الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حاميها حراميها.. مثال عنصري

حاميها حراميها.. مثال عنصري
15 ديسمبر 2010 19:44
سهام سويد هي فرنسية من أصل تونسي، في الثامنة والعشرين من عمرها، اختارت أن تنضم إلى سلك الشرطة والعمل في صفوفه، وأثناء فترة التمرين تبيّن أنها مغرمة بمهنتها ومجتهدة ومتميّزة، وكانت رتبتها الأولى في دفعة تخرجها وأصبحت تعمل ضمن الفرقة المتخصصة في مراقبة المسافرين وأمن مطار أورلي الباريسي. ولدت سهام بقرية “صيّادة” من محافظة “المنستير” بالساحل التونسي، وذكرت في كتابها “قانون الصمت داخل الشرطة” Omerta dans la police الصادر حديثا، إن كل مترشح لدخول سلك الشرطة يخضع لتحقيق عميق قبل انتدابه، عن عائلته وآرائه وحياته وهو تحقيق سري، ولذلك فإن سهام استغربت عند إجرائها الامتحان الشفاهي، بعد نجاحها بالمرتبة الأولى في الامتحان الكتابي، من إلقاء أسئلة على غرار: هل تصومين رمضان؟ هل أمك امرأة محجبة؟ وأسئلة أخرى عن تونس. وخلال ممارستها لمهنتها اكتشفت سهام أن رجال الأمن من زملائها عنصريون حتى النخاع، وأنهم لم يتقبلوا أن تنضم إلى صفوفهم زميلة من أصل عربي، وأول ما فاجأها عند مباشرتها لعملها كثرة النكات العنصرية الساخرة عن العرب والسود، التي كان يتبادلها زملاؤها فيما بينهم وهم يقهقهون. تحملت سهام كل هذه الاهانات المعنوية في صمت، وتجاهلت في البداية كل ما كانت تسمعه أو تراه، إلى أن جدّت حادثة شهدت فيها سهام شهادة حق على أثر شكوى لمواطن مهاجر تعرض لمعاملة عنصرية من زميل لها، وكانت هذه الشهادة هي القطرة التي أفاضت الكأس، فقد حقد عليها زملاؤها ولم يتقبلوا أن تدلي بشهادة تدين أحدهم، لأنهم رأوا في ذلك خيانة... ممن؟ من “عربية قذرة” فالتسمية الفرنسية العنصرية المعروفة هي نعت العربي بالقذر. وهكذا انطلق مسلسل معاقبة سهام من زملائها ورؤسائها، فتم تكليفها بأصعب المهمّات وتفتيش ومراقبة حاسوبها. لا حساب ولا عقاب أصيبت سهام بصدمة رغم علمها بأن المهاجرين العرب والمسلمين وكذلك السود الافارقة يعانون دائما من معاملة الشرطة لهم، والتي غالباً ما تتسم بالعنصرية والكراهية والاحتقار، ولكنها هذه المرة رأت من الداخل ممارسات عنصرية مقيتة ومهينة من زملائها، وكانت شاهد عيان على قصص فيها ظلم وتمييز وإهانة، وعندما فاض الكأس بسهام قررت أن تؤلف كتابها الذي فضحت فيه الممارسات العنصرية للشرطة، وكشفت الوجه الخفي القبيح لرجال الأمن، وضع هذا الكتاب كوثيقة أمام الرأي العام الفرنسي، وهي حريصة على التأكيد بأن ليس كل رجال الشرطة في فرنسا هم عنصريون، ولكن ما تلح عليه هو عدم محاسبة ومعاقبة رجال الشرطة الذين ثبتت عنصريتهم أثناء ممارستهم لعملهم. تروي سهام في كتابها قصة أميركي أسود، وهو مهندس جاء إلى باريس عبر تونس على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية التونسية. وقد تم احتجازه 48 ساعة في المطار لأنه لا يبدو من ملامحه انه أميركي، فقد شكّ رجال الشرطة ـ بسبب لونه ـ في أن يكون تونسياً وأن جوازه مزور، ورغم أنه وبإنجليزية طليقة أكد لهم أنه أميركي أبا عن جد، وأنه قدم من تونس التي قضى بها إجازته، ولكن لا أحد اقتنع بأقواله، وتمسكوا بأن جوازه مزور، وأمام هذا التعنت نجح المهندس الأميركي في الاتصال بسفارة بلاده بباريس التي احتجت بحدة، وطالبت بإطلاق سراحه في الحال، ولكن الشرطة تلكأت وطالبت السفارة بالتأكد من أن هذا الأسود ذا الملامح العربية هو فعلا أميركي. وقد صرخ موظف السفارة الأميركية في الهاتف وزمجر وأجبر الشرطة على إطلاق سراحه في الحال، وهو ما حصل بعد احتجاز لمدة 48 ساعة. كما روت سهام سويد في كتابها قصة امرأة زنجية من الكونغو تم تصويرها وهي عارية من شرطية في مركز الإيقاف بمطار “أورلي” لمجرد الشك بأنها دخلت فرنسا بشكل غير قانوني، والشرطية كانت تتسلى وهي تتعمد تصوير المرأة الموقوفة وهي عارية. امرأة شجاعة ويعتبر إقدام سهام على تأليف ونشر هذا الكتاب (266 صفحة) خطوة شجاعة، لأنه جرت العادة بأن رجال الشرطة الفرنسيين متحالفون دائما ومتحدون على عدم نشر غسيلهم خارج أسوار مراكزهم، لذلك فإن هذا الكتاب فاجأ الجميع وأحدث ضجة. وفضحت سهام ما سمته “سياسة الأرقام”، فشرطة المطار تحت ضغط السلطة، تريد أن تثبت كل يوم أنها أعادت كذا عدد من المسافرين من حيث أتوا لأسباب واهية وغير قانونية، وتعمد الشرطة أحيانا الى إتلاف أوراق جواز السفر او تلطيخها، وخاصة جوازات الأفارقة الأميين، وذلك لإيجاد تعلات لطردهم قبل دخولهم وذلك لتضخيم عدد المطرودين، وهي حجة تستغلها السلطة لأسباب انتخابية لكسب أصوات اليمين المتطرف من خلال الاستشهاد بالارقام الضخمة للمهاجرين الذين يتم إعادتهم في نطاق سياسة الحد من الهجرة. إفشاء سر المهنة لم تطرد سهام من عملها رغم نشرها لهذا الكتاب الذي “زلزل” الوسط الأمني الفرنسي، لكن اتخذ قرار إداري يوم الأول من ديسمبر الحالي بإيقافها عن العمل لمدة أربعة أشهر عقاباً لها على إفشاء أسرار مهنية. والملفت أن بعض المواقع الالكترونية الفرنسية التي أجرت لقاءات مع المؤلفة أو تحدثت عن الكتاب، اضطرت وللمرة الأولى إلى غلق باب التعليق بسبب كثرة التعليقات العنصرية المتضمنة شتائم لهذه “العربية القذرة” التي تجرّأت على فتح فمها، كما تلقت المؤلفة تهديدات، لكن هناك كتّاباً وصحفيين من الفرنسيين الشرفاء ساندوا سهام ووصفوا كتابها بـ”القنبلة”وبأنها “امرأة شرف”. والمفاجئ أن زوج سهام وهو تونسي وضعها أمام خيار صعب: إما الكف عن “نضالها” وترك هذه المعركة، أو الانفصال، وأمام هذه المساومة اختارت طريقها وتطلقت وهي أم لبنت عمرها تسعة أعوام وضحت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©