الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللعب المسرحي في قاعة الدرس

اللعب المسرحي في قاعة الدرس
28 سبتمبر 2011 16:42
يعتبر المسرح المدرسي في أي مكان من أرجاء العالم الفسيح، ركيزة أساسية ووسيطا مهما في عملية التعليم. والمسرح في التعليم أو الدراما التربوية موضوع يقوم في الأساس على ممارسة المعرفة في إطار درامي يتوحد فيه الطالب مع دور ما، في موقف يتضمن نهجا فنيا مرسوما يساعد في عملية الاستكشاف والتعبير عن المعنى المتضمن في التجربة الدرامية. وتعتمد الدراما التربوية على عناصر الدراما كشكل فني لفهم وتطبيق استراتيجياتها والتي تتمحور حول عملية الارتجال التمثيلي المرتبط في الطفولة المبكرة بعملية اللعب الإيهامي. من ذلك نستطيع القول إن المسرح المدرسي هو المنجم الذي لا ينضب في استخراج الطاقات الإبداعية على مستوى الممثلين الصغار الذين سيصبحون مع التدريب والوقت نجوم المستقبل، بل والجمهور الحقيقي للمسرح، كما أنه الساحة المفتوحة على فضاءات غير محدودة لإنتاج المسرحيات الخلاّقة. نتحدث عن المسرح في قاعة الدرس، وكيف لنا من خلاله ربط التلاميذ بعملية التعليم بوجه خاص وبالعملية التربوية بوجه عام، ومن ذلك يمكننا الوقوف على إطار يستفيد منه المعلم في حصته الدرامية، ويمكن من خلاله تقسيم خطط الدروس بسهولة ضمن إرشادات إلى أقسام رئيسية هي: أولا، المقدمة والعرض: وهي خطوة أولى في الدرس لجعل التلاميذ يتهيأون بشكل تلقائي لعملية التعليم، ويمكن تحقيقها بمحادثة بسيطة مع ملاحظة راحتهم الجسدية، وطريقة جلستهم الصّحية، وهي من الأمور التي لها أثر كبير على مسار العملية التعليمية، ومن هنا نستطيع تحديد كفاءة الطلبة واستعدادهم النفسي ومقدرتهم على المشاركة في اللعبة المسرحية أو النشاط الابتكاري المراد تنفيذه. ثانيا، النشاط التحريضي: يجب أن يكون النشاط ملائما لأعمار الأطفال وحاجاتهم الدراسية، وطاقاتهم الجسدية، فإذا كان النشاط يأتي ما بعد فترة الدراسة، فيمكن للمعلم عمل تمرين جسدي ولياقة بدنية للتلاميذ، إضافة إلى تعليمهم فنون الهدوء والتركيز. ثالثا، الحافز: مهما كان النشاط التحريضي فان الخطوة التالية هي القصة أو الحافز، وهي النشاط الذي يتضمن الجزء الأساسي من الحصة أو اللقاء، فعند اختيار الحكاية لأي مجموعة فان المصادر الخلاقة ـ التعبير والخلفية عن الموضوع ـ أكثر أهمية من عمر المتلقي. إن خيال الطفل ربما كان قد حفّز من قبل بطرق شتّى، ومن ذلك فإن على المعلم أن يقرر الكمية التي يحتاجها الطلاب من الحوافز، مثل الانتباه والإثارة العاطفية والتوازن بين النشاط الإيجابي الفاعل وطاقة التلاميذ، وهي عناصر يجب مراعاتها عند اختيار المواد الدراسية في المناهج. رابعا، التحقيق: على المعلم أن يتبع الحافز مع النشاط الموازي له في عملية التحقيق، فعلى سبيل المثال إذا كانت القصة تحكي عن شاب تحول إلى ضفدع أو حيوان مفترس، فيجب أن يتمّ تدريب التلاميذ على تمثيل هذا التحول أولا، وذلك من خلال إعطائهم بعض التمارين والحركات التي تساعد على استخدام الجسد بالشكل