الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

العابر يعيد تأسيس مدينته قبل أن يتبخر حلمه

5 أكتوبر 2014 23:00
محمد نجيم (الرباط) يعرض الفنان التشكيلي المغربي عبدالله الديباجي أحدث أعماله الفنية برواق باب الرواح في الرباط. أعمال الديباجي تتميز بتفردها وقوتها اللونية وثيمتها البصرية، حيث يزاوج بين الألوان والأشكال والخطوط ليخلق فضاءاته البصرية التي تشد المتلقي وتأسره في عالم من الأحاسيس والمشاعر، وبوح الذات المنكسرة والمتشظية. إنه فنان يحاول الإمساك بالحلم، حلم العابر والتائه، ولعله حلْم عريقٌ بلا شك أن يتطلع المرءُ إلى معرفة الأسرار، وكما يقول الناقد والفنان المغربي حسان بورقية في كتيب المعرض «أسرارِ الكون التي لا تكفّ الحكايات والأساطير عن تصورها بأشكال متعددة من أجل حشْدِ فضولنا لمعرفة الأشياء باطنيا، معرفة ما وراءَ الإدراك البصري الظاهر لها، ما يكوّنها، ما يبعثُ الحياة فيها، ما يربط فيما بينها، ما يجري تحت قشرةِ الأشجار، في نسْغِ الجذور، في تفاعل معادن الأحجار، في تحليق الطيور ومدّ البحار وجَزْرها. من زمانٍ ملأ الناس الدنيا بآلهة رحيمة أو بوحوشٍ مدمِّرة، مثيرة للقلق». ويضيف حسان بورقية في كُتيّب المعرض قائلا: «تلك هي واحدة من حكايات عبدالله الديباجي وهو يحاول أن يقبض، لا على المدينة أو أشكالها أو أنوارها في آنات الليل والنهار... بل القبض على انطباع مباشر هارب في لحظة من لحظات تلك الحيوات والأقدار المعيشة كما يحس بها هو بداخله. لم يسع الديباجي كما لاحظ عبد الكبير الخطيبي ذلك إلى تجسيد المدينة، إنما إعادة خلق ما يشعر به، يرسمه مخافة أن يتبخر، كأنه يراه بعين أخرى وفي زمن سريع سرعان ما سيُمحى، لأنه يعرف أننا لا نستطيع رسم النور، لكنْ بإضافته لرنين ألوان وأشكال ما يُصْدي فيه، يرسم حركة مّا، سرعان ما تدبّ فيها الحياة بفعل تلك الضربات التي تخلّفُها فرشاتُه وإيقاعُها. في اللحظة التي كان يُعْمِل عبدالله الديباجي يديه، ربما كان يُثير أثناءها خفّةَ ذكريات طفولته، ذكريات طفولتنا، يوتوبيانا، بشيء مّا كنا نربّيه فيها ليتقوىّ ويتوحّش ويصبح قادراً على ابتلاعها في رمشة عينٍ عندما تعجز مدنُنا عن أن تكون حاملة لصورة أحلامنا وأن تحرس قيمنا بجمالها وحدائقها ومتاحفها. ذلك أن كل لوحة تنطوي بشكلٍ غريب على حياة بكاملها، بآلامها، بقلقها، ساعات حيويتها ونورها وظلامها». ويتابع بورقية «لهذا السبب جاءت أعمال الديباجي هنا مثل صورٍ تمرُّ منعكسة الواحدةَ تِلْو الأخرى كذكرياتٍ، وفق مبدأ «التكرارٍ» كأنما يتناول ذاتَ الشيء، كأنه يؤكد أن النظر لا ينقضي ولا يتكرر في الزمان والمكان: النظر ينطوي على تناول عنيد يُحفّزه أملُ تنميةِ الاكتشافِ أو تملك ما هو قيْدَ الانفلاتِ. المهم في هذه العملية بالنسبة إلينا، هو قدْر الطاقة المُتَعجِّلةِ التي تسْكن النظرةَ، تشْتهي شيئا آخر غير ما يُعْرضُ عليها. إنها تترصّدُ الثباتَ في الشكل الذي يتحرك، كأنها تبحث عن الوجه خلْف القناع، أو عن معاودة الافتتان المُدوَّخ بالأعماق للعثور ثانية على لعبة الانعكاس فوق سطح المياه». ويؤكد بورقية أنه لا يجب النظر إلى هذه العملية الإبداعية من زاوية جمالية فحسب، بل كذلك من جانب «أخلاقي»، إذ مثلما يحصل في الهندسة المعمارية اليوم، تحلم الحجرة بأن تعود حجرة من جديد، على الإنسان أن يسترجع كمال وبساطة طبيعته، وذلك بأن يجعل من المعمار، من المدينة، بيداغوجية مُبينَة، هدفُها إنقاذُ الإنسان من انحطاطه. المدينة هي عالمُ قِيَّمه، هي صورةُ المواطن، ما يخلق لديه المتعة بفكرة جديدة، بالدهشة أمام الجمال، كأنه يقرأ رواية أو يفتح بصره على جمال يُشْعرُه بأنه مواطنٌ حقيقةً ويستحقّ الحياة. لأن المدينة هي التي تنسج العلاقات الإنسانية. في قاموس الرموز جاء بأن المدن تجسد إسقاطاتنا حول الممكن. لكل مدينة شخصية معينة، جنسٌ وكنيةٌ أو اسمٌ مستعار. تنام وتصحو. نغرم ونسحر بمدينة مّا ونقع في غرامها. وفي كل مكان من العالم، تمثل المدن الكبيرة الهامّة اتجاها حاسما وشكلا من أشكال التبلور الذي ينادي أعمق أعماق الكائن، هناك حيث يوجد المركز الذي لا يُخْترقُ، الشرارةُ الربانية، النقطةُ الأبدية أو الأنا... ومثل خرائط التاريخ، عادة ما تُبْنى المدنُ فوق خراب مدن أخرى، تنطوي على مآثر واضحة وأرواح خفية انتمت إلى زمن آخر. إنها صور لمكتسباتنا الواعية ولتطورنا الثقافي». يذكر أن الفنان عبدالله الديباجى من الأسماء المعروفة في مدونة التشكيل المغربي يرسم أعماله الفنية بحس فني شديد الدقة وبجمالية عالية تسمو بالمتلقي إلى حالات من الخدر والانتشاء، وسبق لهذا الفنان أن شارك بأعماله الفنية في عدد من المعارض الفردية والجماعية في المغرب وعدد من البلدان: ألمانيا، الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا. وقد تخرج من أكاديمية بلجيكا للفنون التشكيلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©