الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أضواء على المشهد المصري في التقرير الاستراتيجي العربي

16 ديسمبر 2006 00:13
لا جدوى من تعديل الدستور بلا توافق عام حول طبيعة الحكم القاهرة- محمد عزالعرب: احتلت قضية الإصلاح السياسي المرتبة الأولى على أجندة الحياة العامة في مصر خلال عامي 2005 و ،2006 حيث تم تعديل المادة 76 من الدستور، وأجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما تزامن مع ضعف الأحزاب السياسية وتصاعد دور الحركات الاحتجاجية وبروز الدور الرقابي للمجتمع المدني والقضاء· أكد التقرير الاستراتيجي العربي لعام 2006 الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الإصلاح السياسي والديمقراطي لم يخترع الإسلاميين، فهم موجودون في مصر منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وجربت معهم الحلول الاستئصالية ولكنها فشلت، مما يتطلب نظرة ديناميكية للخريطة السياسية المصرية؛ لأن عملية دمج الإسلاميين تعكس تحولا شاملا في طريق الإصلاح· وذكر التقرير أن مصر عجزت على الرغم من اعتدال نظامها الجمهوري على مدار ربع قرن، أن تدير حوارا سياسيا مع أي تيار وأهمها جماعة ''الإخوان المسلمون''، وتم التعامل معها بالقطعة، فهي جماعة محظورة وفق الخطاب الرسمي ولكن تركت لها ساحة العمل النقابي والطلابي والسياسي لتتحرك فيها، وهم جماعة تستخدم الدين كوسيلة للتعبئة السياسية، ولم تعترض الدولة على هذا بل عجزت؛ لأنها استخدمت الدين لدعم شرعية النظام ابتداء بفتاوى الأزهر والمبايعة للرئيس مبارك وانتهاء بالطرق الصوفية في مواجهة جماعة وظفت الدين لخدمة المواطنين وحشدهم لصالح مرشحيها· وأرجع التقرير أزمة الحزب الوطني الحاكم في مصر إلى خوضه معاركه السياسية والنيابية وهو متداخل مع الدولة بأجهزتها الإدارية والأمنية، ولم يبذل جهدا حقيقيا في فرز نخبة تحمل رؤية وتكوينا سياسيا لمواجهة كوادر وتيارات سياسية أخرى على رأسها التيار الإسلامي، لأن معركة الانتخابات يحسمها تدخل الإدارة وسيف الأمن· وأوضح التقرير أن أول انتخابات رئاسية شهدتها مصر في سبتمبر 2005 عرفت مزيجا من السمات الجديدة والتقليدية، حيث ظهرت في هذه الانتخابات درجة أكبر نسبيا من الحياد الإعلامي تجاه المرشحين، واتسم تعامل وزارة الداخلية مع الانتخابات بموضوعية، ولم تتدخل في الاقتراع يوم التصويت، ولم تحدث ممارسات منظمة لأعمال بلطجة تمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم· ويؤخذ على هذه الانتخابات حاجة الجداول الانتخابية إلى تنقية وتحديث شامل، واتسم الإشراف القضائي على هذه الانتخابات بالارتباك نتيجة استبعاد اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية عددا من القضاة لأسباب غير معلنة؛ مما رفع درجة العجز في عدد القضاة المشرفين على الدوائر الانتخابية· نسب التصويت ذكر التقرير أن أعلى نسبة تصويت لمرشح الحزب الوطني الرئيس حسني مبارك كانت بالوادي الجديد 94,1 في المائة، وجاءت المنوفية في الترتيب الخامس 91,9 في المائة، وكانت أقل النسب في بورسعيد 70,4 في المائة، في حين حصل أيمن نور مرشح حزب ''الغد'' المعارض على أعلى الأصوات في بورسعيد المعقل التقليدي لحزب ''الوفد'' بنسبة 22,1 في المائة، وحصل في مدينة الأقصر على أدنى النسب 4,1 في المائة، رغم أنه المرشح الوحيد في انتخابات الرئاسة الذي جاب محافظات الصعيد· ورغم استئثار الأحزاب الثلاثة الأكبر وهي ''الوطني والغد والوفد'' بالنسبة الأعلى من الأصوات، فإن الحزب الوطني كان الأبرز لأن رئيس الحزب هو نفسه رئيس الجمهورية لمدة طويلة سابقة، ولديه خبرة عريضة في الحكم، وتضمن برنامجه طموحات عريضة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ورغم ما طرحه ''الوفد والغد'' من رؤية للإصلاح، فإن قصور الخطابين في إقناع الناخب شكل ضربة قوية لهما· وأكد التقرير