السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

قرض صندوق النقد الدولي لمصر «في مهب الريح»

قرض صندوق النقد الدولي لمصر «في مهب الريح»
9 سبتمبر 2012
محمود عبدالعظيم (القاهرة) - رغم الاجتماعات الرسمية التي عقدتها بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة مؤخرا وشملت الرئيس المصري ورئيس الوزراء وعدداً من المسؤولين والفنيين في وزارات المالية والتخطيط والتعاون الدولي والاستثمار فإن توقيع اتفاقية الاقتراض بين مصر وصندوق النقد الدولي يواجه العديد من العقبات السياسية والاقتصادية التي ربما تحول دون التوصل إلى اتفاق قريب بين الطرفين. وتشير مصادر قريبة من المفاوضات إلى أنه برغم الحاجة السريعة والملحة من جانب الحكومة المصرية لقيمة القرض ورغبتها في الحصول عليه قبل نهاية العام الجاري فإن ثمة إجراءات بيروقراطية لدى الصندوق سوف تحول دون إنجاز هذا الاتفاق قريباً لاسيما بعد أن رفعت مصر قيمة القرض من 3,2 إلى 4,8 مليار دولار مما يقتضي العودة مرة أخرى لعرض الملف على مجلس إدارة الصندوق حتى يتسنى الحصول على موافقته على القيمة الجديدة للقرض. وتتمثل العقبة الثانية أمام التوصل إلى اتفاق بين الجانبين في اشتراط الصندوق حدوث نوع من التوافق السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة على القرض وكذلك وجود برلمان منتخب حتى يتسنى توقيع الاتفاق مما يعني الانتظار لحين إجراء انتخابات برلمانية جديدة بعد إقرار الدستور إلى جانب أن حالة التوافق السياسي حول القرض غير قائمة على ضوء المسيرات الاحتجاجية التي يجري تنظيمها يومياً من أمام البورصة إلى مجلس الوزراء ومجلس الشورى للاعتراض على الاتفاق مع الصندوق إلى جانب أن حزب “الحرية والعدالة” الذراع السياسية لجماعة الإخوان رهن موافقته المبدئية على القرض بضرورة إعلان الشروط المصاحبة له وكيفية سداده وأوجه إنفاقه، الأمر الذي وضع الحكومة في مأزق شديد بعد أن كان رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل قد أعلن في وقت سابق أن القرض لا ينطوي على أي شروط أو قيود على حركة الاقتصاد المصري. مخاوف تعويم الجنيه هذه الشروط ذاتها تمثل عقبة ثالثة أمام التوصل إلى اتفاق بين الجانبين حيث تتداول الدوائر المالية والاقتصادية في مصر تسريبات حول بعض هذه الشروط ومنها طلب الصندوق خفض قيمة الجنيه أمام أسعار صرف العملات الأجنبية الرئيسية وفي مقدمتها اليورو والدولار وعزز من هذا الحديث حالة الانفلات السعري التي انتابت أسعار صرف الدولار على وجه الخصوص أمام الجنيه خلال الأيام القليلة الماضية وكسر سعر الدولار حاجز 610 قروش مما زاد مخاوف دوائر الأعمال من إمكانية حدوث تعويم للجنيه في إطار الاتفاق مع الصندوق. ومن هذه الشروط أيضا ضرورة قيام الحكومة بتعديل خطاب النوايا الذي كانت قد أعدته حكومة كمال الجنزوري للحصول على القرض بما يتناسب مع المبلغ الجديد الذي طلبته حكومة هشام قنديل ومن ثم فإن الإجراءات الإصلاحية الهيكلية التي تضمنها الخطاب السابق سوف تخضع للمراجعة بما يعني زيادة الاعباء الاجتماعية والسياسية المترتبة على القرض وهي اعباء تبدأ من ضرورة خفض عجز الموازنة وخفض مخصصات الدعم واصلاحات ضريبية جذرية وغيرها من الإجراءات الاقتصادية ذات الثمن الاجتماعي الفادح الذي قد لا تتحمله حكومة قنديل أو تيار “الإخوان” أمام انتقادات الشارع المصري ومن ثم فإن هذه الإجراءات في حد ذاتها سوف تمثل مشكلة حال إقرارها. ويزيد من صعوبة الأمر عدم امتلاك الحكومة لخطاب سياسي مقنع للجماهير بضرورة الحصول على القرض لاسيما في ظل شعور عام بتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لكثير من الشرائح الفقيرة عكس توقعات هؤلاء المصريين من إمكانية حدوث تحسن في حياتهم استناداً لإجراءات العدالة والحماية الاجتماعية التي أعلنت الحكومة اعتزامها تطبيقها في وقت سابق وفي مقدمتها إقرار الحدين الأدنى والأقصى للأجور في الجهاز الإداري للدولة ـ وهو ما لم يحدث حتى الآن ـ وتحسين خدمات الصحة والتعليم والتخفيف من حدة البطالة في المجتمع. «شهادة الجدارة» هذه العقبات تصب جميعها في إطار عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد في الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن الحصول على القرض بات أمراً حتمياً لإنقاذ أوضاع الاقتصاد المتدهورة وللحصول على “شهادة جدارة” من الصندوق تؤهل مصر للحصول على قروض إضافية من سوق التمويل الدولية وكذلك وفاء الدول العربية التي أعلنت عن استعدادها لتقديم حزم مساعدات مالية لمصر حال اتفاقها مع الصندوق ومنها السعودية والكويت وبالتالي فإن الحكومة ترى ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الصندوق حتى يمكنها الحصول على المساعدات العربية من ناحية وفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد المصري لاجتذاب قدر من الاستثمارات الأجنبية ـ خاصة الإقليمية ـ لتحريك النشاط الذي يكاد يتوقف في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية وفي مقدمتها قطاعا الصناعات التحويلية والإنشاءات إلى جانب القطاع السياحي الذي يواصل نزيفه على وقع حالة الانفلات الأمني الراهنة وسلسلة الحوادث الإرهابية الأخيرة. ويرى خبراء اقتصاديون أن العقبات القائمة أمام التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي تستلزم قدراً من الشجاعة السياسية من جانب الحكومة والاعتماد على الشفافية والمكاشفة في شرح حقائق الوضع الاقتصادي أمام المواطنين وإقامة حوار مجتمعي شامل حول مستقبل العلاقة مع الصندوق والاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة حتى يمكن التوصل إلى عدد من نقاط الاتفاق التي تمثل ركيزة سياسة البلاد الاقتصادية في المرحلة القادمة سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد تشابك العلاقات مع العالم الخارجي. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن الوضع الاقتصادي الهش الذي تمر به مصر بعد 18 شهراً من الثورة وتراجع معدلات الإنتاج وتدهور السياحة والتصدير وتآكل الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي يحتم ضرورة التحرك على أكثر من جبهة لأن قرض الصندوق وحده لن يكفي، حيث إن فجوة التمويل في موازنة العام المالي الجاري (2012 -2013) تدور حول 25 مليار دولار وأن قرض الصندوق حال التوصل إلى اتفاق لا يمثل سوى 20% من هذه الفجوة ومن ثم الأمر يقتضي اتباع إجراءات تقشفية على صعيد الإنفاق الحكومي وتحفيز المستثمرين المحليين على العودة مجددا للعمل واتباع إجراءات ضريبة جديدة تواجه حالات التهرب الحادة خصوصا فيما يتعلق بالرسوم الجمركية إلى جانب إقرار الأمن بأي ثمن حتى تعود السياحة إلى أوضاعها الطبيعية وتسترد دوائر الأعمال ثقتها بإمكانية حدوث تحسن مستقبلي في مؤشرات الاقتصاد الكلي. مؤشرات الخطر وتقول الدكتور ماجدة قنديل، المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، إن لجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي في هذه المرحلة يعد أمراً طبيعياً لأن كافة الدول بعد الثورات تمر بمراحل تحول تؤثر في البنية الاقتصادية القائمة ومن ثم تصبح هناك ظروف استثنائية يمر بها الاقتصاد وتكون الدولة مطالبة بضرورة سرعة استعادة حالة الاستقرار حتى تطمئن مخاوف المستثمرين سواء كانوا مستثمرين محليين أو أجانب. وتضيف قنديل أن المؤشرات الراهنة للاقتصاد المصري تنذر بالخطر فالنمو يتراجع وبالتالي يمكن أن نصل إلى مرحلة انكماش وهذا الوضع يلقي بأثاره السلبية على الحياة الاجتماعية للمصريين في شكل تضخم كبير في أسعار السلع الرئيسية وارتفاع مؤشرات البطالة وفقدان الكثيرين لوظائفهم في ظل اضطرار الشركات لتسريح العاملين بها لتراجع مبيعاتها أو تعرضها للخسائر. وتوضح أن التوصل إلى اتفاق مع مؤسسات التمويل الدولية لمساعدة الاقتصاد المصري سوف يفتح آفاقاً جديدة أمام هذا الاقتصاد لإحراز بعض التقدم أو معالجة الأوضاع السلبية الراهنة ومن ثم يجب تشجيع الحكومة على المضي قدما في المفاوضات لاسيما وأن الاتفاق يقتضي اتخاذ العديد من إجراءات الإصلاح الهيكلي التي تؤتي بنتائج إيجابية ولكن على المدى البعيد وكذلك ـ وهذا هو الأكثر أهمية ـ تعزيز ثقة العالم الخارجي في الاقتصاد المصري وقدرته المستقبلية على الوفاء بالتزاماته. وتؤكد الدكتورة أمنية حلمي، استاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أنه إذا كان الاتفاق مع صندوق النقد دواءً مراً فعلى الشعب المصري أن يتجرعه فلابد أن تلتزم الحكومة بأقصى درجات الشفافية في هذا الأمر وتعلن كافة الشروط بمنتهى الوضوح أمام الشعب حتى تستطيع أن تحصل على مساندة شعبية وتقبل الجماهير للآثار الجانبية التي سوف تترتب على هذا الاتفاق. وتضيف أن شهادة الثقة التي سوف تحصل عليها مصر في حالة التوقيع مع صندوق النقد سوف تسهم في وقف نزيف الاقتصاد وتؤدي إلى اجتذاب تدفقات مالية خارجية تكسر حالة التراجع في النمو الراهنة لاسيما وأن قطاع الأعمال اصبح يعاني تحت وطأة ضغوط متنوعة بدءا من الاعتصامات والاحتجاجات العمالية ووصولاً إلى تراجع الصادرات وفقدان الأسواق الخارجية الأمر الذي يستلزم سرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتعامل مع هذا الوضع المتأزم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©