحوني بأن لا جدوى من كل ذلك فقد انتهى الأمر وفُقد كل ما على «الهارد ديسك»، ولابد من إجراء عملية جراحية عاجلة لما تبقى من الجهاز لاستئصال العضو المعطوب، واستبداله بآخر جديد، ووافقت على مضض لأنني لم أعد استطيع أن أعمل من دون كمبيوتر ولم أعد استطيع الكتابة على غير لوحة المفاتيح، بل ولم يعد بإمكاني التفكير أو حفظ الأشياء في ذاكرتي البشرية لأنني اعتمد عليه في ذلك، بل لم يعد في مقدوري معرفة ما يحدث حولي لأن هذا الجهاز صار جزءاً مكملاً لبقية الحواس البشرية، بل إن الأفكار انساقت بي لدرجة أنني صرت أجزم أن بإمكاننا اليوم الاستغناء عن بعض الحواس أو الأعضاء، والتي نعتقد أنه ليس لها «لازمة» في الجسد البشري، لكن لم يعد بإمكاننا الاستغناء عن التكنولوجيا التي خلقت لتسهل حياتنا وتبسطها فإذا بها تزيدنا تعقيداً على عقدنا، فقد نفهم كيف نعمل عليها، لكنني شخصياً لا أفقه غير ذلك فلا استطيع إصلاح أبسط عطل فيها، بل إنه عندما انتهى فريق الخبراء من إجراء العملية الجراحية لكمبيوتري المسكين، شفاه الله وعافاه، لم يعرفني ولم أعرفه، لقد تغير تماماً ولم يعد قادراً على مواكبة مزاجي المثقل أصلاً بالهموم، ولم يعد قادراً على تزويدي بالمعرفة التي تجلب لي المتعة وأنا اجلس أمامه.. عصرت مخي من أجل استعادة شيء من ذاكرتي التي ضاعت مع ذاكرة الجهاز ولم أفلح، بل إنني اعتقدت لوهلة أن مخي تعرض لمؤامرة مسح أو غسل فلم يعد يحمل أي شيء من أشيائي القديمة.. وجدت أن التكنولوجيا استحوذت على ذاكرتي فلم يعد بإمكاني حتى حفظ رقم هاتفي أو تاريخ ميلاد ابنتي، ولن أقول زوجتي منعاً للمشاكل فمهما حدث لابد أن ادعي أنني أحفظ تاريخ ميلادها عن ظهر قلب، فهو أهم يوم في التاريخ الإنساني المعاصر، غير أنه بقيت في نفسي تساؤلات تُرى هل سيأتي يوم نجد فيه أنفسنا في صراع من أجل البقاء، كما تقدم السينما الأميركية دائماً، نصارع ونناضل ضد الأجهزة والآلات التي سيطرت على الأرض وسيطرت على عقولنا وعلى مصائرنا.. rahaluae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©