أن الأحزاب السبعة الصغيرة في الانتخابات الرئاسية لم تستثمر فرصة مشاركتها في هذه الانتخابات لدعم وجودها في الشارع، بل أسفر هذا الوجود عن تأكيد صورة سلبية لها لدى جمهور الناخبين، إذ أظهرت التغطيات الإعلامية المختلفة لبرامج المرشحين السبعة، حقيقة وجود عدد كبير من الأحزاب ولكن تأكد أيضا أنها أحزاب هامشية وغير قادرة على طرح برامج شاملة لمستقبل البلاد فضلا عن افتقادها الكفاءات والقواعد الجماهيرية· وظهرت حركات الاحتجاج الشعبية التي ألهبت العملية الانتخابية من خلال المظاهرات والمسيرات، وكان على رأس تلك الحركات الحركة المصرية من أجل التغيير ''كفاية'' التي رفعت شعار ''لا للتمديد لا للتوريث''، وضمت أطيافا مختلفة من اليسار والليبراليين وبعض الإسلاميين، وعكست هذه الحركات إدراك العديد من منشئيها السياسيين العجز لدى الأحزاب المعارضة التي اعتبرت كيانات تناضل لتحقيق مبادئها من الغرف والمكاتب بلا أصول جماهيرية في الشارع· كما سلط التقرير الضوء على شيوع ظاهرة الاستخدام المكثف للمال والعنف في الانتخابات البرلمانية المصرية عام ،2005 وهو ما يمكن ربطه بالنظام الانتخابي الفردي الذي لا يرتبط بوجود برامج حزبية وخدمية لعموم الدائرة للمرشحين المستقلين، وإن كانت ظاهرة استخدام المال وأعمال البلطجة ترجع إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المجتمع المصري منذ الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينات، وهو ما ولد بدوره مناخا فرديا وحالة من الفساد العام أدت إلى عدم نزاهة الانتخابات، والتلاعب في نتائجها، وكان المال يستخدم في المدن بشكل أكبر من العنف الذي استخدم بشكل أكبر خارج المدن· ذكر التقرير كذلك أن أحد أبرز نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة صعود مرشحي جماعة الإخوان المحظورة قانونا، حيث فاز 88 مرشحا إخوانيا بنسبة 20,37 في المائة، وهو ما يشكل خمس عدد مقاعد البرلمان، وهو ما يرجع إلى دقة تنظيم الجماعة وانضباطها الداخلي وانتشارها جماهيريا في الريف والمدن، وامتلاكها عددا من المؤسسات الاجتماعية التي تقدم الخدمات للمواطنين البسطاء بتكلفة محدودة وتوظيف القضايا الحياتية والمعاناة التي يواجهها المواطنون، مثل البطالة وغلاء الأسعار وارتفاع معدلات التضخم في شن دعاية مضادة ضد الحزب الوطني الحاكم، وتوظيف شعار الجماعة ''الإسلام هو الحل'' في كسب تعاطف الكثير من الناخبين، لاسيما مع تصاعد الاتجاهات الدينية في المجتمع· كما برزت قوة المنشقين عن الحزب الوطني الحاكم، حيث فاز منهم 171 عضوا مقارنة بالفوز المحدود الذي حققه المرشحون على قوائم الحزب والذين فاز منهم فقط 140 عضوا من إجمالي ،444 مما دفع بالحزب لاحقا إلى إعادة عضوية المنشقين عليه، وتقديم الترضيات المناسبة لهم لا سيما تحمل جزء مهم من تكلفة الدعاية الانتخابية وضمهم إلى هيئته البرلمانية رغم قراره السابق بطرد هؤلاء لعدم انصياعهم لقرارات الحزب· وحسب ما ذكره التقرير فإن أعضاء المعارضة لم يزد عددهم في أي برلمان سابق على 100 مقعد، في حين أن انتخابات 2005 أفرزت العدد الأكبر من المعارضين، منهم 88 محسوبون على التيار الديني أي جماعة الإخوان و6 من ''الوفد'' و2 من ''التجمع'' و2 من حزب ''الكرامة'' تحت التأسيس وعضو من شرفاء ''الغد''، و22 من المستقلين من القوى السياسية الأخرى والمنشقين عن الحزب الوطني الذين لم يعودوا للحزب· تعديل الدستور وفيما يخص عملية تعديل الدستور المصري فقد أكد التقرير أن تغييره لن يؤتي ثماره ما لم يكن هناك توافق عام على طبيعة التغيير المنشود للنظام السياسي، والعلاقات بين مؤسساته، وهو ما يتطلب حسم السمة الأساسية للنظام هل هو جمهوري رئاسي أم برلماني، أم مزيج منقح من هذين النظامين· كما أن النظام الانتخابي يلعب دورا مهما في استعادة الأحزاب لعافيتها، فالنظام الفردي يكرس العصبية وسلطة