الملائم للتحول الذي تتطلبه القصة، أو بمعنى آخر علينا تعليمهم فنون (التقمص) والتجسيد من خلال التطبيق. خامسا، التمثيل (اللعب): يعتمد التلاميذ في هذه المرحلة على أنفسهم في العطاء، وعلى المعلم أن يحدّ من تدخله وتسيير طلابه للتقليل من برمجة أفكارهم، ومنحهم فرصة الإبداع الحر والتلقائية والتحرك في الفضاء . ولكن بعد العرض يمكن التداول والتباحث معهم بحيث يشار إلى مواطن الضعف في عملية التطبيق أو التنفيذ. سادسا، التقييم: يجب أن يتمّ التقييم على صورة (نقاش) أو فن المناقشة والحوار الموضوعي، أما إذا كانت الفئة التي قدمت العرض من صغار السّن، فيمكن لنا إدارة الحوار عن طريق الأسئلة المواجهة التي لا تتحدد بنعم أو لا، وإنما أسئلة مثل: ماذا أحببت في العرض المسرحي؟ ما الذي تعتقد أنه كان جيدا في العرض؟ وفي حالة فئة الطلاب المتقدمة في العمر (مرحلة قطاع ما بين الطفولة والفتوة أو المراهقة ـ الفتيات من أعمار 11 إلى 15 سنة، والأولاد من 12 إلى 16 سنة)، فعلى المعلم أن يمتدح المجيدين ويشجعهم ويثني على من يناقشون بإيجابية في عملية التقييم، في محاولة منه لتأكيد أهمية ما قامت به الفئة من جهد، وفي هذه السّن فإنّه من الضاّر جدا الاستماع إلى النقد. سابعا، إعادة التمثيل: يعاد التمثيل عادة بممثلين جدد حتى يتم إشراك جميع طلاب الصّف إن كانت المجموعة أكثر من عدد شخصيات المسرحية، وإذا لم يتوافر العدد الجديد الكافي، فعلى من اشتركوا سابقا القيام بأدوار أخرى. وفي هذه المرحلة على المعلم أن يقيّم بشكل أكثر دقّة وعمقا فيضع أسئلة مثل: هل كانت الحركة المسرحية واضحة؟ وهل كان هناك تفاعل كاف بين الشخصيات وحوارها؟ هل هناك استخدام جيد للفراغ المسرحي؟ تطبيقات عملية تتم التطبيقات العملية عن طريق الدراما المبتكرة أو الدراما الإبداعية في مجال المرحلة الابتدائية، تتحول المقطوعات الشعرية في مادة اللغة العربية على سبيل المثال إلى حياة مسرحية مليئة بالحركة والخيال والموسيقى الداخلية، فمثلا في قصيدة الطائر: “الطائر الصغير مسكنه في القش وأمه تطير تأتي له بالقش ّ تخاله الطيور إذا بدا في الفرش كأنه أمير يجلس فوق العرش يا طائرا ما أجملك يا زهرة في الشجر لولا جهاد الأم لك يا طائرا لم تطر”. هنا يمكن للمعلم أن يقوم بشرح الأبيات والكلمات شرحا وافيا، وأن يحدّث التلاميذ عن الطيور وعالمهم الجميل الذي يساعد ويعطف ويحنو فيه الكبير على الصغير، كما يمكن له أن يستثير خيالهم من خلال تصوير المكان وتفهم الشخصيات، ثم يقوم بتوزيع الأدوار والشخصيات، كأن يقوم أحدهم بدور الطائر الصغير، وتلميذة أخرى تقوم بدور الأم، ثم يختار مجموعة تقوم بدور الكورس (الجوقة) التي تغنّي الأشعار، ومجموعة أخرى تقوم بدور الأشجار، ثم يقوم الطائر الصغير بأداء حركات عصفورية صامتة متنقلا بين الأشجار والغابة والأم، بحيث يتناسب الكلام مع توقيت الحركة حسب معنى الأبيات، فإذا كان المعنى أن يأتي بأعواد من القشّ بناء البيت (العش) فالحركة تؤدي هذا المعنى، وهكذا تتبادل المجموعة القيام بالأدوار داخل حصة الدرس (الفصل)، وبذلك ستكون القصيدة محببة إلى التلاميذ وسهلة الفهم والحفظ. ويمكن للمدرس أن يوضّح للتلاميذ الصغار ظواهر عملية (من أعمار 6 إلى 9 سنوات) حول كيفية سريان التيار الكهربائي، وذلك بأن يطلب منهم أن يتحلّقوا في دائرة، ويمسك كل واحد بالآخر على طول خط الدائرة، وهذا يعني أن الدائرة مستمرة، ويمكن أن تقطع بخروج أحد الطلبة منها، ويمكن أيضا توضيح الطّاقة لقوة الجذب المغناطيسي، فيقسّم الطلبة إلى مجموعتين، واحدة جاذبة، والأخرى مجذوبة، ويمكن أيضا لمادة الجغرافيا أن تؤدى بأسلوب الدراما المبتكرة، حيث يمكن للطلاب أن يجسدوا شخصيات ترمز إلى معالم لتلك المادة. فعلى سبيل المثال، يمكن للطالب أن يمثل دور (الليل) وآخر دور (النهار) وآخر دور (الشمس)، وآخر دور (القمر)، ثم أدوار الشروق والغروب. وفي مادة العلوم يمكن أن يتقمص الطلاب شخصيات ترمز إلى مختلف أعضاء الجسم كالعينين والأذنين والقلب والرئتين. وفي مجال مادة الكيمياء يخلع التلاميذ على أنفسهم أسماء المواد الكيميائية مثل الزئبق والفلزات والأحماض والغازات وما شاكل على ذلك، وعند مسرحة هذه المواد وأداءها بالشكل الابتكاري، يجب مراعاة الخصائص العلمية لكل مادة. قد يكون في المنهج المدرسي قصة مقررة في كتاب القراءة أو التاريخ، وهنا نقدم طريقة بسيطة للمعلم يمكن له إتباعها مع تلاميذه، لكي يحوّل القصة من شكلها السردي إلى شكلها الحواري في إطار مسرحي من خلال الدراما الإبداعية وحسب التسلسل التالي: ـ يمكن للمعلم عرض حكاية القصة وفكرتها، ثم يقوم بتكليف أحد التلاميذ الماهرين في الأداء بقراءة القصة. ـ يناقش المعلم تلاميذه في مجريات القصة وتطور أحداثها وهدفها وشخصياتها. ـ يطلب من التلاميذ أن يحكوا القصة بأسلوبهم الخاص، مع التركيز على النقاط الهامة بما يتعلق بعملية التمثيل أو مسرحة القصة. ـ يناقش المعلم تلاميذه في كيف تبدأ المسرحية، وما هو مركز الاهتمام الرئيسي فيها؟ وهل نحتاج مشاهد إضافية تؤكد الهدف العام من المسرحية؟ وكيف ستكون نهايتها؟. ـ يجعل المعلم الفصل كله يمثل المواقف الرئيسية، مع إبراز الحوار الضروري، ثم يمثّل التلاميذ كل مشهد على حدة، ثم يعاد تمثيل الرواية كاملة، ويناقش المعلم التلاميذ الممثلين في الملابس أو الأزياء المناسبة للشخصيات، وطبيعة المكان الذي تدور فيه الأحداث، مع مراعاة المراحل العمرية للمراحل الدراسية المختلفة، بحيث تتحول قاعة الدرس في مثل هذه الحالة إلى ورشة مسرحية تطبيقية تستفيد من عناصر الدراما الإبداعية مثل فن الارتجال، سعة الخيال، قدرات الطفل ومدى تفاعله مع فعل البناء الدرامي المرتجل. المسرح في التعليم أطلق البعض على هذا اللون الابتكاري من المسرح المدرسي صفة المسرح في التعليم، وهو عبارة عن مسرحيات قصيرة تعدّ خصيصا للمدارس من قبل مختصين في مجال المسرح والتربية، وتعرض هذه المسرحيات في المدارس ولمواضيعها علاقة بالمنهاج المدرسي، ويمكن أن يؤديها طلاب المدرسة بمساعدة المشرف، وأحيانا يؤديها المعلمون الذين لهم دراية بفن المسرح والدراما بشكل عام، أو محترفون في مجال