السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن اشتراطات الإصلاح والتحديث

عن اشتراطات الإصلاح والتحديث
22 سبتمبر 2011 02:01
بعد تزايد الأزمات في المجتمعات العربية في العقد الأخير برزت دعوات النخب السياسية والثقافية للمطالبة بالإصلاح وبالتحديث وتحقيق التنمية السياسية، وتعزيز دور المجتمع المدني في الحياة السياسية للخروج بالواقع العربي، من حالة التردي والفساد وهيمنة الدولة على المجتمع وتراجع معدلات التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكان في قلب تلك الدعوات المطالبة بحل إشكالية العلاقة بين الفرد والسطلة، وبين المجتمع والدولة، ومن ثم العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بعد أن تبلورت أطروحات واسعة وهامة تتعلق بمفهوم المجتمع المدني ودوره وبنيته. وضمن تلك المقاربات والإسهامات الفكرية فيما يتعلق بقضايا التحديث والتطوير يأتي كتاب ثامر كامل محمد “المجتمع المدني والتنمية السياسية/ دراسة في الإصلاح والتحديث في العالم العربي”، مساهمة في تقديم إجابات عن مجموعة من الأسئلة الهامة التي تتعلق بموجبات التشديد على دور المجتمع المدني في الواقع العربي، في عمليات الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب البحث في مضمون تلك التنمية والمداخل التي يجب اعتمادها في ذلك لتفعيل دور هذا المجتمع، ومدى انعكاسها على أداء الأنظمة السياسية العربية وتعزيز قدراتها، وصولا إلى تحقيق دولة القانون والمؤسسات والحرية والعدل والمساواة، ما يستدعي السؤال مرة أخرى عن العلاقة الممكنة بين السلطة والمجتمع المدني؟. تنطلق قراءة الباحث من تحديد للأطر المفاهيمية، وفي مقدمتها مفهوم المجتمع المدني، لاسيما في العالم العربي حيث تتعدد مكونات هذا المجتمع في الدول العربية وتتباين من حيث فاعليتها، سواء على مستوى كل بلد أو على المستوى العربي، ما يدفعه إلى تبني منهج علمي مركب ومتعدد الزوايا يتمثل في المنهج الوصفي التحليلي النظمي بهدف الوصول إلى تكوين رؤية كلية حول ماهية هذا المجتمع المدني عربيا وذلك عبر ستة فصول، يفتتحها بتعريف مفهوم المجتمع المدني الذي شاع استخدامه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكانت له ثلاثة استخدامات، أولها الاستخدام السياسي، وثانيها الاستخدام الاجتماعي، وثالثها الاستخدام الفلسفي، في حين تتعدد التعريفات التي قدّمها له علماء الاجتماع والسياسة. إن قيام المجتمع المدني يتطلب توافر ثلاثة أسس، الأول هو الفعل الإرادي الحر، والثاني هو المجتمع المنظم عبر منظمات ومؤسسات تعمل بصورة منهجية ووفق معايير منطقية، بينما الأساس الثالث هو أخلاقي سلوكي يقبل بالاختلاف والتنوع وحق الآخرين بتكوين منظمات مدنية تحقق مصالحهم المادية والمعنوية. وتعتبر التنمية السياسية شرطا لقبول النظام السياسي بما يحدث من متغيرات محلية وعالمية، دون أن يعني مفهوم التنمية السياسية معنى محددا، وإن كانت كما يجمل الباحث تتضمن التوجه باتجاه تحقيق مزيد من المساواة بين الأفراد. الإصلاح والتحديث يعود الباحث إلى تمحيص فكرة الإصلاح في العقل العربي كاشفا عن وقائعها التاريخية التي كشف عنها الوعي العربي الحديث، كما ظهر في الإصلاح السياسي والليبرالي العربي منذ مطلع القرن 19 وكذلك في حقبة ما بين الحربين العالميتين، وفي النضال الشعبي من أجل الحرية والديمقراطية، أما ما يخصّ أشكال التأثير في عمليات الإصلاح السياسي فإنها تنحصر في النقد