الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا والأزمة السورية: أسئلة داخلية محرجة!

تركيا والأزمة السورية: أسئلة داخلية محرجة!
9 سبتمبر 2012
بعد أن أدركت أن دعوتها لإقامة ملاذ دولي آمن للاجئين الفارين من سوريا لم تلق آذاناً صاغية، تندفع تركيا في الوقت الراهن لإيواء عدد هائل يقدر بنحو 80 ألف لاجئ سوري تدفقوا على أراضيها. وفي مناطقها الشرقية، يكثف المسلحون الأكراد الذين تزعم تركيا أنهم يصطفون مع نظام الأسد، هجماتهم المميتة، أما في هذه المنطقة الحدودية ذات الأغلبية العلوية، والتي تمثل مركزاً للراحة وإعادة التزود بالإمدادات للمتمردين السوريين فتتزايد المخاوف من انتقال عدوى الصراع الطائفي السوري إلى تركيا. ويقف المسؤولون الأتراك وراء سياسة حكومتهم تجاه سوريا، علماً بأن المشكلات الناتجة عن هذا الموقف لم تمثل حتى الآن سوى تهديد محدود لحكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أوحتى لسمعة تركيا وشعبيتها التي عملت على ترسيخها بحرص ودأب في المنطقة. لكن نظراً لما تشير إليه استطلاعات الرأي من تناقص الدعم المحلي لموقف الحكومة التركية، فإن أنقرة لا تجد أمامها سوى مساحة محدودة للحركة، أي لتدبير ومعالجة التداعيات الناتجة عن الأزمة السورية، والتي يجمع المحللون السياسيون على أن تركيا لم تتوقعها عندما قررت تبني موقف مضاد للرئيس السوري العام الماضي. وقد باتت أنقرة تدرك الآن أنه لا تتوافر لديها القدرة على إعادة ترتيب الأمور،"ليس في المنطقة ككل كما كانت تعتقد في السابق، وإنما في سوريا أيضاً"، وذلك بحسب "جوكهان باجيك"، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جامعة "زيرفي التركية"، والذي يرى أن تركيا تجد نفسها في مواجهة هذا الوضع "بحاجة ماسة للدعم الأميركي، غير أنه دعم لا يأتي". عندما زار وفد أميركي تركيا الشهر الماضي، فإن الأتراك عرضوا نفس وجهات النظر التي كانوا قد عرضوها قبل أسبوعين من هذه الزيارة، أمام وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وبحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية فإن الأتراك اشتكوا من أنهم "لم يعودوا قادرين على تدبير شؤون اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على البلاد بأعداد لم تكن متوقعة في البداية، وقد طلبوا من الحكومة الأميركية والآخرين أن يتدخلوا من خلال تأسيس منطقة ملاذ آمن محمية بحظر طيران داخل سوريا نفسها". وأشار ذلك المسؤول إلى أن الأتراك خلال اللقاء المذكور، حذروا من أن أقصى عدد للاجئين يستطيعون التعامل معه هو 100 ألف لاجئ. وفي مواجهة المناشدات التركية، ردت كلينتون بالقول إن فرض منطقة حظر طيران سوف يتطلب تدخلا عسكرياً أجنبياً، لا تعتقد الولايات المتحدة أنه سيساعد في الوقت الراهن، بحسب ذلك المسؤول الكبير الذي اشترط عدم الكشف عن هويته حتى يخوض في مناقشة ذلك الموضوع الحساس. لكن وزيرة الخارجية، وبدلاً من أن ترفض المطالب التركية صراحة، دعت إلى أجراء المزيد من المباحثات الثنائية بين الدولتين، وإلى إنشاء بنية قيادة وسيطرة بينهما لتنسيق ردود أفعالهما واستجاباتهما للأزمة السورية. وموقف تركيا تجاه الأسد جاء عقب تراجعها عن "سياسة تصفير المشكلات" التي تبناها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في التعامل مع دول المنطقة. وقبل الانتفاضة السورية، كانت دمشق تمثل حجر الزاوية في تلك السياسية، حيث شهدت العلاقات بينهما، سواء في السياسة الخارجية، أو في التجارة، أوالسياحة، ازدهاراً غير مسبوق. وفي الوقت الراهن تستضيف تركيا "المجلس الوطني السوري" المعارض لنظام الأسد، كما توفر الملاذ لأعضاء "الجيش السوري الحر" وللمئات من الجنود السوريين الفارين. ويوم الأربعاء الماضي وصف أردوغان سوريا بأنها "دولة إرهابية"، وهو موقف عزز من مصداقية أنقرة في العالم العربي، لكنه عقّد في نفس الوقت من علاقاتها مع إيران وروسيا اللتين تدعمان نظام الأسد. ويشار إلى أن تركيا قد أقامت سلسلة مكونة من 11 معسكراً للاجئين على امتداد حدودها مع سوريا، وتشرع حالياً في بناء المزيد منها، تحسباً لنزوح لاجئين