التمثيل. وهذا الشكل إنما يتبع الأسلوب الذي يتطلب المقومات المتكاملة للمسرح من بناء ولواحق عرض (ديكور، إضاءة، موسيقى، صوت، ماكياج، أزياء)، فمثلا إذا كان مقررا على إحدى السنوات موضوعا أو مسرحية عن فلسطين، فيمكن تقديم مسرحية أخرى تطرح نفس الموضوع، وهنا سوف يدرك الطلاب وجها آخر للموضوع أو المسرحية المقررة من خلال كاتب يضع رؤية مغايرة للنّص. وهكذا سيعقد التلاميذ مقارنات حول كلا الكاتبين وطبيعة النص. إن ذلك يثري المادة ويعمق الخيال عند التلاميذ، وبذلك تحقق التجربة المسرحية إحدى أهدافها الهامة وهو الهدف التعليمي وهو إعداد الموضوع والمادة الدراسية إعدادا دراميا يكون فيها التلاميذ محور التجربة أو العملية التربوية. وعلى أهمية رسالة المدرسة تتعاظم أهمية المسرح المنطلق من جنباتها وأروقتها، لذلك أولت الدول المتقدمة اهتماما كبيرا بالعاملين في حقل هذا اللون البديع من المسرح، فهناك علماء النفس، والمرشدون الاجتماعيون، وسبل البحث الميداني في فنون الطفل الدرامية، إلى درجة أن بعض المدارس الحديثة أنشأت جهازا فنيا تربويا متكاملا، يرعى هذه المسألة لأن ما سيكون عليه عالم الغد يرتكز أساسا على قوة الخيال عند الذين يتعلمون القراءة اليوم. الأمر نفسه ينطبق على النشاط التمثيلي الذي يعطي للخيال فرصة في تحقيق مجموعة أغراض أهمها: ـ تنمية الثقافة العامة والخبرات والمعلومات والقدرة على التعبير وزيادة الحصيلة اللغوية وملكة التعبير والتذوق الأدبي، إضافة إلى صقل الموهبة ومعرفة وإلمام بفنون الرسم والمناظر والإخراج وإدارة المسرح والإضاءة لدى التلاميذ المشاركين في العرض المسرحي. ـ تنمية الروح الجماعية والعمل المشترك بروح الفريق، على اعتبار أن فن المسرح فن جماعي مركب، وما يحتاجه من تقدير واحترام الرأي الآخر والقيادة والمشاركة الوجدانية التي تبني شخصية سوية من الناحية النفسية، لأن النشاط المسرحي في الواقع له أثره الصّحي على التلاميذ، والصّحة النفسية هدف رئيس ضمن أهداف المسرح في التربية والتعليم، يتحقق بعضا منه تلقائيا، وبعضه الآخر يتحقق من خلال وعي المخرج بالحالات المرضية. ويذكر بيتر سيلد مصطلح (النشاط التمثيلي) العلاجي كنشاط يمنع العديد من الأمراض النفسية، ويفجّر الطاقات المكبوتة داخل الطفل، كما يؤكد علماء النفس هذه الحقيقة اذ يعتبرون أساليب النشاط التمثيلي والنشاط التمثيلي الاجتماعي socio drama فعالة في ترشيد العلاقات بين الأطفال وتحسين تكيفهم مع أنفسهم ومع الآخرين خاصة بعد نجاح المسرح في تخليصهم من حالات الخوف والخجل في مواجهة الناس. ـ تحسين طرق التدريس وتحقيق التكامل بين المواد الدراسية وتحويلها إلى خبرات ونشاط إبداعي ذات معنى، يمكن تذوقها عن طريق مسرحة المناهج الدراسية. ـ يفيد النشاط التمثيلي في مهارات تدريس اللغة، ممثلة في فن الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة الصحيحة، كذلك يفيد في مجال التعبير الإبداعي والمرونة والاستقرار العاطفي، فيمكن للطفل خلال النشاط أن يكتشف معاني الكرامة في الحزن والقوة في الصبر والمثابرة