والدعوة إلى التغيير إلى جانب آلية جديدة تجلت في مبادرات الإصلاح ودعوة الدول إلى تبنيها عبر الدخول في مشروعات شراكة على المستوى الدولي. وبعد أن يميز بين مفهومي الحداثة والتحديث يحدد مشتركات مشروعات الحداثة العربية في عدد من الأسس والمقومات التي تؤكد كون الحداثة تجربة زمنية تاريخية لها سياقات سوسيو ـ ثقافية تجعل لكل مجتمع حداثته، بينما يمثل التحديث مجموعة من التغيرات الكمية والكيفية التي تجري في مجتمع ما في فترة زمنية محددة، ينجم عنها تفعيل لدور المؤسسات السياسية والاجتماعية والمدنية، وتتجلى العلاقة بين عملية التحديث والتنمية السياسية في خمسة محاور، هي ترشيد السلطة بجعلها سلطة موحدة وعقلانية ذات نظام مؤسساتي، وإنشاء وظائف سياسية جديدة، وتحقيق المشاركة الهادفة في السياسة العامة. إن فهم الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع المدني عربيا تستدعي من الباحث مناقشة المشاكل الناجمة عن التعامل النظري والإجرائي مع هذا لمجتمع، من حيث طبيعته وسماته وتطور العلاقة بين النظام السياسي والمجتمع المدني، للوصول إلى تحديد ماهية هذا المجتمع التي تخلص دراسة الشبكة العربية للمنظمات الأهلية العربية إلى أن دورها ينحصر في تقديم خدمات اجتماعية وتربية دينية، بينما تسيطر القوى اليسارية والقومية وممثلو القوى النقابية على أشكال أخرى من العمل التنظيمي. ويجمل خصائص المجتمع المدني في عدد من السمات والمعايير من الناحية الإجرائية والمعيارية تأتي في طليعتها الإرادة الحرة للأعضاء والإدارة الجماعية لتلك المؤسسات القائمة على بعد أخلاقي وسلوك يعترف بالتنوع والتعدد، ويقوم على الوسائل السلمية واحترام قيم المجتمع المدني القائمة على الحوار والتسامح والتعاون والتنافس، على أن يكون لتلك المؤسسات قوانين أساسية وتنظيم إداري مستقل تنظيميا وماليا، مع الابتعاد عن أي عمل ذي طابع حزبي. آليات التنمية يستدعي وجود مؤسسات المجتمع المدني وجود آليات وقواعد خاصة بها تحقق تنميتها وفاعليتها بصورة مؤثرة في المجتمع، ويأتي في مقدمة تلك الآليات الآلية الدستورية والإطار القانوني، وهو ما يستند إلى مجموعة أبعاد يسهب في شرحها إلى جانب تعريف معنى الإطار القانوني وتحديد ماهية المجتمع المدني المؤهل لعملية التنمية السياسية والاجتماعية والتحديث، ذلك أن خلق وعي اجتماعي قانوني/ سياسي، يسهم في خلق آلية لتنمية المجتمع المدني وتفعيله. وإلى جانب الآلية الدستورية هناك الآلية الثقافية التي يوضح مرتكزاتها وعناصرها ودورها في حل إشكالية بناء المجتمع المدني وتحديثه عربيا، ثم يبيِّن متطلبات نجاح العلاقة بين الدولة وتلك المؤسسات، لينتقل بعدها للحديث عن الآلية الاجتماعية ودور المواطنين في صناعة القرار والتأثير في القرارات السياسية، من خلال الحريات السياسية الممنوحة التي تستدعي هي الأخرى شرطين لازمين هما التربية السياسية والتنمية بالمشاركة. ولمواجهة هيمنة السلطة على المجتمع، يقدّم المؤلف مجموعة مقترحات أولها تحقيق التعبئة الاجتماعية السياسية باعتبارها غاية ووسيلة، والقيام بتحديث مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية لترشيد النظام القائم وجماية المجتمع. الكتاب: المجتمع المدني والتنمية السياسية/ دراسة في الإصلاح والتحديث في العالم العربي المؤلف: ثامر كامل محمد الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث ـ أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©