المال وقاعدة الصوت مقابل الخدمة، في حين أن نظام القوائم يجعل الانتخابات وثيقة الصلة بالحياة السياسية، ويفرض عليها أن تدور حول برامج وسياسات تتنافس القوى السياسية المختلفة على تنفيذها· وطالب التقرير بتغيير الخطاب الرسمي والخطاب الإخواني كل منهما إزاء الآخر وإزاء المجتمع فثمة حاجة قصوى إلى حل إشكالية الوضع القانوني لجماعة الإخوان، لا سيما في ضوء حصولها على 20 في المائة من مقاعد البرلمان، والجماعة مطالبة بأن تجري تحديثا وتطويرا لبرنامج عملها، وتتعامل مع الدين باعتباره شأنا يخص المصريين ككل وليس شأنا إخوانيا، وألا يكون مصدرا لإعادة تقسيم المجتمع، بل مصدرا للتوافق العام وعدم التفرقة بين أبناء الوطن أو استبعاد أقسام منهم من قاعدة المواطنة· في حين أشار التقرير إلى تزايد حالات الاستقطاب الديني من جانب مرشحي الحزب الوطني والمستقلين في مواجهة الشعارات الدينية للإخوان المسلمين، بل دخلت الكنيسة المعركة من خلال الترويج للمرشحين الأقباط سواء على قائمة الحزب الوطني أو باقي الأحزاب، بالإضافة إلى المرشحين المسلمين الذين وعدوا الكنيسة والتجمعات القبطية بالحصول على تراخيص جديدة لبناء الكنائس، وهو المطلب الأكبر من جانب الكتل التصويتية القبطية· وسلط التقرير الضوء على عدم فاعلية الجبهة الوطنية للتغيير التي شكلتها أحزاب وقوى المعارضة في أكتوبر ،2005 إذ فرض تشكيل الجبهة المزيد من القيود على حركة الأحزاب والقوى المشاركة فيها، حيث ضمت مختلف ألوان الطيف السياسي المصري، الأمر الذي جعلها فاقدة الهوية، ولم تملك آلية لتنفيذ برنامجها للإصلاح والتغيير والقضاء على الفساد والمفسدين، لا سيما مع التباس أفكارها لتباين أطيافها، وهذا الالتباس منع الجبهة من وضع برنامج انتخابي متكامل، باستثناء طرحها جملة من الشعارات المتعلقة بالإصلاح السياسي والتي تتفق عليها القوى السياسية والحزبية المصرية· وقال التقرير إن أحد المستجدات على الساحة السياسية في مصر ارتبط بدخول مؤسسات المجتمع المدني وبالتحديد المنظمات الحقوقية كطرف جديد في المعادلة السياسية وكطرف فاعل في رصد ومراقبة العملية الانتخابية، حيث سلطت هذه المنظمات الضوء على ما سمي ''جرائم الانتخابات'' والتي تعتبر أحد التحديات الكبرى التي تواجه إدارة العملية الانتخابية على قاعدة التنافس السلمي· واعتبر التقرير أن عام 2006 يمثل ذروة المواجهة بين القضاة والدولة بخصوص قضيتي القانون الجديد للسلطة القضائية وإشراف القضاة على الانتخابات، بسبب التجاوزات التي شهدتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة والأحكام القضائية نحو 600 حكم التي صدرت بخصوص الطعون عليها قبل وبعد إجرائها، وهو ما أثار المخاوف من تسييس القضاء المصري· المأساة الحزبية يعتبر النهج الانشقاقي سمة مميزة للتفاعلات الداخلية للأحزاب السياسية المصرية المعارضة في السنوات السابقة، فقد شهد حزبا الوفد و الغد' عقب الانتخابات الرئاسية صراعات داخلية أدت إلى تفتيت الكتل التصويتية الشعبية وانصراف القيادات العليا عن الإعداد الجيد لانتخابات البرلمان، بل وصل الأمر إلى حد إطلاق النار على مقر حزب'' الوفد'' واتهام رئيس حزب ''الغد'' بتزوير توكيلات تأسيس حزبه، وهو ما يعكس عمق المأساة الحزبية· انكسار التجمع هناك عدة عوامل أدت إلى انكسار حزب ''التجمع'' في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهي عدم استغلال الحزب لهامش التعددية في توعية الجماهير واجتذاب قطاعات منها لصفوفه، وضعف صحافة الحزب وإصداراته الثقافية ومطبوعاته السياسية، وفقدت صحيفة ''الأهالي'' ما كانت تتمتع به في السبعينيات والثمانينات من مزايا تنافسية، واهتزت الصورة الذهنية لحزب التجمع لدى قطاع واسع من النخبة والجماهير مع الحملة المستمرة لقيادات التجمع ضد الإخوان المسلمين·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©