الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصاص الأثر ينقذ الأرواح بسلاح دقة الملاحظة

قصاص الأثر ينقذ الأرواح بسلاح دقة الملاحظة
16 سبتمبر 2013 19:50
سكينة اصنيب (نواكشوط) - يستعين سكان البادية في موريتانيا بقصاصي الأثر في حالات غياب شخص أو اختفاء أشياء ثمينة أو ضياع البهائم أو سرقتها، في حين تستعين بهم الشرطة لمتابعة آثار أقدام مرتكبي الجرائم والمطلوبين أمنيا ممن يختبئون في الصحراء. وينجح أغلب قصاصي الأثر في تعقب الشيء المرصود لمسافات بعيدة حتى يستدلوا به في نهاية البحث، ويبدي بعضهم قدرات خارقة أثناء عملية البحث، لاسيما المتمرسين في هذه المهنة، والذين تراكمت لديهم خبرات طويلة، واكتسبوا فراسة وفطنة ودقة ملاحظة. ضرورة وحاجة على الرغم من تطور المجتمع لا تزال قدرات قصاصي الأثر تثير دهشة وإعجاب الموريتانيين، الذين يتناقلون أخبار ومغامرات قصاصي الأثر، خاصة قدراتهم على إنقاذ التائهين في الصحراء، والذين تقطعت بهم السبل، وأصبحوا على شفير الموت. ويقول عالي ولد بيروك، الذي نجا من هلاك محقق في الصحراء بفضل فراسة قصاص الأثر، إن الناس تتناقل أخبار اكتشاف الجرائم والعثور على الممتلكات الضائعة، وتتناسى الأهم وهو إنقاذ حياة التائهين في الصحراء؛ فهي أكثر ما يؤكد قدرة قصاص الأثر ويعطيها قيمة وأهمية. ويشير إلى أن أغلب سكان الصحراء معروفون بقوة الملاحظة وحفظ الطبيعة التي تحيط بهم، لكن قلة منهم لديها قدرات خاصة في اقتفاء الأثر وتمييز خصائص وصفات المخلوقات وأثرها في البرية بسهولة. وعن تجربته في هذا الصدد، يقول ولد بيروك إنه مثل جميع الموريتانيين الذين يعشقون الخروج إلى البوادي للاستجمام والصيد، قرر الخروج مع أصدقائه ودفعته المغامرة وحب الاستطلاع إلى الابتعاد عن جماعته للتمتع بصفاء ليل الصحراء، فأضاع طريق العودة وتاه في الصحراء ليومين عانا خلالهما الأمرين، وهي فترة كانت كافية لجلب أمهر قصاص الأثر عثر عليه، وهو في الرمق الأخير فاقدا الوعي من شدة الجوع والعطش. إتقان المهمة يساعد على إتقان مهمة قص الأثر نعومة الأراضي الرملية، ومعرفة القصاص بطبيعة التضاريس، وخريطة المنطقة، وفق ما يؤكده أحد أشهر قصاصي الأثر في موريتانيا عبد الله ولد حامد (45 سنة)، الذي يلجأ إليه البدو والسياح لاقتفاء أثر شيء يهمهم أو مساعدتهم في اجتياز مناطق وعرة، وسبق لعبد الله أن عمل راعي غنم وامتهن الصيد بأنواعه، كما عمل دليلا سياحيا خبيرا بالصحراء والبقاع البعيدة، ما ساعده على إتقان مهمة قص الأثر وتحقيق شهرة كبيرة في هذا المجال. ويقول القصاص عبد الله إن «الأرض الصحراوية بطبيعتها تسهل عملية قص الأثر لأن حركة الإنسان أو الحيوان مهما كانت خفيفة تترك أثرا واضحا على الأرض، إضافة إلى قلة السكان في الصحراء، إلا أننا نجد بعض الصعوبة فـي الأراضي الصخــرية والجبلية، والتي لا تسمح برسم أثر كما يحدث على الأراضي الرملية، لذلك فالأراضي الصخرية تحتاج إلى قصاص مختص ذي خبرة طويلة يمكن أن يستدل على الأثر، واتجاه المسير بغصن مكسور أو حصاة مقلـوبة، كما أن حدوث العاصفة يصعب مهمتنا فـي الصحراء لأن نزول المطر وهبوب الريح يمحي كل أثر في الصحراء». ويؤكد أن الشرطة