الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المفقودون في مصر بعد الثورة

8 سبتمبر 2012
آخر كلمات نطق بها محمد صادق قبل أن يغادر شقة عائلته المتواضعة في الخامس والعشرين من يناير 2011، أزعجت والدته، حيث قال الابن البالغ 25 عاماً لأمه: "إني لن أعود حتى يرحل مبارك"، قبل أن ينطلق للانضمام إلى الحركة الاحتجاجية التي أدت بعد 18 يوماً إلى إسقاط حكم "مبارك". وبعد ثمانية عشر شهراً، مازال مصير صادق وعدد من المصريين الآخرين الذين تظاهروا واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب خلال تلك الأيام الدراماتيكية مجهولاً. وقام الأقارب بالبحث في مستودعات الأموات وسجلات المستشفيات والسجون عن معلومات أو أخبار. ويقول نشطاء إن بعض اكتشافاتهم تشير إلى أن بعض المسؤولين الأمنيين قاموا بأعمال تعسفية واعتقالات غير قانونية بينما كان النظام المحاصر يسعى إلى إحباط الانتفاضة. وفي هذا السياق، تقول نرمين يسري، وهي ناشطة قامت في وقت سابق من هذا العام بإطلاق حملة "هنلاقيهم": هناك أشخاص مفقودون لم يكونوا في مستودع الموتى، ولا في المستشفيات، ولا في السجون، مضيفة: "إنهم لم يتبخروا، وبالتالي فلابد أن يكون ثمة شيء ما". المدافعون عن العائلات يقولون إنهم يتعقبون نحو 60 حالة، رقم يعتقدون أنه أصغر من العدد الإجمالي للأشخاص الذين اختفوا خلال الثورة وفترة الحكم العسكري التي أعقبتها. ويقول الناشط الحقوقي حسام بهجت: "أعتقد أننا نبشنا السطح فقط". وبدأت والدة صادق بحثها بعد يومين على مغادرته البيت. كان ولداً باراً يدرس بجد؛ وقد حصل على شهادة في التجارة الدولية وتعلم اللغة الإنجليزية. وبعد أن لم يحالفه الحظ في إيجاد عمل يناسب تخصصه، اضطر لممارسة بعض المهن الوضيعة، مما جعله يحس بمرارة أكبر، كما تقول. ثم تعرف على شباب مصريين لديهم أفكار تشبه أفكاره على الإنترنت وكان سعيداً بالتواجد على الخطوط الأمامية للثورة. وتقول صباح عبد الفتاح، وهي تتذكر استياء وسخط ابنها من مبارك وابنه جمال الذي كان مرشحاً لخلافته: "لقد كان ينظر إلى الثورة باعتبارها فرصة لأنه كان يشعر بأن البلاد قد خربت". وكان يقول: "لا نريد أن يحكمنا جمال. لا نريد أن يستمر هذا النظام". وبينما كان المصريون يتواجهون مع قوات الأمن خلال الأيام التالية، تقول صباح (47 عاماً)، إنها كانت تذهب يومياً إلى مستودعات الموتى والسجون، شاقة طريقها وسط أشخاص كثيرين يبحثون أيضاً عن أقارب مفقودين. وكانت تحبس أنفاسها وهي ترفع الغطاء عن عشرات الجثث، وتستبعد الجثة تلو الأخرى. كما كانت تتصل برقم هاتف ابنها كثيراً. وفي 11 فبراير، اليوم الذي أرغم فيه جنرالات البلاد "مبارك" على التنحي عن السلطة، تلقى ابن أخ "صباح" رسالة هاتفية من صادق، يطلب فيها منه أن يتصل به لأن رصيده قد نفد. وعندما نجحت صباح في الاتصال به، تقول الأم المفجوعة، سمعت ابنها وهو يتحدث إليها همساً. وفهمت أن ابنها معتقل لدى ضباط أمن الدولة وكان بين مجموعة من السجناء الذين يتم نقلهم. ثم انقطعت المكالمة. وفي المرة التالية التي نجح فيها الاتصال، تضيف صباح، أجابها ضابط شرطة وأخبرها بأنه لا يستطيع مساعدتها قبل أن يغلق الخط. وبعد بضعة أسابيع، أجابها رجل قال إنه حصل على الهاتف من شقيقه الجندي. وأمضت صباح أشهر الحكم العسكري تنتقل من سجن إلى آخر، وتسافر عبر البلاد، لكنها كانت تحصل دائماً على الجواب نفسه: إنه ليس هنا، لا يمكننا أن نساعدك. وفي الجهة الأخرى من المدينة، في حي مكتظ بالسكان بالقرب من أهرامات الجيزة، يخشى سعيد محمود (54 عاماً)، ألا يتمكن من رؤية ابنه وابنته من جديد. فقد اختفى عمرو سعيد محمود (18 عاماً)، في الثامن عشر من يناير ("يوم الغضب") الذي أحرق خلاله المصريون مقر "الحزب الوطني" الحاكم ومباني رسميه أخرى. وفي السابع عشر من يوليو 2011، أُفرج عنه من سجن في شمال مصر وهو رث الثياب ومصدوم نفسياً. وتمكن من أن يجد طريقه إلى البيت، لكن أسرته لم تتلق أي اعتذار أو تفسير. كان الشاب يهيم على وجهه في الحي، وهو غاضب وشارد الذهن. وعندما ضغط عليه والده كي يحدثه عن الوقت الذي قضاه في السجن، انهار الشاب واعترف: "لقد اغتُصبت". وبعد وقت قصير على هذا البوح، أخبر عمرو سعيد أهله أنه سيغادر البيت قائلاً: "إنني سأقاتل وأثأر لنفسي بنفسي". وكانت تلك آخر كلمات سمعتها عائلته منه. محمود الأب الغاضب صار يتردد على ميدان التحرير للاحتجاج على رفض الجيش التخلي عن السلطة. وكان كثيراً ما يأخذ معه ابنته سماح، التي تبلغ 17 عاماً وتعاني من إعاقة في التعلم، لمرافقته. ويرسلها أحياناً إلى البيت بواسطة الميترو بعد غروب الشمس ويمضي ليله في الاحتجاج. وفي الثاني من فبراير، ركبت سماح الميترو، لكنها لم تصل إلى البيت في تلك الليلة. وتعتقد الأسرة أن اختفاءها قد تكون له علاقة باحتكاكات شقيقها مع السلطات، أو باحتجاجات والدها. وكل السيناريوهات المحتملة تقض مضجع سعيد محمود. فهل قام بلطجية النظام، والذين كان كثيراً ما يشتبك معهم في ميدان التحرير، بخطف ابنته؟ هل تعرضت لاعتداء؟ يقول سعيد محمود إنه بحث في كل المستشفيات ومستودعات الموتى ومراكز الشرطة عن معلومات أو أخبار، لكنه لم يجد شيئاً. ويضيف: "الآن أمشي في الشوارع فقط. أستقل الحافلة من بداية الخط إلى نهايته وأنظر إلى وجوه الناس عبر النافذة. وفي أيام أخرى أستقل المترو لساعات وأنا أبحث". ارنستو لندونيو القاهرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©