من خلال فهم عنصر الصراع في المسرحية، إضافة إلى اكتساب الطفل التوازن الجسدي (اللياقة والرشاقة) من خلال التدريب على الحركات الإيقاعية، كما ينمّي التقدير الرفيع للفن والموسيقى والرقص الحديث والأدب والفكر. عناصر المسرح المدرسي يتضمن إنتاج العرض المسرحي عناصر كثيرة مثل: النّص، والعناصر التكميلية من ديكور وأزياء وموسيقى وإكسسوارات والدعاية والإعلان وأشياء أخرى كثيرة. إلا أننا سنركز في هذا المقام على عنصر هام ألا وهو (الإخراج) أو طريقة إخراج المسرحية في المدرسة. وهنا نقول بوسع المخرج (المعلم) عمل تدريبات لمجموعة التمثيل قبيل اختيار النص، وذلك لغايات تنمية قدرات التلاميذ التعبيرية، وأيضا للكشف عن إمكانياتهم وتحديد نوعية النصوص الملائمة لتلك المجموعة، وتشتمل هذه التدريبات على ما يلي: ـ تدريبات جسدية: الجسم كما نعرف هو الإطار المادي ألذي يرسم به الممثل في الفراغ المسرحي، لذلك لا بد أن يكون هذا الجسد مطواعا ومرنا، لكي يتمكن من تجسيد مختلف التعبيرات والحركات ذات المهارات العالية، ولذلك على المخرج أن يكسب جسم الطالب مرونة تامّة، ويجعله يجيد التحكم في جميع حركاته وسكناته في ملامحه ووجهه واتجاهات رأسه وحركات يديه وذراعيه وقدميه وساقيه وجذعه حتى طريقة وقوفه متماسكا على خشبة المسرح. كيف يمشي ويجلس ويركض؟ كيف يتوقف فجأة؟ وبذلك يكون الطالب قد أتقن كافة الحركات المجردة، ليصل في نهاية المطاف إلى الشخصية المكلف بتشخيصها في إطارها الجسدي والنفسي والمادي والمعنوي. ـ تدريبات الصوت: على المخرج أن يعتني بصوت الممثل من ناحية نطق الكلمات بحيث يكون الأداء واضحا خاليا من عيوب النّطق لكي يصل المعنى سليما معافى إلى المتلقي، ومن هنا تأتي أهمية عملية تنظيم التنفس وعلاقته بتقطيع الجمل من خلال صنع توازن بين كمية الهواء في صدور الممثلين والجمل التي ينطقونها، لأن الهواء هو مادة الصوت، كما يمكن أن يجعل المخرج من دروس الموسيقى بالمدرسة عملية مكملة للعملية الفنية. ـ تدريب الحواس: من البديهي أن الماديات المقرونة باستخدام الحواس لا تستخدم في المسرح استخداما واقعيا، وإنما استخداما مسرحيا، فحين يكون المطلوب من الشخصية أن تشمّ عطرا جذّابا، فليس من الضروري في المسرح أن نستخدم العطر استخداما حقيقيا، وكذلك حينما يكون الممثل مطالب بأن ينظر إلى طائرة من نافذة، أو حريق، أو عصفور صغير، وهكذا فيما يتعلق بمختلف الحواس. إذ على المخرج القيام بمهمة تدريب تلاميذه على كيفية استخدام (الحواس) لتقديم فعل مسرحي يوحي بالواقع، وهو ما يعرف في المسرح بعملية الايهام بالواقع، كذلك فيما يتعلق بالجوانب المعنوية مثل الخيال والعاطفة والتركيز والشفافية الجمالية. بعد قيام المخرج لهذه التدريبات، ومعرفته لإمكانيات طلابه وقدراتهم المختلفة، حينئذ يمكن البدء في التجهيز للبرنامج المسرحي وفق الخطوات الآتية: ـ اختيار النّص المسرحي: يختار المخرج النص من خلال إدراكه لتاريخ الأدب والمسرح ومن ملائمة هذا النص للنشاط المدرسي على وجه الخصوص، من حيث مراعاة القيم وتحديد الغرض الذي من أجله تقدم المسرحية، هل الغرض تعليمي؟ أم تثقيفي؟ أم ديني؟ وسبب اختيار النّص. وفي هذا الإطار هناك ملاحظة هامة: وهي أنّه على المخرج أن يكون قد وضع خطّته على الورق فيما يتعلق بتحليل النّص والشخصيات وعنصر الصراع الدرامي، واختيار الممثلين، وتصوّر شكل الديكور والإضاءة والموسيقى والحركة، وتحديد مكان العرض، هل هو في حديقة؟ أم قاعة؟ أم في مسرح مغلق؟ ـ الإمكانيات البشرية: يحدد المخرج مع المدرسين الآخرين، ومن خلال لقائه مع مجموعة الطلاب أي الشخصيات تمثل، وأيها تشترك في تنفيذ لواحق العرض المسرحي، وأيها في فريق التمثيل أو الموسيقى أو الإدارة المسرحية والدعاية والإعلان والتنسيق، إلى آخر مجموعات تنفيذ العرض. ـ التدريبات: تشتمل التدريبات على العديد من المراحل المتتابعة منها مثلا قيام المخرج بقراءة وتحليل النّص في (بروفه) خاصة لجميع المشتركين في العرض من حيث الزمان والمكان والمؤلف وتوضيح الفكرة العامة وأبعاد الشخصيات الاجتماعية والنفسية والمادية وعقدة المسرحية crisis، وكيف تنفرج الأزمة. بعد ذلك تنطلق كل مجموعة للعمل بشكل مستقل، ثم تأتي مرحلة تدريبات الأداء word rehearsal وتشتمل على قراءة خاصة وتحليل للنّص وتكون أكثر دقّة وتركيزا، ثم توزع الأدواء حسب مقومات وتكوين كل شخصية، كما يمكن أن يتدرب أكثر من ممثل على دور واحد، حتى يمكن للمخرج من اختيار الأفضل للدور. أما إسناد أدوار الرجال إلى الفتيات وهو ما يحدث كثيرا في المسرح المدرسي فالأمر مقبول ومستحب أحيانا وخاصة في بعض المسرحيات الفانتازية fantasy، وهي في الواقع مسرحيات خيالية تدور أحداثها في الغيبيات البعيدة، وأحيانا يمكن تحميلها مدلولات ترمز إلى واقع سياسي أو أخلاقي أو ديني تحت مظلة ما يعرف اصطلاحا بـ (الإسقاط الفني). ـ مرحلة الحركة والعناصر الفنية: تتعاقب مراحل التدريبات من صياغة الحركة إلى تداخل العناصر المسرحية الأخرى من ديكور وموسيقى وغيرهما، وتتكيف التدريبات بهذه العناصر وفقا لطبيعة المستوى العمري الذي تتم ممارسة التجربة في نطاقه. وبعد الانتهاء من تدريبات الحفظpick – up rehearsal، يبدأ المخرج في تنفيذ عنصر الحركة مباشرة، كما يمكن أن يربط الحركة مع الكلمة والنغمة بشكل مباشر في آن واحد، مع متابعة عمل المجموعات المختلفة، وله أن يتحقق من إنجازات الفريق المكلف بأعمال الديكور والموسيقى والصوت، حتى يصل في النهاية إلى تدريبات (التشطيب)، ولا بأس عند إقامة التدريبات النهائية من تجميع جمهور من تلاميذ المدرسة ومدرسيها وأولياء أمور الطلبة المشاركين في العرض المسرحي للتعرف على مدى تقبلهم لشكل العرض وسلبياته وإيجابياته، بحيث يتسنى تدارك أية أخطاء من خلال هذا العرض التجريبي حتى يوم الافتتاح الرسمي. في النهاية نشير إلى أن البريطاني بيتر سليد والذي قدّم لنظرية دراما الطفل في كتابه عام 1954 child drama، أول من بلور تصورا متكاملا لطبيعة اللعب الإيهامي أو الدرامي عند أطفال المدارس، وكيفية نمائه في المراحل العمرية المختلفة، وقد حاول سيلد لأن يثبت أن للعب الدرامي سمات وخصائص