جدد ، تقول مصادر حكومية إنهم يتدفقون بمعدل4000 لاجئ في اليوم. واللاجئون الموجودون في تركيا يكتظون في فصول المدارس الحكومية وأفنيتها، وفي عنابر النوم داخل المدارس الداخلية، كما أن هناك المئات منهم يتلقون العلاج في المستشفيات التركية. وقد تراجعت تركيا عن بيان صدر عنها مؤخراً قالت فيها إنها ستغلق حدودها عندما يصل عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا أراضيها رقم 100 ألف لاجئ، بيد أن وزير الخارجية أوغلوا الذي يواجه انتقادات متزايدة في بلاده، ألمح -مع ذلك- إلى ندم بلاده على سياسة الباب المفتوح التي كانت تتبناها. وقال أوغلو في هذا الخصوص، في كلمة له أمام الأمم المتحدة: "هناك إحساس متزايد في تركيا مؤداه أننا من خلال قيامنا بهذه التضحية والتعامل مع مسألة ضخمة للغاية مثل المسألة السورية بمفردنا تماماً، فإننا نشجع بذلك المجتمع الدولي على التساهل وعدم الفعالية". وعلى الرغم من إدانة تركيا لنظام الأسد وقلقها من فراغ القوة المتفاقم في سوريا، ومناشدتها المجتمع الدولي بالتدخل، فإن المسؤولين والمحللين يقولون إنه لا توجد لديها شهية لاستخدام قوتها العسكرية لمواجهة الأسد أو تأمين منطقة لاجئين. وهناك معارضة واسعة النطاق في تركيا للعمل العسكري في الوقت الراهن. ففي هذا السياق يقول المحللون إن تركيا متخوفة من تعريض سمعتها في المنطقة للخطر، وحيث لا يزال إرث الخلافة العثمانية ماثلاً في الذاكرة، خصوصاً وأن الجيش التركي ليس مجهزاً لخوض حرب طائفية طويلة على الطراز العراقي، كما يقول "هنري باركي"، الخبير في الشؤون التركية في جامعة لي بنسلفانيا. ويقول "باركي" إن حدود تركيا مع سوريا التي يبلغ طولها 566 ميلاً، جعلت من الصراع "صراعاً غير قابل للكسب من قبل الأتراك منذ البداية". وقد تمسك المعلقون والساسة الأتراك المنتمون للمعارضة بهذه النقطة واعتبروا أنها تمثل فشلاً في سياسة بلادهم. وفي هذا السياق ذهب بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين للقول إن تركيا قد فاقمت من الصعاب التي تواجهها عندما حدت من تدخل منظمات الأمم المتحدة في معسكرات اللاجئين، وسمحت للمتمردين واللاجئين السوريين بالتركز في مقاطعة "هاتاي" التي تسكنها أغلبية علوية. ويتجلى المأزق الذي تواجهه تركيا بشكل محسوس في مدينة أنطاكيا التي لا تبعد سوى أقل من ساعة واحدة من الحدود. فكثير من سكان هذه المدينة ذات المناظر الخلابة ينتمون للطائفية العلوية التي ينتمي إليها نظام الأسد (بينما ينتمي غالبية السكان في تركيا وسوريا للطائفة السنية). فتلك المدينة التي كانت سوقاً جاذباً للسوريين قبل الانتفاضة، تحولت بعدها إلى قاعدة للمتمردين واللاجئين الذين يُلاحظ أن بينهم الكثير من الرجال كثي اللحى، وهم يتجولون في شوارع هذه المدينة التي تكثر فيها أعداد السياح الذين يرتدون ملابس خفيفة وشورتات قصيرة. وفي أنطاكيا، لا يزال الدعم والتأييد لنظام الأسد قوياً: وهناك قلق متزايد بين سكانها من أن أرودغان يساند التمرد ضد الأسد كي يكرس للسيادة السنية المطلقة في المنطقة. وهذه المخاوف عبّر عنها "حزب الشعب الجمهوري"، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، والذي اتهم الحكومة صراحة بتدريب الإسلاميين الراديكاليين في معسكرات قريبة مخصصة للفارين من الجيش السوري، وهو ما تنفيه أنقرة. ورغم المخاوف التي عبّر عنها بعض سكان أنطاكيا من العلويين من تحول المتمردين السوريين ضدهم عقب سقوط نظام الأسد، فإن قادة "الجيش السوري الحر"، المتواجدين في المدينة، يحاولون تبديد تلك المخاوف. وفي هذا الصدد قال أحد قادة المتمردين، ويكني بأبي هشام: "نحن نبذل قصارى جهدنا من أجل احترام القواعد السائدة في تركيا". ورأي أبو هشام أن الجدل الدائر حول هذه المسألة يجب أن يدفع الحكومة التركية للإسراع في مساعيها الرامية لوضع نهاية للحرب، حيث قال: "من الأفضل للحكومة التركية أن ترسل لنا الأسلحة حتى نتمكن من إنهاء الحرب بحيث يتمكنوا هم من تجنب الضجة المثارة حول هذا الموضوع هنا". كارين بروليارد أنطاكيا - تركيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©