السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذكرى المولد النبوي مناسبة لإحياء السُنة وإعمال العقل والاحتفاء بالعلم

ذكرى المولد النبوي مناسبة لإحياء السُنة وإعمال العقل والاحتفاء بالعلم
6 مارس 2009 23:41
مع نسمات الربيع تتجدد فينا ذكرى مولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم- ونجدد في أنفسنا قراءة هذا المعنى الكبير، علنا نستوعب بعض دلالاته· ونعيد طرح السؤال الموسمي: كيف نحيي هذه الذكرى العطرة؟ وما واجبنا نحوها؟ ولكن قبل ذلك قد نكون مطالبين بإلقاء الضوء على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، ولكن للأسف لايزال هناك من يشكك في هذه المشروعية! يؤكد الدكتور محمد البيومي الاستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي· فليس هناك أعظم من سيد الخلق وأشرفهم على الإطلاق محمد - صلى الله عليه وسلم - ليحتفل بمولده· ويضيف أن في تجدد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف نوعاً من أنواع النصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في وجه كل من يسيء إلى النبي الكريم بشتى الطرق في مختلف بقاع الأرض، ففي الاحتفال بمولده - صلى الله عليه وسلم - نبعث رسالة قوية لكل من يحاول النيل من شخصه، نقول لهم من خلالها إن نبينا الكريم - عليه الصلاة والسلام- له مكانته ومنزلته في الأفئدة والنفوس مهما تباعدت الأيام وتقادمت الأزمنة والعصور· إعلان عن رسوخ المحبة ويؤكد أن في الاحتفال بذكرى المولد النبوي إعلاناً عن رسوخ المحبة لشخصه الكريم في الأفئدة والنفوس، هذه المحبة تعد أصلاً من أصول الإيمان التي نوه عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله الذي رواه الإمام البخاري ''لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين''، والتي أكد عليها النبي فيما رواه البخاري كذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للنبي ''يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي'' فقال: ''لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك'' فقال الفاروق عمر ''والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من مالي وولدي ونفسي'' فقال له النبي ''الآن يا عمر''· فضلا عن أن الله تعالى كرم يوم الموت ويوم الولادة فقال سبحانه في حق يحيى - عليه السلام- ''وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا'' مريم :·15 ويقول تعالى في حق عيسى - عليه السلام: ''وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا'' مريم :·33 فيثبت بهذا مشروعية الاحتفال بيوم الميلاد ويوم الوفاة· ويشير الدكتور محمد البيومي إلى الحديث الذي رواه مسلم، عندما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الاثنين فقال ''فيه ولدت وفيه أُنزل علَىَّ '' فيؤخذ من هذا الحديث أن ولادته في يوم الاثنين من أسباب صيامه، والصيام هنا نوع من أنواع الاحتفال بذكرى مولده· سلف الأمة احتفل بالمولد ويوضح أن سلف الأمة الصالح رضوان الله عليهم قد درجوا منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين على الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم - بإحياء ليلة المولد النبوي بشتى القربات والطاعات، وقد نص على ذلك كثير من المؤرخين مثل الإمام ابن كثير وابن الجوزي والإمام ابن حجر والإمام السيوطي وغيرهم· إن كثيراً من العلماء والفقهاء قد ألفوا كتبا في استحباب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف داعمين آراءهم بالأدلة الصحيحة، فألف الإمام السيوطي في ذلك رسالة أطلق عليها اسم (حُسن المقصد في عمل المولد) وألف أبوعبدالله المالكي الفاسي كتاباً عُرف باسم (المدخل) وضعه في ذم البدع المحدثة التي لا يسعفها دليل شرعي، ولكنه في هذا الكتاب أكد مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سارداً مزايا ذلك الاحتفال· ومما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أن الناس قد اعتادوا في هذا اليوم التوسعة على أهليهم، والعمل على إدخال السرور