مرتبطة بالمراحل النمائية المختلفة عند الأطفال والفتيان، وأنه ظاهرة خصبة جدا لمن يؤمن بعملية التعلم عن طريق اللعب. وقد كان لبريان وي، ودورثي هيثكوت، وجافين بولتون دورا مهما في بلورة استراتيجيات الدراما التربوية الخلاقة كما نعرفها اليوم في المسرح المدرسي المعاصر. زهير بن أبي سلمى ممسرحا في سوق عكاظ يحل الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى ضيفا على النسخة الخامسة لسوق عكاظ الذي انطلق يوم الثلاثاء الماضي في محافظة الطائف، حيث يتناول عمل مسرحي شخصية الشاعر متجاوزا مرحلته التاريخية إلى لحظات تاريخية أخرى تمتلك تعقيدات مشابهة. ويستلهم نص المسرحية إنسانية الشاعر وحكمته وحبه للسلام، بأسلوب درامي غير مباشر يعتمد على علامات مسرحية تشير للحوادث الراهنة ولا تسميها، وبعيداً عن السرد التاريخي للشخصية، حيث تبدأ المسرحية من الزمن الذي توقفت فيه حرب “داحس والغبراء”، انطلاقا من جثث قتلى المعركة من “عبس وذبيان”. ويرجع اختيار شخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى موضوعاً لمسرحية هذا العام إلى موقعه في تسلسل شعراء المعلقات في أمهات الكتب العربية ودواوين المعلقات، حيث يحل ترتيبه ثالثاً بعد الشاعرين امرؤ القيس وطرفة ابن العبد، ما يؤكد أن القائمين على سوق عكاظ حريصين على تغطية شعراء المعلقات ورموز الشعر العربي. المسرحية اتكأت على موروث زهير بن أبي سلمى من روايات وقصص وبحوث واستثمرتها لإبراز ما يمثله الشاعر من حكمة وبصيرة إزاء ما أحاط به من أحداث معقدة اندلعت بسببها نزاعات وحروب، مستكشفة العوالم الدرامية لهذه الشخصية، ما يعني أنها لن تكون سرداً تاريخياً لحياة الشاعر زهير بن أبي سلمى، بل سيتخطى إلى استحضار الحياة السياسية والاجتماعية في ذلك الحين وإسقاطها على عصرنا الحالي، مع الاحتفاظ بوثيقة الشاعر في كتب التاريخ. ويقول منتج المسرحية عمرو جابر القحطاني “نقدم زهير بن أبي سلمى كشاعر ساهم في خلق السلام في عصره، وهو الأمر الذي نحتاجه في زماننا هذا، وركزنا في استحضارنا للماضي على عنصر السلام وقوة الصف الواحد كمطلب رئيس”. واستطرد “أبدع الكاتب الدكتور شادي عاشور في هذا العمل من خلال قراءته للحدث وإسقاطه على الوقت الراهن، كما رسم المخرج رجاء العتيبي شكلا بصريا خلاقا سيجسد أحداث العمل على خشبة المسرح بطريقة إبداعية تتكامل فيها العناصر الفنية، لتظهر بصورة تتوازى مع مسرح عكاظ، والذي يعد اليوم أهم مسرح يقدم في السعودية، من خلال مساحة الطرح والمعالجة لموضوعاته، والتي اكتسبها من وعي القائمين على سوق عكاظ وحرصهم على خلق الجديد ودعمه بكافة السبل”. وبدوره قال مؤلف المسرحية الدكتور شادي عاشور” كتبت الشاعر زهير من خلال اصطياد لحظات محددة في تاريخه الشخصي، فما التقطت من حياته ما كان جديرا بأن يكون مسرحية قابلة للعرض، فلم أكتب زهير ذاته، وإنما كتبت روح زهير”. وتابع القول “كتب النص كمقاربات تتقاطع مع أحداث عصرنا الحالي، ولم تنقل زهير في أذهاننا، حيث ابتدعنا شخصية ثانية للشاعر، من خلال منهجية تختلف