السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فنزويلا ومرحلة ما بعد شافيز

23 يناير 2013 22:41
جاكسون ديل محلل سياسي أميركي تخيلوا أن أوباما فشل في حضور يوم أداء قسمه الدستورية، ولم يظهر له أثر طيلة شهر كامل، وتخيلوا أيضاً أن نائبه، جوزيف بايدن، أعلن أن أوباما، على رغم دخوله المستشفى في بلد أجنبي، سيبقى رئيساً للولايات المتحدة وسيحلف اليمين الدستورية في وقت ما غير محدد، وتصوروا أيضاً أن مطالب الجمهوريين بمعرفة تفاصيل أكثر عن حالة الرئيس تم رفضها، وذلك كله في وقت يُجري فيه بايدن وقيادات في الحزب الديمقراطي الحاكم مباحثات مع قادة أجانب حول المرحلة الانتقالية. الحقيقة أنه من المستحيل تصور وضع سياسي بهذه الفوضى المخيفة التي تقارب العبث والسريالية، اللهم إلا إذا كنت أحد مواطني فنزويلا، حيث تجاوزت لحظات احتضار شافيز في خيالها حتى أكثر نماذج الواقعية السحرية التي تتميز بها أميركا اللاتينية، فقد صادف الإثنين الماضي مرور 42 يوماً منذ أن غادر شافيز إلى كوبا لإجراء عملية جراحية مرتبطة بالسرطان الذي ظل يصارعه لأكثر من 18 شهراً، كما أنه خلال هذه الفترة مر 11 يوماً على انقضاء الفترة الرئاسية القانونية لشافيز، ومع ذلك فشل في الظهور لأداء القسم الدستوري، مثيراً بذلك العديد من الأسئلة. فخلال فترة الغياب تلك التي طالت تُرك الفنزويليون دون خبر، أو كلمة، أو حتى صورة تشرح لهم الوضع وتشير إلى حالة الرئيس الصحية، وفي غضون ذلك لم يكف مساعدوه عن الذهاب مراراً إلى العاصمة الكوبية هافانا للقاء الأخوين كاسترو اللذين يبدو كما لو أنهما يقودان السفينة الفنزويلية في غياب قائدها. وفي الأسبوع الماضي طلع نائب شافيز، وهو نيكولاس مادورو، بقرار موقع من شافيز يعين فيه وزيراً جديداً للخارجية، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وشكوكاً متصاعدة حول صحة التوقيع من عدمها. وما كان لكل تلك الأسئلة أن تتخذ هذا البعد الدرامي لو لم تكن الرهانات كبيرة، فموت شافيز، إن حصل فعلاً، سيفتح المجال أمام تغيير جوهري في منطقة منقسمة على نفسها وتعيش حالة من الاستقطاب الشديد بين الديمقراطيات النامية والحديثة مثل المكسيك والتشيلي والبرازيل، والبلدان اليسارية المناهضة لأميركا التي يرأسها قادة شعبويون بزعامة فنزويلا، وإن كان الصراع الأيديولوجي حُسم منذ مدة لغير صالح شافيز الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبيته وتدنيها إلى أدنى مستوى لتصبح أقل من أي رئيس آخر عدا كاسترو. ولكن بفضل ثروة فنزويلا النفطية استطاع شافيز الحفاظ على كتلة الدول الموالية له في أميركا اللاتينية مثل بوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا، وبدرجة أقل الأرجنتين، حيث اقتفى قادة تلك الدولة أثر شافيز في تكريس سلطتهم من خلال ملاحقة المعارضين ونسج التحالفات مع إيران. والحقيقة أنهم يحصلون على مقابل مجزٍ نظير مواقفهم تلك، فالزعيم النيكاراغوي دانيال أورتيجا يحصل على 500 مليون دولار سنوياً من المساعدات الفنزويلية أي ما يعادل 7 في المئة من الدخل المحلي الإجمالي لنيكاراغوا. ثم هناك كوبا التي تتلقى يومياً مئة ألف برميل من النفط، أي ما يعادل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد. ولذا فليس مستغرباً أن يكابد الكوبيون للحفاظ على فنزويلا بعد شافيز كما عهدوها خلال حكمه عبر تنصيب زعيم يشبهه، وهو بالفعل ما قام به شافيز قبل مغادرته عندما رشح مادورو، المقرب من كوبا، بديلاً له. وإذا كان شافيز قد تجاهل الدستور الذي ينص على تولي رئيس البرلمان قيادة البلاد في حال غياب الرئيس، فذلك لأن البديل، ديوسادو كابيلو، هو أقرب إلى الجيش الفنزويلي منه إلى كوبا. وتعتمد استراتيجية كوبا على الانتظار إلى أن يرحل شافيز على أمل أن يتمكن مرشحه «مادورو»، بطريقة أو بأخرى، من الفوز في الانتخابات المبكرة التي ينص عليها الدستور الفنزويلي، وهي الاستراتيجية التي تنطوي على بعض الخطورة بعد الأداء الجيد الذي حققه زعيم المعارضة، هنريكي كابريليس، بحصوله على 45 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الماضية، كما أنه يسجل نسب شعبية أعلى، حسب استطلاعات الرأي، من مرشح شافيز. وأكثر من ذلك أن البرازيل والولايات المتحدة أغلقتا الباب أمام أي تلاعب بتحذيرهما من تعطيل الانتخابات، ولكن يبدو أن إدارة أوباما انضمت إلى قادة المنطقة في المراهنة على استمرار نظام شافيز حتى بعد وفاته، حيث أجرى مسؤولون بارزون في وزارة الخارجية اتصالات مع مادورو لمناقشة سبل تحسين العلاقات بين البلدين، وعندما استغل ممثل باناما اجتماع منظمة دول الأميركتين، المنعقد خلال الأسبوع الماضي، لانتقاد أساليب شافيز في الحفاظ على السلطة، رد ممثل الولايات المتحدة أنه لن يدخل في عملية تأويل الدستور الفنزويلي. وفي جميع الأحوال وحتى لو نجحت المعارضة الفنزويلية في الوصول إلى السلطة وإسقاط نظام شافيز مع ما سيكون لذلك من تداعيات إقليمية، ولاسيما بالنسبة لكوبا وغيرها من البلدان المتحالفة مع فنزويلا، فإن التركة ستكون ثقيلة مهما كان الرجل الذي سيخلف شافيز، فخلال فترة حكمه تراجعت صادرات النفط بحوالي 50 في المئة، علماً بأن النفط يمثل 94 في المئة من مداخيل البلاد، هذا بالإضافة إلى شح السلع الأساسية وارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 48 في المئة، ناهيك عن زيادة مهولة في نسب الجريمة التي جعلت الوضع الأمني في فنزويلا أخطر من العراق، مع احتمال خفض العملة المحلية بسبب النزيف الحاد في احتياطات العملة الصعبة. ينشر بترتيب خاص مع «خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©