عليهم حتى عُد ذلك مظهراً من مظاهر التعبير عن الفرح بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يعطي لمشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي ندباً واستحباباً· يتمسك البعض ممن لا يجيزون مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأن القرون الأولى قد خلت من هذا الاحتفال ومظاهره، والواقع أن خلو هذه القرون من مظاهر هذا الاحتفال لا يعد مسوغاً لمنعها؛ فمما لا شك فيه لدى العقلاء من المسلمين أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أشد الناس فرحاً بمولده وبعثته، بيد أن لهم أساليبهم في التعبير عن هذا الفرح ولا حرج في تنوع الأساليب المعبرة عن الفرح بمولده - صلى الله عليه وسلم - ما دامت مشروعة· احتفال الصحابة ويؤكد البيومي على ضرورة أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي في إطار منضبط، فلا يكون الاحتفال إلا بأمر مشروع مباح فى الشرع، ويمكن أن يستغل هذا اليوم في الإقبال على السنة النبوية درساً وتطبيقاً وتنفيذاً، كذلك يكون بمدارسة سيرته وأخذ العبرة منها وتعويد الأطفال عليها كما يكون الاحتفال كذلك بفعل القربات والصدقات وغير ذلك وهو أصل عام يمكن استغلاله في المواسم والتذكير به ويعد فعله من الأمور المستحبة والمندوبة، كما يتسع الاحتفال بمولده ليتضمن التوسعة على عباد الله وإدخال السرور عليهم وليبدأ المسلم بمن يعول لأن في هذا ربطا للفتيان بنبيهم صلى الله عليه وسلم إذ تعد ذكرى مولده بالنسبة لهم عيدا منتظرا من خلاله تدخل البهجة والسرور في نفوسهم· ليس بالشكليات ويقول الدكتور عبدالغني طه الأستاذ بجامعة الإمارات: علينا أن نجعل هذه الذكرى العطرة فرصة لمراجعة حساباتنا والعودة إلى الله، فمهما كانت قوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، فإن العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه هي السبيل الأوحد لمواجهة المخاطر ولاستحقاق نصر الله الذي وعده لعباده المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) · ويرى أن الاحتفال بمولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- ليس بالشكليات كما يفعل بعض الناس، وليس بأن نقيم الزينات، أو نرفع الرايات، أو نوزع الحلوى، إنما احتفالنا به يعني أن نلتزم بما أمرنا به الرسول، أن نعيش في ذكراه· فالرسول، قد ترك لنا سيرة طاهرة، ورسالة خالدة، صالحة لكل زمان ومكان، والاحتفال بمولده يقتضي أن نتذكر هذه السيرة ونعمل بما جاء في رسالته· يؤكد أن الاحتفال بالمناسبات الإسلامية، وما أكثرها، يجب ان يكون على قدرها ومستواها وعظمتها إيماناً ووفاء وصدقا، وإلا اصبح الاحتفال سخرية واستهزاء ووبالاً· مشيرا إلى أنه من الخطأ ان نحتفل بالمناسبات الإسلامية دون أن نحيي مبدأ واحدا، أو سنة واحدة، أو أمراً واحداً من الإسلام· ويشير الدكتور عبدالغني أنه لا يوجد في التاريخ شخص اجتهد العلماء والمؤرخون في تلمس نواحي عظمته وإبراز صفاته وحفظ سيرته مثل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل أشارت الكتب السماوية إلى أن رسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال سبحانه (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) (لأعراف:157) · ولا عجب في ذلك فالله وعد بعصمـة نبيه وحفظــه، حيث قـال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة:67)· وقد حظي الرسول بهذا الاهتمام دون غيره من الأنبياء لأنه حمل الرسالة للعالم أجمع· الاقتداء بالمصطفى ويشدد على أن الاحتفال الصادق الحقيقي بصاحب الذكرى يعني العزم الأكيد على الاقتداء في أعمالنا، وسائر سلوكياتنا وتصرفاتنا، بهدي النبوة، وأهداف الرسالة ومعانيها العظيمة، وأن نأخذ منه العبرة والدروس في حاضرنا لنتغلب على كل ما أصابنا، وما نزل بنا، ولنستمد منه العون في طريق الدعوة إلى الله· ويضيف إننا أمة وصفها الله بأنها خير أمة أخرجت للناس، فهل نعي هذه الحقيقة، وهل نستجيب لله والرسول، إننا إذا فعلنا ذلك كان هذا خير احتفال بذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأفضل أساس للتغيير في حياتنا لكي ننتصر وتعود لنا أمجادنا وتكون امتدادا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عملاً وقولاً· العناية بالعلم احتفالنا الحقيقي بذكرى مولده يكون بإعمال العقل في حياتنا والعناية بالعلم الذي يتراجع الاهتمام به في مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم، على عكس ما جاءت به رسالة خاتم المرسلين، كما يقول الدكتور أحمد الطيار، الأستاذ بجامعة الأزهر، الذي يوضح أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - جاءت خير نصير للعقل البشري لكي يتخلص من قيود الأوهام والخرافات، والأباطيل والأساطير· فقد أخذت رسالة الإسلام بيد الإنسان، إلى التفكير فيما يحيط به من الكون، ليقوم لديه أكبر برهان على مبدع الكون العظيم، والذي يقرأ القرآن المجيد يجد فيه من الآيات الكثيرة التي تحث العقل على التفكير والتدبر في المخلوقات: قال تعالى (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (الغاشية:17-20)· ويشير الى أنه بالتفكير تصفو النفس من أكدار الحياة الدنيا، ويطهر القلب من أدران العقائد الفاسدة، لذلك كان التفكير في ملكوت السماوات والأرض من أسمى أنواع العبادات، فقد ورد في الحديث: ''تفكر ساعة خير من قيام ليلة ''· ويضيف أن من هذه الوجوه التي جعلته خير منقذ للإنسانية أن الإسلام حث على العلم، وجاء مؤيداً له، منوها بعظيم شأنه، ولذلك فإننا نجد أن أول آية نزلت من القرآن الكريم تشيد بذكر العلم وتعده من عظيم نعم الله، وواسع كرمه، قال تعالى: ''اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ'' (العلق:1-5) · وقد ورد في الحديث، عن أبي الدرداء، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر''· ويضيف الدكتور الطيار أن الاحتفال بالمولد النبوي ينبغي ان يكون عالميا لأنه احتفاء بخير منقذ للإنسانية، فرسالة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عامة لجميع الأمم، موضحة نواحي الحياة كافة، شاملة جميع الفضائل التي بها سعادة الدارين، فقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوه خير كثيرة جعلته خير منقذ للإنسانية منها: أنه قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - كان الفساد قد ظهر في البر والبحر وطبق جميع الأمم، واحتل مرافق الحياة، وغشي القلوب، فزاغت العقائد، وساءت الضمائر، الى أن جاء - صلى الله عليه وسلم - بدين سمح عام ملائم لكل الأمم في جميع بقاع الأرض، هذا الدين كفيل بعلاج جميع أمراض الفرد والجماعة معاً فقد توغل في جميع حنايا النفس، واصفاً كل حالة لها، مبيناً حكم الله فيها، وعالج شؤون الاجتماع البشري، وبذلك تضمن جميع الأخلاق الفردية، والاجتماعية· سعادة الدارين ويؤكد الطيار، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بدين الإسعاد في المعاش والمعاد، فكما أنه دين العقل والعلم، وهو دين إصلاح للدنيا والآخرة في حياة الرسول، وبعد لقائه ربه، وسيظل بإذن الله كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن معجزته الكبرى باقية إلى أن تقوم الساعة، وهي القرآن الكريم محفوظة بحفظ الله قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)· أما معجزات سائر الأنبياء فقد انقضت بانقضاء حينها· ويقول إن أعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت دروساً عملية للأخلاق الحميدة، فلم يقف بها عن العظات القولية، بل بعمله صيرها لمن كان لهم شرف مشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاتباع، ملكات راسخة· ويوضح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في دعوته يربي الاعتماد على النفس بعد الله - عز وجل - وقوة الإرادة، والصبر على مقارعة الأحداث، ويحبب المشورة والخضوع لرأي الكثرة، ويغرس حرية العقل والفكر والعمل، فليس لأحد بعد الله ورسوله سلطان على المرء في ذلك، ويبث الشفقة والرفق والمحبة، ويعلي الهمة، ويدعو إلى الجد والسعي وحسن المعاملة، والأخلاق والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©