عن منهجية الباحث العلمي، أملاً أن تكون المسرحية في مستوى تطلعات سوق عكاظ”. من جانبه، بين مخرج المسرحية رجاء العتيبي أن تقديم شخصية زهير يجيء من خلال فلسفة واعية قرأت تاريخه جيداً، وستظهره كنص بصري موازي يدعم فكرة النص ويعزز أفكاره مشيرا إلى أن مهمته الأساسية كمخرج للعمل هو إظهار عمل ملحمي كبير كمسرحية زهير، تتركز في تصميم عرض بصري قائم على شروط السينوقرافيا من خلال تأثيث الفضاء المسرحي بفرجة بصرية مستمرة لا تنقطع، ومليئة بالدهشة والتكوينات والعلامات، متطلعا أن يكون العمل قيمة مضافة للمسرح السعود . ويضم طاقم عمل المسرحية كل من الدكتور شادي عاشور مؤلفاً، ورجاء العتيبي مخرجاً، وبطولة عبد الله عسيري، ويعقوب الفرحان، وتمثيل شجاع نشاط، وعبد الله فهاد، وفيصل الحلو، ومحمد الشدوخي، وخالد الصقر، وتنفيذ السينوقرافيا سعود العبد اللطيف، وتصميم الديكور محمد عسيري، وإشراف عام عمرو جابر القحطاني. من جهة أخرى يشهد سوق عكاظ في هذا العام استمرار تقديم الأعمال المسرحية الدرامية التاريخية المتنوعة في جادة عكاظ “مسرح الشارع” والتي تشمل تجسيدا لبعض نواحي الحياة فضلا عن عروض الشعر العربي في المسارح المفتوحة، وعروض قوافل الإبل والخيل. ويشارك في تقديم العروض المسرحية في “مسرح الشارع” بجادة سوق عكاظ “ 50 ممثلا سعوديا يساندهم 100 شاب متطوع من أبناء المجتمع المحلي في محافظة الطائف وطلاب جامعة الطائف. «بيت ياسمين» في رام الله على خشبة مسرح “عشتار” في رام الله، قدّمت إيمان عون عملها “بيت ياسمين” الذي يشرك الجمهور في العرض، بوصفه جزءاً أساسياً من العمل وليس متفرجاً فقط، على طريقة المعلّم البرازيلي أوغوستو بوال مؤسس «مسرح المقموعين». العمل يطرح سؤالاً عن جدوى المساعدات المقدمة من الدول المانحة للفلسطينيين، عبر الحكومة أو المنظمّات غير الحكومية. وتسأل المخرجة الفلسطينية بحرقة وجرأة: “هل التمويل يحقّق تنمية حقيقية في الأراضي الفلسطينية؟ هل نستطيع العيش من دونه؟”. أسئلة كثيرة راودت المديرة الفنية لمسرح “عشتار” بعد تجارب كثيرة خاضتها مع جهات التمويل، آخرها مع مؤسسة شريكة لها في عرض “مونولوجات غزة”، إذ طلبت منها عدم استخدام كلمة “شهيد” في المونولوجات كشرط لاستمرارية دعمها للمشروع. ردّت عليها عون بكلمتين: “مع السلامة”. انطلاقاً من هذه الحادثة، بدأت الأسئلة تراود عون: لكل مانح أجندة خاصة به، فهل نقبل بإمرار سياساته؟ وإن فعلنا، أفلا نخسر بذلك شيئاً من روحنا؟ أسئلة دفعتها إلى التفكير في كل الإشكاليات المتعلقة بقبول التمويل الأجنبي مقابل إمرار أجندات سياسية تلصق الإرهاب بالشعب الفلسطيني، والبحث في علاقة المانحين بالمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، إلى أن خلصت إلى أنّ “الغيبوبة تسيطر على الجميع”. ضمّت “بيت ياسمين” تسعة ممثلين شاركوا الجمهور النقاش في محور المسرحية ارتجالياً أثناء العرض، ما خلق حالة تفاعل قوية. وقد مولت المسرحية “مؤسسة روزا لوكسمبورج” الألمانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©