لا وقت لدي...

لا وقت لدي... فاتبعوني، فبي ذات السعار والسعير في جماجمكم... فاتبعوني، وبي غرباء رُحلوا عن بيوتهم، وهم في بيوتهم... فاتبعوني، وبي أحياء يذهبون للحساب قبل موتهم... فاتبعوني، وبي ساجد خاشع لفكرة يجهلها... فاتبعوني، وبي ضلع عصي على الاستقامة، مثقل في غيّه... فاتبعوني، وبي سرب قطا هارب من خطاه... فاتبعوني، لا وقت لدي... فاتبعوني، سقطتُ منذ هنيهة من سحابة هجرت ماءها، فاصطفاني كأس دفلى يقطر شوقا من شوقه لدفلاه، سقطت ثانية من نار شوقه فوق حصى منشق عن حصاه، وتربة هاربة من تربتها، فاصطفتني وحوش السماء، دربتني على الهدم، قلت أحرر الجبال من أوتادها فتميد... وتتبعوني، لا وقت لدي... فاتبعوني، أطراف روحي ترنخت وتذوب... اتبعوني، لا علم لي كيف أكون حين أكون بلا قدمين، ولا كفين، ولا رئتين، لا علم لدي كيف أكون حين أكون بوجه تتقاتل فيه حاسة الشم مع الذوق مع البصيرة، لا علم لدي كيف أكون حين تسيل قصائدي من صدغي، لا علم لدي حين أمشي ككتلة لحم أنهكها النابالم وماء النار، لا وقت لدي... فاتبعوني، أنا أول العارفين بموت النوارس، هجرة البيوت عن سكانها، أول الساقطين من غيمة فقدت ماءها، أول العاشقين شق ضلعه المستقيم... فاتبعوني، لا وقت لدي، لا تسألوا عن وجهتي، فاتبعوني بلا وجوهكم، حرروا عيونكم من كل ما رأت، وأسماعكم من كل ما سمعت، واتبعوني بلا صدوركم، حرروا رئاتكم من الهواء، واتبعوني بلا بطونكم، حرروا أحشاءكم من نارها، واتبعوني بلا أجناسكم وجنسكم، حرروا نسلكم من تيهه وانتمائه، وقطّروا نطفكم من سواد الخيانة، واتبعوني بلا سيقانكم، حرروها من اتجاهاتها، تسير منذ قرن إلى جهة مفعمة بالجنازات واتبعوني بلا أقدامكم، حرروها من المظاهرات واكبتوها، ستشهد بعد حين عليكم، فاتبعوني، وتعالوا قبل أن يوسوس فيكم من يسكنكم، قبل أن تنزلوا هنا على هذه الأرض، قبل مؤامرة الدم على الحنطة، قبل اعتدائكم على الكائنات، قبل نشوء اللغات، قبل تشكل المحيطات والحدود والدويلات، قبل أن تعتدوا على الله... اتبعوني، لست منقذكم أنا مثلكم، قتلتني مرة وقُتلت مرات، وخنتني مرة وخانوني مرات، لكنني سقطت قبلكم، فلا تسقطوا.