تستعين بخبرة قصاص الأثر لكشف غموض بعض الحوادث التي تحدث في قرى الصحراء، مضيفا أنه استطاع من خلال قص الأثر إنقاذ حياة أعداد كبيرة من السياح، الذين تاهوا في الصحراء، كما كشف الكثير من الجرائم وساعد البدو على استعادة مواشيهم. وجهان لعملة واحدة حول العوامل التي تساهم في نجاح مهمة قص الأثر، يقول ولد حامد «تتباين المدة القصوى لمعرفة مكان الشيء المرصود تبعا لخبرة القصاص وتضاريس الطبيعة وبعد المسافة بين القصاص والشيء المرصود، ويشترط في نجاح عملية قص الأثر أن يكون تركيز القصاص عالياً وذهنه حاضراً حتى يصدق حدسه، وأن يكون على دراية ومعرفة بالمنطقة وطبيعة الأرض وتضاريسها، ويتوقع تصرفات العابرين لها ويعرف الطرق والممرات الإجبارية التي يجتازها الإنسان والحيوان وأماكن وجود الماء والظل». ويعمل بعض قصاصي الأثر في الجيش والشرطة، وبعضهم يتطوع لخدمة الجيش أو المساعدة على كشف حوادث أمنية واعتقال المطلوبين والمهربين وملاحقة العناصر الإرهابية التي تعبر الحدود مع مالي والجزائر، ويعتبر قصاصو الأثر جزءاً أساسيا في العمليات الأمنية، فهم يقومون بتمشيط الحدود للكشف عن عمليات التسلل والتهريب وملاحقة العناصر المطلوبة أمنيا في المناطق المتاخمة للحدود مع الدول الإفريقية. وفي المقابل، هناك من يستغل قصاصي الأثر، وجميعهم من البدو الذين يسكنون في المناطق الصحراوية، في نقل المخدرات والمنوعات وتهريب السلع المدعمة بحكم أن وجودهم على الحدود يدخل في صميم عملهم، وأنهم على دراية بالطرق، لذلك أقام بعض قصاصي الأثر علاقات وثيقة بالتجار والمهربين وتورطوا في نقل المخدرات والممنوعات من جانبي الحدود. دراسات وصدرت العديد من الدراسات التي تناولت قص الأثر واعتبرته ضمن العلوم التي فرضتها البيئة الصحراوية، وتعلمه أهلها بالفطرة، واكتسبوا الخبرة من السابقين، للتغلب على الكثير من المصاعب في حياتهم أو البحث عن المفقودات والسير في الطرقات الوعرة، لدرجة أنه كانت تجرى مسابقات عدة تظهر مدى مهارة المشاركين، حين كان يتطوع خبير في قص الأثر ويخفي أعواد حطب تشققت من الجفاف وسط كومة مبعثرة من الحطب أيضاً في مكان بعيد، يصعب الوصول إليه، وتقام مباراة يفوز فيها من يحضر أعواد الحطب، في أسرع وقت ممكن، وتم التركيز في مثل هذه المسابقات على عامل الوقت، بعدما تلاحظ أن أغلب المتسابقين أصبحت لديهم القدرة على إيجاد الحطب المخفي. كما تناولت الدراسات مهارات قصاصي الأثر في التفرقة بين الخطوة والأخرى، وأن القدم التي داستها لسيدة أم رجل، ووصلت الدقة في المهارة إلى تقدير تقريبي للعمر، مشيرة تلك الدراسات إلى أن قصاصي الأثر كانوا يتعرفون إلى أثر قدم المرأة الحامل من الفتاة أو أن الذي يسير يحمل ثقلاً ويمضي بخطوات متسارعة أم بطيئة، وفي هذا الإطار ظهرت العديد من القصص التي تناولتهم حياة قصاصي الأثر الخاصة، حيث تتطلب مهمة عمل الواحد منهم أن يخرج بعد شروق الشمس مباشرة، ويتابع عمله مع أول ضوء إن أراد الدقة، وذلك حرصاً على ألا يتعرض الأثر لعوامل خارجية تغير ملامحه، ومنهم من كان يختار وقت الغروب ليجمع أكبر من المعلومات من خلال الأثر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©